المجهول عن تاريخ القدس والدولة العثمانية “مراحل التورط العثماني في ضياع فلسطين” (تحقيق)
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
صدر مؤخرًا عدد من الأطروحات حول تاريخ القدس والدولة العثمانية في سياق أن الخلافة سقطت من العثمانيين نتيجةً لتصديهم لليهود، غير أن مثل تلك الأطروحات غير صحيحة من الناحية التاريخية والمنطقية.
تاريخ القدس والدولة العثمانية .. بداية الضياع كان بسبب الخوف من مصر
طيلة قرون لم يجرؤ اليهود على مخاطبة الدولة العثمانية على فتح باب الهجرات الصهيونية إلى القدس، حتى جاء العام 1838 م والذي شهد نواة الرغبة الصهيونية في فلسطين.
بدأ موشيه مونتيفيوري «السمسار اليهودي وعمدة لندن فيما بعد» مشوار الزحف الاستيطاني حين جاء إلى محمد علي باشا بمشروع تمكين اليهود من فلسطين التي كان لمصر سيطرة عليها.
كان مشروع موشيه مونتيفيوري يقضي بأن تقوم مصر بتأجير 200 قرية فلسطينية لليهود لمدة 50 عاماً معفاة من الضرائب وواقعة تحت التسهيلات التجارية العالمية دون قيود، في مقابل أن تأخذ مصر 20 % من قيمة الأرباح اليهودية، لكن محمد علي باشا تشكك من الأمر فرفض المقترح المونيفوري واستبدل فلسطين بسوريا وهو مالم يقبله موشيه مونيفوري.
عادت الشام للعثمانيين من قبضة محمد علي باشا بموجب معاهدة لندن سنة 1840 م وبعدها بـ 16 سنة أجرى موشيه مونتيفيوري زيارة للدولة العثمانية وتمكن من إقناع السلطان العثماني عبدالمجيد الأول بمنح بمنح الامتيازات لليهود في كل أرجاء الإمبراطورية العثمانية، كي يكونوا عقبةً أمام محمد علي باشا في حال توسعه مرة أخرى.
يشير عبدالوهاب المسيري في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ط 1 القاهرة دار الشروق، 1999م ، الجزء السادس ص 177 أن الفرمان الذي حصل عليه مونتفيوري مكنه من شراء أراض بالقرب من القدس ويافا لكن مشروع توطين اليهود داخل القدس بقي حيز الأدراج.
أول مستوطنة صهيونية في تاريخ القدس والدولة العثمانية
تمثل مستعمرة مكفيه إسرائيل وبالعربي معناها (أمل إسرائيل) أولى المستوطنات الصهيونية التي تأسست في فلسطين خلال الحكم العثماني وبالتحديد خلال حكم السلطان عبدالعزيز وقد تكلم عنها كتاب مقدمة في تاريخ فلسطين الحديث (1831 – 1914) لـ عبد العزيز محمد عوض.
شيدت المستعمرة سنة 1870 م وكانت عبارة عن مدرسة للزراعة مبنية بالقرب من مدينة يافا بهدف تعليم أبناء المستعمرات فنون الحرث والسقي وسماها عرب فلسطين بمستعمرة نستر وقد بنيت على مساحة 3210 دونمة.
مفاوضات عبدالحميد وهرتزل .. المشهور والمجهول
كانت الدولة العثمانية تعاني من الديون خلال عهد السلطان عبدالحميد الثاني وعرض هرتزل سداد ديون الدولة العثمانية مقابل أن تكون فلسطين لليهود.
اقرأ أيضًا
حماية الدولة العثمانية على يد أوروبا .. قصة قرون التراجع
قولاً واحدًا فإن السلطان عبدالحميد الثاني رفض إعطاء فرمان يقضي بتحويل القدس وطنًا لليهود، والمقولة المشهورة للسلطان عبدالحميد الثاني والتي تقول «فلسطين لن تقسم إلا على جثثنا» أوردها هرتزل شخصيًا في مذكراته، لكن هناك جوانب عن مفاوضات الـ 6 سنوات بين عبدالحميد وهرتزل والتي بدأت سنة 1896 وانتهى سنة 1909 م بـ 5 رحلات.
في ص 51 من كتاب السلطان عبدالحميد الثاني بين الصهيونية العالمية والمشكلة الفلسطينية لـ ميم كامل أوكي وترجمه إسماعيل صادق عددًا من التناقضات فالسلطان عبدالحميد قال تستطيع الدولة العثمانية أن تستقبل اليهود على شرط أن لا يقيموا معاً ويجب أن يتفرقوا في أماكن مناسبة تحددها لهم الحكومة وسوف يقوم المواطنون العثمانيون بمنحهم سلطات التصرف.
أحمد نوري النعيمي في كتاب أثر الأقلية اليهودية في سياسة الدولة العثمانية تجاه فلسطين ص 74 و أيزيا فريدمان في كتابه قيام إسرائيل – من بدايات الصهيونية إلى هرتزل ص 244 أكدا على أن السلطان العثماني عبدالحميد الثاني رفض أن يجعل فلسطين وطنًا قوميًا لليهود لكنه عرض حصول اليهود على الجنسية العثمانية وأن يؤدوا الخدمة العسكرية وأن لا تكون الهجرة إلى فلسطين وإنما لأي مكان آخر دون جماعات كبيرة.
جداول بأسماء وتواريخ المستوطنات الصهيونية التي تأسست في عصر عبدالحميد الثاني
الثابت تاريخيًا أن السلطان عبدالحميد الثاني سنة 1896 أصدر عدة فرمانات بخط اليد لمنع استيطان اليهود في فلسطين، لكن عصره في نفس ذات الوقت شهد كثرة وانتشارًا للمستعمرات الصهيونية بين الفترة من سنة 1875 وحتى سنة 1909 م ـ وفي آخر التحقيق سنفسر أسباب التناقض ـ.
يقسم التوسع الصهيوني في فلسطين خلال حكم السلطان عبدالحميد الثاني إلى مستوطنات ـ أماكن للإقامة بشكل قانوني والتي يسميها العرب مستعمرة ـ و قومبانيات ـ مفردها قومبانية وتعني أحياء سكنية بشكل كامل ـ.
خلال عهد السلطان عبدالحميد الثاني بنيت 94 مستوطنة وقومانية (61 مستوطنة و 33 قومبانية) في الفترة من سنة 1875 حتى سنة 1909 م.
أولاً / جداول المستوطنات
مراجع الجدول الأول :-
أ / كتاب العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين (1876 ـ 1914) لـ محمود الشناق ص 415 و 416
ب / كتاب دعوة نزع الملكية ـ الاستيطان اليهودي والعرب (1878 ـ 1949) لـ أريه أفنيري وترجمة بشير برغوثي من ص 79 لـ 82
ج / كتاب بلادنا فلسطين لـ مصطفى مراد الدباغ ج 4 ص 421 و 621 و ج 7 ص 681 و ج 8 ص 205
د / كتاب مدينة القدس وجوارها في أواخر العهد العثماني لـ زياد مدني ص 125
جميع المصادر المشار لها أعلاه استقت معلوماتها من سجلات القدس الشرعية زمن الدول العثمانية في عهد متصرفية القدس العثمانيين
مراجع الجدول الثاني :-
أ / اليهود ومستعمراتهم لـ هنري لامنس ـ مجلة المشرق عدد 23 لشهر ديسمبر سنة 1899
ب / بلادنا فلسطين لـ مصطفى الدباغ ج 7 ص 140 و 625 و 687
ج / كتاب دعوة نزع الملكية ـ الاستيطان اليهودي والعرب (1878 ـ 1949) لـ أريه أفنيري وترجمة بشير برغوثي 91
د / الاستيطان والهجرة اليهودية إلى فلسطين لـ نجيب الأحمد ـ مجلة صامد عدد 48 سنة 1984 ص 148.
جميع المصادر المشار لها أعلاه استقت معلوماتها من سجلات القدس الشرعية زمن الدول العثمانية في عهد متصرفية القدس العثمانيين
مراجع الجدول الثالث:-
العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين لـ محمود الشناق من ص 415 لـ 416
دعوة نزع الملكية ـ الاستيطان اليهودي والعرب (1878 ـ1949) لـ أريه أفنيري ترجمة بشير برغوثي من ص 92 لـ 98
بلادنا فلسطين لـ مصطفى مراد الدباغ ج 1 ص 215 و ج 4 من ص 626 لـ 627
جميع المصادر المشار لها أعلاه استقت معلوماتها من سجلات القدس الشرعية زمن الدول العثمانية في عهد متصرفية القدس العثمانيين
ثانيًا / جدول القومبانيات
مراجع جدول القومبانيات :-
1 / العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين لـ محمود الشناق من ص 415 لـ 416
ب / كتاب مدينة القدس وجوارها في أواخر العهد العثماني لـ زياد مدني ص 394
مضافًا إليهم مراجع المستعمرات المشار لها بالأعلى
كيف قاوم عبدالحميد الثاني توطين اليهود وسمح بإقامة المستعمرات ؟
كانت الظروف الاقتصادية المتردية في الدولة العثمانية والأوضاع الإدارية في فلسطين خلال عهد السلطان عبدالحميد الثاني عاملاً أساسيًا لإقامة مستعمرات وذلك بسبب الرشاوي وزيادة ديون الدولة العثمانية وازدياد نفوذ الدول الأوروبية.
أصدرت الدولة العثمانية قرارات تقضي بمنع الهجرة الصهيونية لفلسطين لنها لم تؤدي إلى شيء وذلك لأن قرارات المنع تتناقض مع نظام الامتيازات الأجنبية الذي وضعته الدولة العثمانية، كذلك تفشي الرشوة بين ولاة العثمانيين على فلسطين.
يذكر إلياس شوفاني في كتاب الموجز في تاريخ فلسطين السياسي ص 300 أن السلطان عبدالحميد الثاني وولاته أدركوا أن حرية دخول اليهود الأجانب لفلسطين والإقامة بها بمساعدات الجمعيات اليهودية مجرد قضية إنسانية، لكن مع رغبة اليهود في استقلالهم تصدى عبدالحميد الثاني لهم لكنه أبدى ضعفًا كبيرًا أمام تدخل الدول الأجنبية وأهدافها الاستعمارية في فلسطين.
والمؤرخ عبدالعزيز الشناوي في كتاب الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج 3 ص 665 يقول أن الدول الأجنبية نجحت في الحفاظ على الحقوق التي اكتسبتها من الامتيازات الأجنبية إذ حصلت على امتياز من الباب العالي يسمح لليهود بالاستقرار في فلسطين بشرط أن يكونوا فرادى لا جماعات.
ويشير محمد سليمان في كتاب قانون التنظيمات العثماني وتملك اليهود في أرض فلسطين ص 83 أن السلطان عبدالحميد الثاني عارض بيع الأراضي مباشرةً لكنه كان يبدي استعدادًا للتساهل مع الطلبات اليهودية الأخرى غير المتعلقة بالهجرة إلى فلسطين خاصة مع احتجاج العرب على وجودهم، إلى أن أجازت الدولة العثمانية سنة 1896 لليهود الذين استطونوا البلاد قبل إبريل 1893 أن يتملكوا العقارات الثابتة دون السماح لشركات اليهود بشراء الأراضي وتلك كانت الكارثة العظمى حيث جرت عمليات التزوير التي أدت فيما بعد لأول اشتباك بين العرب والصهاينة سنة 1904 م.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال