همتك نعدل الكفة
221   مشاهدة  

الكتابة كأداة للإقلاع عن التدخين

الكتابة والتدخين
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



بين الكتابة والتدخين علاقة وطيدة .. لا أحد يعرف بالضبط من أين أتت وكيف توطدت، وهل السيجارة أداة أصيلة من أدوات الكاتب كالأوراق والأقلام والشرود، أو على المستوى المعاصر كـ اللاب توب أو التابلت ؟ .. أم أن العادة تحوّلت بفعل الزمن إلى حقيقة راسخة لا يمكن تغييرها، وهل الكاتب الغير مدخن صاحب شخصية متحفظة ومنكمشة أما القارئ؟ أم أن القارئ نفسه وضع الكاتب في هذا القالب ولا يستطع تقبّل ذلك الكاتب الذي يحافظ على صحته ويريد من العمر المزيد وقد اعتاد أن يكون الكاتب انتحاريًا يقف دائمًا على حافة القفز في النهر؟ .. لا أحد يعلم تحديدًا كيف تكوّنت تلك الصورة، لكن الكاتبة د. زهيرة البيلي حاولت البحث حول تلك القضية من خلال قصة أحد أكبر كُتاب أوروبا عن التدخين، وعن علاقة الأدب بالتدخين عمومًا، وكان ذلك على صفحات مجلة “أكتوبر” في عدد 9 أغسطس عام 1992.

ألبير كامو بالسيجارة
ألبير كامو بالسيجارة

في العام 1967 قرر الأديب الفرنسي المعروف “روجيه جوز” الإقلاع عن التدخين لإنقاذ حلقه ورئتيه من التلوث والتلف، وأراد الكاتب أن يسجل تجربته المريره فبدأ يكتب مذكراته التي أصبح عنوانها “مذكرات مدخن” .. في هذا الكتاب الجديد حرص “روجيه” على أن يسجل انفعالاته وردود فعله الفسيولوجية والنفسية . فقد شرح كيف استخدم الكتابة والعبارات والكلمات لتكون حليفًا له ودواءه المعالج .. فعندما كان يستسلم أحيانًا لهذا النوع من الإدمان كان يتوقف عن كتابة المذكرات . لذلك كان عليه أن يواجه نوعًا من الفشل. فشل الكاتب، وفشل الإنسان، فمنذ البداية حدد الكاتب لنفسه عنصرين هامين هما الاستمرارية والصمود.

 

ولكي يقاوم الشيطان بداخله كان عليه أن يواجه كل سُبل الإغراء والإثارة والتحدي، فمن المعروف أن خدع الشيطان متعددة وتتبع أساسًا من معرفته التامة بالطبيعة الإنسانية. فكان “روجيه” يتصوّر أحيانًا أنه منذ أن بدأ يقوم بدور البطل أصبح يتعرف بشكل غير لائق مع الناس. أو أن يرغم نفسه بأنه يستطيع أن يحتفظ ببعض المتعة وهو يدخن عدة سجائر فقط في اليوم. لكن مع مرور الأيام ومن خلال هذه المذكرات بدأ الكاتب يرسم لنفسه صورة انتصاره على النيكوتين هذا مع خوفه الدفين بأنه يمكن أن ينفجر في أية لحظة من هنا كان أصراره على أن يفلت من كل الفخاخ التي يصادفها حوله خاصة أن زوجته استمرت في التدخين وحتى يهرب من الإغراء ابتدع لنفسه وسائل جديدة فمثلًت حد من تناول الطعام وسط الأصدقاء ومن ثم العمل أي هذا النوع من اللقاءات التي ينتهي دائمًا بسباق التدخين. لكن أهم الحيل التي تحدث عنها الكاتب ليتغلب على رغبته الدفينة في التدخين كانت الهروب لعدة ساعات داخل المكتبة الوطنية حيث التدخين ممنوع منعًا باتًا.

 

في البداية ظل “روجيه” حائرًا .. ماذا يقرأ؟ فإذا به يختار كتابًا عن التدخين تاريخه وآثاره وبهذه الطريقه اكتشف أنه في عام 1980 أقيم أول مؤتمر دولي لمكافحة التدخين . والكتاب بقلم طبيب وأديب معروف وهو “موريس دي فلوري” عنوانه “آثار التدخين على صحة رجال الأدب وتأثيره على مستقبل الأدب الفرنسي” .. في هذا الكتاب أوضح الكاتب كيف أن زراعة الدخان بدأت أساسًا في استراليا وانتشرت في أمريكا قم نقلت إلى أوروبا وآسيا منذ القرن السادس عشر وزراعة الدخان قد انتشرت الآن في كل دول العالم .

محمد الماغوط بالسيجارة
محمد الماغوط بالسيجارة

فقد ازداد الإنتاج العالمي للدخان خاصة في عام 1974 وأصبحت الصين من أكبر الدول المنتجة للدخان إذ هي تصدر كل عام ملايين الأطنان وتليها الولايات المتحدة ثم البرازيل والهند والاتحاد السوفييتي سابقًا وتركيا. ومن الواضح أن 90% من إنتاج الدخان تصنع منه السجائر. وبالرغم من الحملات ضد التدخين فإن صناعة السجائر في عام 1980 ارتفعت إلى 4300 مليار. فمن المعروف أيضًا أن التأثير الفسيولوجي للدخات يرجع إلى مادة النيكوتين وتفاعلها مع أوكسيد الكربون.

 

وأمراض التدخين معروفة مثل الذبحة الصدرية، وأمراض الشرايين والقلب بصفة خاصة وأمراض السرطان بكل أنواعها خاصة سرطان الرئة. ففي فرنسا وحدها 80% من المدخنين من الرجال و50% من النساء. بسبب هذا الكتاب الأخير ازداد “روجيه” شجاعة وقرر أن يسود الورق بقلمه بدلًا من أن يسود رئتيه. فإن إزالة السموم المزدوجة للإنسان والكاتب ما هي إلا نوع من النجاح والتغلب على الشيطان. والآن هل تستطيع ألا تدخن أمام الورقة البيضاء؟

 

إقرأ أيضا
ربة منزل

 

 

 

الكاتب

  • الكتابة والتدخين محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان