اللغة العربية وصراع البقاء
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
المعسكر المحافظ مستقتل على فرض استخدام اللغة العربية وحدها لا شريك لها، والحرب الضروس ضد اللغات المحلية (المصرية، السودانية، التونسية.. إلخ).. والعمل الدؤوب على منع أي استخدام رسمي ليها، ومحاصرتها قدر المستطاع في المجال الفني (دراما، أغاني) وقصر الاعتراف الأدبي بيها في خانة الشِعر مع ختمه بختم “النبطية” أو “العامية”.. وتبني مصطلح وهمي عند الإشارة للغة العربية.
وهم الفصاحة
أهم أسلحة حراس معبد اللغة العربية، قومجية كانوا أو إسلامجية، هو مصطلح “اللغة العربية الفصحى”، وهو أكذب وأضل مصطلح يمكن لإنسان أن يتعامل معه على الإطلاق، لإنه ببساطة يناقض معجم اللغة المكتوب بيها واللي من المفترض إنه يوصفها.
اللغة -أي لغة- بالشكل ده يبقى اسمها “الكلاسيكية” بمعنى “التقليدية”، إنما “فصحى” ده افتكاس رسمي، لأن مافيش لغة فصيحة في ذاتها.. إنما الفصاحة صفة يختص بها مستخدم اللغة.
فيبقى عندنا شخص لغته فصيحة وشخص تاني لغته ركيكة، دي فروق فردية. وإلا كان أي حد يتكلم باللغة العربية يبقى فصيح.. وده طبعًا خيال علمي.
معنى الفصاحة
معنى كلمة الفصاحة هو (الإبانة والظهور)، لكن ولأن كل حاجة في اللغة (قواعد، نحو، صرف، وحتى النقط) كلها أتحطت بعد الإسلام، هنلاقي تعريفات بتحاول تلوي دراع المعنى وتسحب الفصاحة على اللغة في ذاتها وتميز المستخدم بالبلاغة.. فيبقى المستخدم الشاطر “بليغ” وليس “فصيح”.
الفايدة من المصطلح المغلوط ده كبيرة، فمثلا بيدي حكم مسبق لصالح أي نص مكتوب باللغة العربية إنه فصيح.. وش كده قبل ما يتقري، وفي نفس الوقت بينزع صفة الفصاحة عن أي نص مكتوب بأي لغة تانية.
كان يا مكان
تاريخيًا كان الكتاب المقدس يكتب فقط باللغة اللاتينية، بس مع الوقت شعب الكنيسة بقى مش فاهم حاجة.. لإنه مابيعرفش لاتيني، وهنا كانت أهمية رجال الدين.. ومربط سلطتهم ومنبع نفوذهم وثروتهم، فجميع المؤمنين محتاجين تفسير وشرح الكلمات اللاتينية لأنهم جهلة وبيتكلموا “لهجات محلية”.
بس مع ترجمته إلى اللهجة الجرمانية على أيد المصلح الديني مارتن لوثر حصل تحولات كبيرة جدًا دينيًا وثقافيًا ومجتمعيًا.
دينيًا.. ماعدش الناس محتاجين الكهنة في كل كلمة، ثقافيًا.. اللهجة الجرمانية كبرت وبقت اللغة الألمانية، مجتمعيًا.. بدء مفهوم “القومية” ياخد مناحي تانية، خصوصًا مع حمى الترجمات اللي انتشرت، بالتالي ظهور لغات أوروبية جديدة مستقلة عن اللغة اللاتنينية “الفصحى”.
التعالي سر البقاء
الفايدة الأهم من استخدام مصطلح “فصحى” هي التعالي على اللغات المحلية للشعوب الناطقة بالعربية، والحفاظ عليها في خانة “اللهجات”، وده تاني أهم درع يحمي ثنائية العروبة-الإسلام.
شغل حلق حوش
كهنة الإسلام النهارده أعتمدوا ترجمات “لمعاني القرآن” لعدة لغات، لكنهم ماقدموش أي ترجمة مثيلة للغات الشرق أوسطية.. لإنهم معتبرينها لهجات، بالتالي مافيش داعي للترجمة.
بس بعد كده يرجعوا يقفوا حائل بين أي مسلم وبين النص القرآني، بوصفه مش دارس متخصص في اللغة العربية بالتالي مش هيقدر يفهم. طب يا جماعة الخير ما تترجمولنا إحنا كمان “معاني القرآن” زينا زي باقي زملاتنا في الكوكب اللي مش دارسين متخصصين في اللغة العربية.
فسر الماء بعد الجهد… بالماء
المسلم الشرق أوسطي لما يقرا كتاب ولا يتفرج على برنامج متخصص في تفسير القرآن، هيلاقي أن المُفسر مستخدم نفس اللغة اللي هو مش فاهمها، فيفضل المواطن من دول يا كبدي مش فاهم حاجة.
بالتالي يفضل رجل الدين هو السبيل الوحيد المتاح بينه وبين فهم كلام الله، ويفضل البديل الوحيد له إن المسلم من دول يسيب حياته ويعمل “شيفت كارير” ويروح يدرس لغة عربية مخصوص عشان يفهم كلام ربه.
تفسير ولا ترجمة؟
واحدة من أهم أسباب الشعبية الطاغية للشيخ الشعراوي، هي إنه الوحيد اللي قدم -عبر برنامجه التلفزيوني- ترجمة للقرآن من اللغة العربية إلى اللغة المصرية، صحيح ترجمة شفوية مش مكتوبة وكمان مش لكامل ألفاظ النص القرآني، لكنها تظل عمل جبار.
نتفق أو نختلف على توجهاته.. بس ماحدش يقدر يختلف على مدى تأثيره، وأزاي -مثلًا- قدر يحول مصر من قبلة السياحة في الشرق الأوسط وأحد أهم مراكز السياحة العالمية.. إلى بلد مش عارفة تجتذب السياح ليها أزاي؟!
الكوميديا عدو القداسة
لو الكوميديا دخلت من الشباك.. القداسة تنط من الشباك. (مثل شعبي بتصرف).
القداسة مرتبطة ارتباط وثيق بالجدية والجهامة، يمكن تستحمل العياط.. لكن يستحيل تستحمل الضحك أبدًا. في نفس الوقت الضحك شعبيته أكبر من الجدية والجهامة.. وطبعًا من العياط، عشان كده هتلاقي أن شعبية الثالوث المُضحك (كِشك، الشعراوي، وجدي غنيم) كبيرة جدًا، كل واحد في عصره.
خطورة اللغات المحلية
استخدام الخطيب، ممارس الخطابة مش كابتن بيبو، للغة الناس يضمن له مكسب بُنط عندهم فورًا، ودي الطريقة اللي بقت معتمدة عند كتير من مشايخ السوشيال ميديا أو منتجي المحتوى الإسلامي.
بس همه نفسهم هيقفوا ضد، ترجمة القرآن وكافة كتب الفقه والسير للغات الشعوب. أه هيقدروا يدافعوا عن القرآن بحجة القدسية، بس مش هيكون عندهم كلام متماسك يتقال عن باقي الكتب “غير المقدسة”.
سبب رفضهم كشفتهولي صورة انتشرت ع السوشيال ميديا من 8 سنين، وظهرتلي مؤخرًا في فقرة الذكريات
مهما كانت مساحة الاتفاق أو الاختلافي بينا في الآراء والتوجهات، تفضل الإجابة اللي في الصورة السابقة دي مضحكة جدًا، بس المفارقة الفظيعة هي أن الإجابة هنا فيها جانب من الصحة ومش غلط تمامًا، وفي تصوري أن علامة الغلط تم وضعها تحت تأثير الفزع من وقع مفردات اللغة المستخدمة.
التعبير باللغة المصرية عمل حالة فزع للمصحح/ة.. بس فقهيًا الإجابة مش غلط، إنما عيبها إنها منقوصة.. لأن تحديد مكان الدخول مهم شرعًا.. وقانونًا، القانون في الحالات دي منطلق من الشرع، فكل حالة لها تصنيف فقهي.. بالتالي يختلف الحكم الشرعي وبالتبعية الحكم القانوني المستمد من الشرع.
تعريف الزنا في الإسلام
تعريف الزنا في الشريعة الإسلامية قريب جدًا من الإجابة، مع الأكتفاء بدخول الراس بس (مش لازم كله) مع أهمية قصوى تحديد المكان، لأن الفتوى بتقول نصًا:
بالتالي إذا دخله (تم الإيلاج) “في البؤ” أو “من ورا” (الدُبُر) أو قضاها “حك” (ملامسة) أو بين الوركين (مفاخذة).. كل ده يتم اعتباره من اللمم ولا يوجد حد في هذه الحالة، والكلام ده مدعوم بحديث منسوب للنبي.
أيوه اللي قريتوه في نص الحديث مظبوط، أقصد اللفظ، والمشايخ بيأكدوه.. بس من غير ما يقدروا يقولوه.
فنقدر نقول كده أن السادة القائمين على اختيار لغة المكاتبات الرسمية عاملين زي اللي بيتسخدموا كلمات زي “بيتش” و”إنتر كورس” و”أنال”… إلخ، بس لو حد قال نفس الكلام بالمصري يتهموه بقلة الأدب والإنحلال.
تطبيق الكبار لإجابة العيال
مين فاكر واقعة قفش أتنين من قيادات حركة التوحيد والإصلاح المغربية، فرع الإخوان في المغرب، وهمه بيعملوا حاجات سيكو سيكو في العربية بتاعت حد فيهم.
الشيخة فاطمة النجار، نائبة رئيس الحركة، اللي قالت في التحقيقات (إنها لم تمارس الجنس مع زميلها وإنما كانت تداعبه مداعبة جنسية لتساعده على القذف).
لما نيجي نحلل أقوال بنت النجار لازم نستبعد مسألة الجواز العرفي، مش تعصب ولا أفترى ولا أنتقائية، لكن لأن لو كان فيه عقد جواز حقيقي وبتاريخ قديم.. ماكنش هيبقى فيه داعي لشرح تفاصيل الأداء الجنسي بينهم.
تعالوا كده نتخيل أتنين متجوزين عرفي، أو في السر، وحصلت عليهم كبسة وهمه “بيفنفَنوا مع بعض”.. هل هيكون ردهم على السادة القافشين (إحنا متجوزين)؟ ولا هيكون (ده كان لعب من بره بس)؟؟
التكييف القانوني
الأحكام القضائية بتفرق بين هتك العرض والاغتصاب بناء على موضع الإيلاج “حطه فين” وما تم إيلاجه أصلًا (هو حط إيه).. صباعه ولا عضو تاني ولا استخدم شئ ما.
بالتالي هنلاقي أن مش هنلاقي قضية اغتصاب ذكر، رغم إنه بيحصل، وهنلاقي وقائع ممارسة جنسية بالإكراه تم تكييفها هتك عرض مش اغتصاب.. والسبب زي ما وضحنا هو إيه اللي أتحط أو أتحط فين.
أقوال بنت النجار + الحديث “المنسوب” للنبي + الأحكام القضائية كلها تؤكد حاجة واحدة بس.. أن الإجابة اللي ضحكنا عليها مش غلط تمامًا، وأن سبب علامة الغلط هو الفزع من الترجمة.
ترجمة ختامية
أعتماد لغات الشعوب الشرق أوسطية كلغات رسمية في بلادها هيستوجب بالضرورة، مهما طال الزمن، ترجمة أمهات الكتب الإسلامية باللغات دي، وترجمة الأدبيات الإسلامية “غير المقدسة” زي السير والتفاسير والأحاديث.. هيفتح الباب لترجمة القرآن شخصيًا للغات دي.
ساعتها الكلام مش هيقف عند إجابة بالشكل ده، إنما هنوصل أن آية زي الآية 13 من سورة القلم اللي بتقول في المصحف العثماني (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ) هتبقى بتقول “في الترجمة المصرية”: (المستقوي وابن حرام).
ونقيس على كده باقي الألفاظ الدينية.. لو تم ترجمتها للغات الشعبية هيكون مردودها إيه عند الناس.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال