همتك نعدل الكفة
38   مشاهدة  

الدراما الرمضانية 2025.. بين جدل الهوية وسلطة المتلقي

المتلقي
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



لطالما كان النقاد وصنّاع الدراما منشغلين بتحليل بنية العمل الفني ومضامينه الفكرية، متجاهلين في كثير من الأحيان الحلقة الأهم في العملية الإبداعية: المتلقي. ففي ظل التحولات التي شهدها النقد الحديث، لم يعد المشاهد مجرد متلقٍ سلبي، بل أصبح شريكًا فاعلًا يمنح العمل الفني معناه الحقيقي، إذ لا تكتسب النصوص والأعمال الدرامية قيمتها إلا حين تتفاعل مع وعي المتلقي، الذي يعيد تأويلها وتصنيفها وفقًا لخلفياته الثقافية والاجتماعية، فالمتلقي ليس مجرد مستهلك للمحتوى، بل هو “العين” التي تفكك الرموز، وتعيد إنتاج الدلالات، بناءً على سياقاته الخاصة ومرجعياته الفكرية.

ومن هذا المنطلق، لا يمكن فصل الفن عن الواقع الذي يُنتج فيه، فمهما حاول المبدع تقديم عمل “محايد”، سيظل المشاهد يبحث عن الرسائل الخفية، ويقرأ ما بين السطور، رابطًا بين الأحداث الدرامية والقضايا المجتمعية والسياسية الراهنة. ولأن الجمهور العربي، والمصري تحديدًا، يتمتع بحس نقدي متقد، فإنه لا يكتفي بمشاهدة الأعمال الفنية بوصفها وسيلة للترفيه، بل يسعى إلى تفكيك رموزها ومعرفة الغايات الكامنة وراءها، وهذا ما يجعل الدراما ساحةً مفتوحة للتأويل، حيث تُصبح كل لقطة، وكل حوار، وكل تفصيلة – مهما بدت عابرة – خاضعة لتحليل عميق قد يحمّلها معاني لم تكن في ذهن صانعها، بل إن المؤلف ومخرج العمل وجهة الإنتاج قد يخضع للتأويل أصلًا.

الدراما الرمضانية 2025: بين الجدل الجماهيري وتجاذبات الوعي المجتمعي

شهد الموسم الدرامي الرمضاني لعام 2025 زخمًا من الأعمال الفنية التي لم تقتصر على الترفيه أو الإبداع البصري، بل تجاوزت ذلك لتصبح جزءًا من جدل أوسع حول الوعي والهُوية، وسط تباين في آراء الجمهور والنقاد. وفي قلب هذا الجدل، برزت أعمال مثل إش إش، سيد الناس، معاوية، ولام شمسية، حيث لم تقتصر ردود الفعل على تقييم الأداء الدرامي أو الحبكة الفنية، بل امتدت إلى تحليل الرسائل الخفية التي قد تحملها هذه الأعمال ومدى تأثيرها على المشاهد.

الجمهور بين الوعي والإدراك.. جدلية الإنتاج والمحتوى

لطالما كان الجمهور المصري واعيًا بجهة الإنتاج التي تقف خلف أي عمل درامي، مدركًا مدى تأثيرها في توجيه الرسائل التي يسعى العمل إلى تمريرها، فالمشاهد المصري بطبيعته غيور على هويته وثوابته الثقافية، ويقف موقف الرفض حين يجد أن عملًا دراميًا يمس هذه الهوية أو يعبث بصورتها.

فعلى سبيل المثال، جاء مسلسل إش إش، من إنتاج مجموعة MBC، ليُثير موجة من الجدل بسبب اعتماده على “خلطة محمد سامي”، التي تقوم على دراما شعبية حافلة بالصراعات والانتقام والمبالغات البصرية، مع تصوير الحارة المصرية كمستنقع للفساد والخيانة وتجارة المخدرات. ورغم أن المسلسل افتقد إلى تماسك الحبكة وأداء ممثليه لم يكن ناضجًا، إلا أن الجدل لم يكن حول الجودة الفنية فقط، بل حول الرسائل التي ينقلها، والتي رأى كثيرون أنها مشوهة لصورة المرأة المصرية وللمجتمع ككل.

ولم يتوقف الجدل حول إش إش عند حدّ الحبكة أو الأداء، بل تجاوز ذلك إلى الحديث عن تسليع المرأة وحصرها في أدوار نمطية سطحية، لا تعكس الواقع المصري بصدق. واعتبر النقاد أن العمل لا يقدم أي قيمة فنية حقيقية، بل يعتمد على استثارة المشاهد بالمبالغات الدرامية. ومع توقيت عرضه في شهر رمضان، تصاعدت الأصوات المنتقدة التي رأت أن محتوى المسلسل لا يتناسب مع روح الشهر الكريم، فيما انبرى البعض للدفاع عنه باعتباره مجرد عمل فني يخضع للرقابة.

