همتك نعدل الكفة
53   مشاهدة  

“القمل كان وسيلتها للثراء” قصة متسولة ساعدت مصر في مكافحة التيفود

مكافحة التيفود - فاطمة المتسولة
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



قبل قرن من الزمان وتحديدًا في عام 1905م بدأ وباء التيفوس يدخل مصر إلى أن غزاها بشكل كبير عام 1920م، وكتب الدكتور نجيب قناوي بك الطبيب في أحد مستشفيات الإسكندرية كتيبًا قال فيه أن وباء التيفود الذي اجتاح عروس البحر المتوسط بين 1917م و1919م قد يكون وراء انتشاره بالعدوى هو القمل، لكن لابد من وجود سبب آخر غير القمل لنقل العدوى؛ وعلقت حينها مجلة المقتطف فقالت «الذي نعلمه أن جمهور الأطباء يحتمون أن القمل ينقل العدوى، ولكنهم لا يقولون أنه الواسطة الوحيدة لنقلها».[1]

مكافحة التيفود
خبر ظهور التيفوس في مصر سنة 1905م

منذ ذلك التاريخ اهتمت مصلحة الصحة (قبل أن تصبح وزارة) في مصر بتوفير كل سبل الوقاية إلى حين العثور على مضاد للتيفود، إلى أن أصدرت مصلحة الصحة بحثًا يؤكد أن القمل هي الحشرة التي تساهم في نقل الميكروب، ورأوا ضرورة تشريحها، لكن السؤال من أين لهم بقمل يشرحوه ويحللوه؟ فكانت المتسولة فاطمة المورد الرسمي للقمل.

الشَّحّاتة فاطمة ملكة القمل في عملية مكافحة التيفود

صورة الشحاتة فاطمة
صورة الشحاتة فاطمة

كانت فاطمة متسولة طيلة سنوات قليلة، إلى أن صارت زائرًا دائمًا لمبنى وزارة المالية منذ عام 1920م حتى سنة 1930م، حيث كانت تتقاضى 10 قروش نظير (طريحة) قمل، لم يقدم محرر مجلة الدنيا المصورة أي تفسير لمعنى مصطلح (طريحة) لكن تشير تفاصيل المتابعة الصحفية أن الطريحة مشتقى من الطرحة التي فوق الرأس المقملة، في إشارة أن القمل كان كثيرًا لدرجة أنه يلتصق بالطرحة.[2]

المتابعة الصحفية لفاطمة المتسولة توضح أنها كانت تذهب إلى معامل مصلحة الصحة وتمكث بها نصف ساعة، حيث تجلس في جهة منعزلة في الحديقة المحيطة بالمعامل ويكون في استقبالها أحد المساعديين الفنيين وفي يده أنبوبة من الزجاج ينتظر منها حصيلة القمل الذي في رأسها، وإن أخرجت قملاً صغير الحجم أعاده لها، وإن كان حجم القملة كبيرًا يحتفظ بها في الأنبوبة.

ويبدو أن قمل فاطمة المتسولة كان فيه البغية والغاية التي تريدها مصلحة الصحة، إذ كانت توفر لها مصلحة الصحة عربة خاصة تحت إشراف المساعد الفني للمصلحة وبقيادة عربجي، وحتى لو تصادف يوم وكانت فاطمة مشغولة، فكانوا يأتون بها بالقوة.

قمل فاطمة المتسولة أثبت لأطباء مصلحة الصحة أن تلك الحشرة تحمل ميكروب العدوى أكثر من غيره من الحشرات بعدما تم إجراء تجارب كثيرة عليها، ومن أوجه هذه التجارب أن إحدى الممرضات كانت قد أصيبت بحمود التيفود، ليقوم الدكتور بوضع تلك الحشرات على ذراعها ويحيطه بإناء بلوري صغير حتى لا تسسير لغير الموضع الذي أراده، وبعد أن تمتص الحشرة ما يشبعها من دم الممرضة الملوث بالتيفود، يجيء الدكتور بمجموعة نسانيس صغيرة ويختار نسناسًا منهم، ويزيل عن بطنه الشعر ويضع الحشرات السابقة عليه فلا يمضي يومان حتى يموت النسناس.

 اللافت في تلك التجارب العلمية أن أحد أطباء مصلحة الصحة فقد حياته ذات يوم إذ كان لمس بعضًا من هذه القملات ونقلها من وعاء لآخر فقامت إحدى الحشرات بقرصه ولم يمضي وقت حتى أصيب الدكتور بحمى التيفود ومات بها.

هل استفادت مصلحة الصحة من قمل فاطمة ؟

مكافحة التيفود
من محاجر مصلحة الصحة وقت اجتياح التيفود مصر

لم توجد أي بيانات شخصية عن فاطمة المتسولة، لكن يبدو أن شهرتها استمرت بعد ذلك بسنوات، فالعالم المصري أحمد زكي عاكف لما كتب عن التيفود سنة 1933م قال صراحةً «مدينة القاهرة هي أشد عيادات العالم المتمدن ازدحامًا وقذارة وسوء حال، ولا سبيل لاتقاء التيفوس إلا بتطهير السكان من القمل، والقمل من الحشرات التي يمكن استئصالها».[3]

اقرأ أيضًا 
الأب الخفي لعراب تاريخ معهد الأورام “طبيب عالمي مات بالعدوى ومصر تكرمه إلى الآن”

إقرأ أيضا
معرض

لاحقًا فإن مصلحة الصحة خلال مكافحة التيفود نجحت إلى حدٍ ما في إيجاد بعض أنواع العقاقير الوقائية، وذلك طبقًا لتقرير كتبه شاهين باشا رئيس المصلحة سنة 1936م قال فيه أن انتشار مستودعات القمامة في المدن هي المرتع الخصيب لتوالد الحشرات الناقلة للرمد والحمى التيفودية، مطالبًا بناء أفران للتخلص من القمامة حرقًا، كما يتم إبعاد الزرائب والاصطبلات عن أماكن السكن المزدحمة، إلى أن طرأ تغير كبير على المصلحة إذ تحولت إلى وزارة[4]، ولم تسفر جهود مكافحة التيفود عن إيجاد عقاقير فعالة، وهو ما دفع وزارة الصحة لتشكيل مجلس تشكيل لجنة للتيفوس في مطلع سنة 1943م وذكرت أن تحضير لقاح للتيفوس ليس من الأشياء السهلة لكن ينبغي لمعمل منطقة العجوزة تحضير المصل الواقي من التيفوس بمقادير كبيرة، إلى أن تم الإعلان في يونيو سنة 1943م عن هبوط إصابات التيفوس والملاريا والجدري، وقال وزير الصحة في بيان إذاعي أن التيفوس وإن هبطته إصاباته كثيرًا لكن ذلك لا يعني اختفاءه تمامًا[5]، ورويدًا رويدًا صار التيفوس من الذكريات الوبائية السيئة في تاريخ مصر.


[1]  محرر، كلمة في التيفوس، مجلة المقتطف، مج57، ج3، يوم 1 سبتمبر 1920م، ص256.
[2]  محرر، تجارة لم يسمع بها أحد، مجلة الدنيا المصورة، ع71، يوم 15 يونيو 1930م، ص11.
[3]  أحمد زكي عاكف، التيفوس، مجلة الرسالة، ع8، يوم 1 مايو 1993م، ص33.
[4]  يونان لبيب رزق، الأهرام ديوان الحياة المعاصرة، ح415، الصحة العمومية، جريدة الأهرام، يوم 15 نوفمبر 2001م، ص7.
[5]  محرر، هبوط إصابات التيفوس، جريدة المقطم، ع29 يونيو 1943م، ص3.

الكاتب

  • مكافحة التيفود وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان