رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
337   مشاهدة  

القصبجي الذي أجاد علم التدوين الموسيقي..سيرة الموسيقار الحلقة (الأخيرة)

القصبجي


 

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثلاثين والأخيرة من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد علي القصبجي، وكنا قد انتهينا في اللقاءات السابقة من الحديث عما عرف بسلسلة التزوير والوضع التي أصابت سيرة ذلك الموسيقار الفذ، تناولنا المحاور الثلاث التي بني عليها نقد كتاب الدكتورة رتيبة الحفني “محمد القصبجي الموسيقي العاشق” كذلك تناولنا ما يمكن اعتباره أمرا مميزا في ذلك الكتاب، واليوم نكمل ما بدأناه.

 

واستكمالا للحديث عن الدور الثقافي للمرحوم محمد القصبجي فيما يخص الموسيقى العربية، فيمكن القول بأن القصبجي بفكره وعبقريته قد وضع حدا فاصلا وواضحا بين موسيقى القرن التاسع عشر”والتي عرفت بموسيقى أو طرب عصر النهضة”، وبين موسيقى وفن القرن العشرين وذلك من خلال المنهج العلمي المبني على أسس سليمة والذي بكل تأكيد قد استدعاه في أعماله الموسيقية والغنائية، جدير بالذكر أن كشف تلك المعلومات عن المرحوم محمد القصبجي كفيل بإعادة النظر في مسيرة تطور الموسيقى العربية، فالمعروف والمشهور لدى عوام الناس إذا ما ذكر التطور والتجديد أن الشيخ سيد درويش هو المطور والمجدد الأكبر الذي يتربع على عرش هذا الميدان، تماما كمسألة تربع المرحوم الشيخ سلامة حجازي فيما يتعلق بالمسرح الغنائي ومن بعده سيد درويش وزكريا أحمد، أو المرحوم محمد عثمان وعبده الحامولي في ميدان الدور ومن بعدهم إبراهيم القباني وداوود حسني.

تعلم المرحوم محمد القصبجي وأجاد علم التدوين الموسيقي وعلم النظريات الموسيقية، ومعروف أن والده المرحوم الشيخ علي القصبجي هو من علمه نظير أن يجتهد في دروسه، وبالفعل اجتهد القصبجي الصغير في الميدانين فحصل على شهادة مدرسة المعلمين، وإضافة إلى ذلك فقد واصل تعليمه وثقافته الموسيقيتين عبر اقتناء الكتب والمراجع ودراستها وشرحها مع متخصصين، وهذا ما كشف لنا بعد ذلك عن مفكر موسيقي كبير “محمد القصبجي” عالج طول أوتار آلة العود وعدلها، ووضع طريقة لتوزيع طباقي وتوافقي لألحانه على مقامات أحادية الطابع، ونتج عن هذا معالجته مقامات مهجورة ومنسية، ووصل به إلى ابتكار مقام موسيقي.

ومن الأمور التي أكدت عليها الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها “محمد القصبجي الموسيقي العاشق” بخصوص مسألة سعي المرحوم محمد القصبجي لتطوير ثقافته الموسيقية أن القصبجي كان يداوم على حضور حفلات دار الأوبرا الملكية، حتى يستمع إلى الفرق الأجنبية بين أوركسترا سيمفوني وفرق أوبرا، وكان يشاهد عروض الباليه، كذلك كان ينتهز كل فرصة يمكن أن تتيح له التعرف على كبار الموسيقيين الوافدين وقادة الأوركسترات الغربية وتبادل المعلومات الموسيقية معهم، ولعل ذلك هو ما أفرز فكرا جديدا للمرحوم محمد القصبجي انطبع على أعمالة التي حملت طابع التطوير والتجديد، ولا يخفى على أحد من سميعة كوكب الشرق أم كلثوم لحن مونولوج إن كنت أسامح وأنسى الأسية الذي أحدث به القصبجي ثورته في هذا الميدان، كذلك مونولوج منيت شبابي بالنعيم ويا الحبيب الذي حمل طابعا أوبراليا لا يمكن أن يؤدى بتخت عادي، كذلك لحنه الرائع الشهير مع زهرة القرن العشرين أسمهان “يا طيور” الذي عد طفرة في الألحان الشرقية التي حملت الطابع الأوبرالي، فليس هناك شك في الدور الثقافي الواسع الذي لعبه المرحوم محمد القصبجي في الموسيقى العربية والذي لم يأت فقط من خلال التنقيب في خبايا الموسيقى العربية “الشرقية” بل امتد لتبادل المعلومات مع ثقافات أخرى أدخلها القصبجي بذكاء وحنكة شديدين على الموسيقى العربية وألبسها الثوب الشرقي فأخرج منتجا تلقاه المستمع العربي بالقبول دون نفور أو انتقاد.

حصر للأعمال الوطنية للمرحوم محمد القصبجي:

ذكرنا في اللقاء السابق أن كثير من الكتاب يغفلون الجانب الوطني والقومي والسياسي من حياة الموسيقار الكبير محمد القصبجي، ربما كان سند بعضهم أن المرحوم الشيخ سيد درويش كان صوت ثورة 1919م، وربما كان صمت المرحوم محمد القصبجي وعدم بحثه عن الشهرة والأضواء وحبه للاختفاء سببا عند البعض الآخر، بل إن ميل المرحوم محمد القصبجي إلى الجانب العاطفي والوجداني من الفن كان سببا لدى البعض أيضا، وهو أمر يدعو للاستغراب، فحب الوطن والتعبير عما يعانيه أو ما يسره هو في الأصل تعبيرا عاطفيا ووجدانيا لاسيما في بلد عريق كمصر تربى الفنان فيه على حب وطنه وبذل الغالي والنفيس في سبيله.

 

إقرأ أيضًا…شركة روتانا..اللي ضحكت ولسه بتضحك علينا

والحقيقة أن مسيرة الفنان محمد القصبجي حافلة بالكثيرة من الأعمال الوطنية التي غناها الكثير من المطربين والمطربات، وقد ذكرنا منها في اللقاء السابق عملين غنتهما المطربة الكبيرة منيرة المهدية، ونذكر منها أيضا:
اتحاد الشعب حصن لعلاه، من كلمات الصاوي علي شعلان وغناه المطرب كارم محمود
إن يغب عن مصر سعد فهو بالذكرى مقيم، من كلمات المرحوم أحمد رامي، وقد غنته كوكب الشرق أم كلثوم
أنا الجندي في ميداني، من كلمات سعد سرور كامل وغناه المطرب الكبير عباس البليدي
أنا مصر انظر وشوفني أنا اسمي مصر المحروسة، مجهول المؤلف، وغناه المطرب الكبير صالح عبد الحي
إيش صابك يا حبيبة، من كلمات المرحوم محمود بيرم التونسي، وغنته المطربة سعاد محمد
حب الوطن ده من الإيمان، مجهول المؤلف، وغنته سلطانة الطرب منيرة المهدية
حيي مصر، من كلمات محمد الأسمر، وغنته المطربة فايدة كامل
لمنشيء مصر تحيات مصر، من كلمات الصاوي علي شعلان وغناء المجموعة
نحن أبناء الصحاري نحن فتيان الجلاء، من غناء المجموعة أيضا
يا بلادي حطمي قيد الليالي، من كلمات مصطفى عبد الرحمن، وغنته المطربة الكبيرة نجاة علي
يا دعاة الحق هذا يومنا لاح، من كلمات المرحوم أحمد رامي، وغنته المطربة فايدة كامل
يا فلسطين اسلمي نلت السلامة، من كلمات محمود أبو الوفا، وقد غنته المجموعة.

إقرأ أيضا
صوت مصر

الأيام الأخيرة من حياة الموسيقار محمد القصبجي:

كانت المرحلة الأخيرة من حياة الموسيقار الكبير محمد القصبجي مرحلة باهتة منطفئة، أحاطها الحزن والوصب، تملك اليأس من قلب وعقل العجوز فبات هائما على وجهة، تملكه المرض وأضحى منتظرا ساعة الخلاص ليسترح مما يعانيه، وظل كما هو عازفا على عوده في فرقة الست أم كلثوم، تشاهده فلا تظن أنه يبذل مجهودا يذكر، وكأن الرجل يجلس مودعا الجماهير في حفل تلو الآخر حتى انقطع قبل وفاته بفترة وجيزة، ونعود للوراء قليلا لنذكر ما رواه المؤرخ الكبير كمال النجمي عن المرحوم محمد القصبجي في أيامه الأخيرة، حيث يقول: عندما قيل أن أم كلثوم امتنعت عن تكليف القصبجي بالتحلين لها لم يدهشني امتناعها هذا، وكأنني كنت أتوقعه، وفي سنة 1965م، رأيت المرحوم محمد القصبجي لآخر مرة في شارع إبراهيم باشا، كان يمشي ببطء وفي وجوم يتلفت أحيانا ويتوقف أحيانا أخرى وكان المرض باديا عليه، ووجهه معروقا كأنه قد خلا تماما مما يكسوه من اللحم.
وفي السادس والعشرين من شهر مارس من العام 1966م، صعدت الروح إلى بارئها ورحل عن عالمنا الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد القصبجي، تاركا وراءه إرثا فنيا هائلا يتناقله الدارسون ويتعلم منه الموسيقييون، ليفنى هو وتخلد ذكراه وأعماله، وليبقى اسمه علامة بارزة في تاريخ الموسيقى العربية.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة ونهاية سيرة ذلك الموسيقار العبقري، على أن نلتقي مجددا مع قصة جديدة من قصص أعلام الموسيقى العربية.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان