الكوفية الفلسطينية.. ليست قطعة قماش بل رمزًا للصمود والعزة
في خضم الحروب والأحداث المؤلمة قد يُستهان ببعض الرمزيات، ولا ندرك مدى تأثيرها على العدو وإلقاء الرعب في قلبه وتشتيت كيانه وزلزلة كبريائه بمجرد رؤية هذه الرمزية، ولعل أوضح مثال على هذا “الكوفية الفلسطينية” التي نشأنا على حبها حتى أنه نادرًا ما تجد بيتًا عربيًا ومصريًا بالأخص، لا يحتوي على هذه الكوفية.
ولطالما نظرنا إلى الكوفية الفلسطينية نظرة مختلفة، وذلك نتاج تعلُقنا بها مُذ أن رأينا أهلنا الأحرار في فلسطين والمرابطين في سبيل تحرير أراضيهم يتوشحون بها في جُل الأوقات سواء أكان وقت انتفاضة مقدسية أو في وقت هدنة، لا فرق فالقضية حية والصمود يَسري في عروقهم ويتوارثوه جيلًا بعد جيل، فهي ليست مجرد قطعة قماش بل إنه الرمز الذي يزرع في نفوسنا القوة والمثابرة، بل ونربط به على قلوبنا من فيض شوقنا للوقوف على أعتاب بيت المقدس والصلاة فيه.
اعتزازنا كمسلمين بالكوفية الفلسطينية ورمزيتها الشامخة، جعل الغرب الداعم للكيان الصهيوني والذي يكيل بمكيالين ولا يحمل ذرة من المصداقية في إدعائهم لدعم حقوق الإنسان، يرتعش لرؤيتها ويحظر ارتدائها في بعض البلدان، كان آخرها في ولاية برلين الألمانية التي حظرت جميع الرمزيات التي تعبر عن القضية الفلسطينية من بينها الكوفية، وقد منعت ارتداءها في المدارس بزعم أنها تمثل تهديدًا للسلام.
غضب واسع من ربط الكوفية بالإرهاب
وقد ثار النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2021 حين صدموا بتصنيف محرك البحث “جوجل” للكوفية الفلسطينية كرمز للجهاديين والإرهاب، وذلك إذا قام أحد المتصفحين بطرح سؤالًا كـ”ماذا يرتدي الإرهابيون على رؤوسهم؟” وحينها سيكون الجواب الأول والموضح بالصور هذه الكوفية، ما اعتبره المستخدمين نوعًا من أنواع العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني الصامد في مواجهة العدوان الإسرائيلي كجزء والقضية الفلسطينية ككل.
دلالات الكوفية الفلسطينية
ومع تلاحق الأحداث في فلسطين بعد إطلاق حركة المقاومة “حماس” لعملية طوفان الأقصى، فإن مواقع التواصل الاجتماعي غُزيت بصور للكوفية فهذا يُحَّدِث صورة ملفه الشخصي مرتديًا إياها كنوع من أنواع التضامن، وهذه تتسائل عن أماكن تستطيع من خلالها الحصول على الكوفية، وهناك مَن اتخذ مسلكًا آخر وهو تفصيل دلالات الكوفية وتوضيحها، حيث أن كل ما يتم حياكته عليها لها معنى دلالي والصورة التالية توضح هذه المعاني…
كما أنها حملت دلالات سياسية وذلك من خلال لون الكوفية، فالكوفية ذات اللونين الأبيض والأحمر تشير إلى اليسار الفلسطيني مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أما عناصر حركة “فتح” فإنهم اعتادوا على ارتداء الكوفية ذات اللونين الأبيض والأسود، وذلك على غرار زعيمهم “ياسر عرفات” الذي لم يُذكر في تاريخه أنه خلعها يوم قط، وكان له طريقة هندسية خاصة في لباسها، رامزًا بها إلى خريطة فلسطين التاريخية.
العرب والغرب.. تضامن عالمي
لم يقتصر ارتداء الكوفية الفلسطينية على العرب والمسلمين، فحينما يخرج أصحاب الضمائر اليقظة والذين لا زالوا يتمسكون بالإنسانية في بعض المظاهرات الرافضة لما يحدث في فلسطين من جرائم، يرتدونها ويضعونها على أكتافهم، وكذلك الرؤساء وكبار المسؤولون في دول الغرب هناك من يخرج أمام الكاميرات ليعلن تضامنه مع الفلسطينيين متوشحًا بهذه الكوفية، كرئيس الوزراء الماليزي “أنور إبراهيم” الذي ارتدى الكوفية وخرج منددًا بما يحدث في غزة قائلًا “يجب اتخاذ خطوات أكثر حزمًا وقوة لإنهاء الحصار المفروض على غزة.. موقفنا صريح وثابت الوضع في فلسطين يمثل سياسة احتلال واستيلاء على الأراضي وأملاك الفلسطينيين، ومن واجبنا ضمان استرداد الشعب الفلسطيني”.
كذا رئيس جنوب إفريقيا “سيريل رامافوزا“، الذي قال منذ أيام وهو مرتديًا الكوفية “نؤكد تضامنا مع الفلسطينيين، ودعمنا للحل السلمي الذي يتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن إجلاء مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها سيزيد الأمر سوءًا”.
الكوفية رمز القوة أينما حلت
ويعود تاريخ الكوفية الفلسطينية إلى عام 1936، حيث كان أول ظهور لها حين تلثم بها الثوار الفلسطينيون أثناء مقاومة الاحتلال البريطاني، وظل الأجيال يتوارثونها فلا زالوا إلى يومنا هذا يرفعونها في وجه قوات الاحتلال المغتصب، ولا زال كبار السن يحرصون على ارتداءها ووضعها على رءوسهم في المناسبات الوطنية والاحتفالات.
هذا كله يوضح مدى تأثير هذه الكوفية وأنها تعد رمزًا للقوة والصمود بحق، فهي تُزلزل العدو وتبث الرعب في قلوب الخُصوم، ولقوة رمزيتها بدأ معظم العرب يتوشحون بها في انتفاضاتهم، وقد لاحظنا ارتداء الكثير من المظاهرين لها حين قامت بعض الثورات في البلدان العربية لتكون رمزًا للثبات على المبدأ.