سيد الناس.. دراما الصياح والإثارة المفرطة

أما مسلسل سيد الناس، من إنتاج “صباح إخوان”، فقد فجّر بدوره عاصفة من الجدل بسبب لغته الحوارية التي اعتبرها البعض مفرطة في الجرأة، إضافة إلى المشاهد الحافلة بالصياح والشتائم، فقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع مجتزأة تُظهر هذا الأسلوب الصاخب، مما أثار تساؤلات حول تأثير مثل هذه الأعمال على الأطفال والمجتمع.

النقد لم يتوقف عند حدود الأسلوب اللغوي، بل امتد إلى مضمون العمل، حيث رأى كثيرون أن الشخصيات التي يقدمها المسلسل تسقط في فخ التكرار والنمطية، خاصة مع تصوير البطل كرمز للانتقام والصراع الطبقي. ومع ذلك، ورغم الهجوم الحاد، حقق العمل نسب مشاهدة، مما يعكس تعطش شريحة معينة من الجمهور لهذا النوع من الدراما الشعبية.

معاوية.. حين يصطدم التاريخ بالمزاج العام

أما مسلسل معاوية، من إنتاج MBC السعودية، فقد أثار جدلًا مختلفًا، تجاوز حدود النقد الفني إلى أبعاد أعمق تتعلق بالهوية والصراع التاريخي، فبينما حاول العمل تقديم صورة متفخّمة لشخصية معاوية بن أبي سفيان، اصطدم بواقع لا يمكن تجاوزه، وهو أن الوجدان الشعبي المصري، بتركيبته السنية المتأثرة بحب آل البيت، لا يميل إلى تبجيل معاوية، سواء في سياق الصراع السني-الشيعي أو حتى داخل المدرسة السنية ذاتها.

وقد انعكس ذلك على أداء المسلسل جماهيريًا، حيث لم يحقق نسب المشاهدة المتوقعة، رغم الجدل الذي سبقه، ما يبرهن على أن الوعي الجمعي ليس سهلًا التلاعب به، وأن الجمهور قادر على التمييز بين السردية المفروضة عليه وبين قناعاته التاريخية الراسخة.

أعمال لامست وجدان الجمهور

في المقابل، برزت أعمال استطاعت أن تستقطب اهتمام الجمهور بشكل إيجابي، ليس فقط لجودتها الفنية، ولكن لأنها نجحت في التعبير عن همومه وهويته دون السقوط في فخ الاستفزاز أو الابتذال.

مسلسل قلبي ومفتاحه، من إنتاج سعدي ـ جوهر، رغم وجود فجوات في نصه، إلا أنه استطاع جذب الجمهور، خصوصًا جيل الثمانينيات، بسبب طابعه الحالم وقدرته على استعادة تفاصيل الهوية المصرية، وكانت الموسيقى التصويرية من أبرز العناصر التي أضفت على العمل طابعاً نوستالجيًا محببًا. كما أن شخصية البطل، التي جسدها آسر ياسين، قُدّمت بشكل بعيد عن المبالغات، مما جعلها أكثر قربًا من الجمهور.

إقرأ أيضا
المتلقي

أما مسلسل وتقابل حبيب، من إنتاج تامر مرسي، فقد نجح في استقطاب شريحة واسعة، خاصة من الأجيال الجديدة، بسبب بساطة قصته، التي استلهمت ملامح الرومانسية التركية، لكن بطابع مصري خالص، وقد تميز العمل بأناقته البصرية، وملابس شخصياته التي عكست الذوق العام بشكل راقٍ، مما أضاف إلى جاذبيته بين الشباب.

لام شمسية.. دراما اجتماعية تلامس القضايا الحساسة

أما المسلسل الذي تصدّر التفاعل الجماهيري منذ حلقاته الأولى، فكان لام شمسية، من إنتاج سعدي جوهر، حيث ناقش قضية التحرش بالأطفال، إلى جانب قضايا اجتماعية أخرى مثل البرود العاطفي والزواج التقليدي. وقد نجح العمل في جذب المشاهدين لأنه قدّم هذه القضايا بواقعية، مما جعله جزءًا من النقاش المجتمعي اليومي.

الموسم الدرامي الرمضاني لعام 2025 قدّم لنا درسًا هامًا: الجمهور ليس متلقيًا سلبيًا، بل هو عنصر فاعل في تقييم الأعمال الفنية، يملك وعيًا يجعله يرفض ما يمس هويته أو يسعى إلى قولبته في قوالب دخيلة، وبينما سقطت أعمال في فخ الاستفزاز أو التسطيح، نجحت أخرى في مخاطبة وجدانه الحقيقي، لتثبت أن الدراما ليست مجرد صناعة تجارية، بل ميدانٌ لصراع الوعي والقيم.

الكاتب

  • المتلقي مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان