المرأة وحقوقها عند قدماء المصريين (1-2) الحب في بلاط الملوك وبيوت عامة الشعب
-
نفيسة السنباطي
كاتب نجم جديد
«حبي لكِ ينفذ إلى كل جسدي كما يذوب الملح في الماء، كما يمتزج الماء بالنبيذ».
كلمات صدح بها قلب عاشق مصري تملكه الحب إلى المرأة التي خُلقت من ضلعه، لتكون شريكته ومؤنسته ونصف روحه، فبفطرته حن لها حنين الشيء لفرعه، وحنت له حنين الشيء لأصله.
عرف المصري القديم أن المرأة إنما خُلقت لتكون رحم الوجود، ومصباح البيوت، فلم يعتبرها كائنا مساويا له ولكنه اعتبرها كائنا يكمله، فهي شريكته الوحيدة طبقا لنظرية الخلق ونشأة الكون الموجودة في المبادئ الدينية، لذا كان ارتباطه بها ارتباطا أبديا مقدسا.
الفرق بين نظرة المصري القديم ونظرة الغرب للزوجة
في القرن الرابع قبل الميلاد حين قال ديموستيني ـ أحد كبار الخطباء والسياسيين الإغريق ـ عن المرأة اليونانية: «إن لنا محظيات يجلبن لنا السرور، وبنات هوى يقدمن لنا متعة الجسد، وأخيرا فإن لنا زوجات ينجبن لنا الأبناء ويعتنين بشئون بيوتنا».
اقرأ أيضًا
الجانب المغمور في معنى لقب فرعون “ملوك مصر القديمة لم يكونوا مستبدين”
بينما قال الحكيم آني للرجال عن المرأة في مصر القديمة: «لا تكن متحكما في منزلها، إذا كنت تعرف أنها ممتازة تؤدي واجبها في منزل الزوجية، فهي سعيدة وأنت تشد أزرها، ويدك في يدها، أنت تعرف قيمة زوجتك وسعادتكما حين تكون يدك بجوارها، فكل زوج ينبغي أن يتحلى بضبط النفس وهو يعامل زوجته».
الحب والغزل عند المصري القديم .. أشهر القصص
«الحب هبة السماء تسكبه الطبيعة في كأس الحياة لتلطف مذاقها المرير» هكذا عرّف المصري القديم الحب.
فالحب بالنسبة للمصري شيء حتمي وضروري في الحياة.، فقد كان يتخذ زوجة واحدة لتكون رفيقة دربه وحبه المقدس، وقد شهد التاريخ على قصص حب وتبجيل للمرأة المصرية منها ما بين الملوك وزوجاتهن ومنها ما بين العامة من الشعب المصري.
ومن أشهر هذه القصص قصه إيزيس وحبها لأوزوريس التي دونت ببردية برلين رقم 3008 تحت عنوان النداء الأبدي فقد جاء فيها: «تعال نحو بيتك، تعال إلى بيتك، أنت يا من لا أعداء له، أيها الشاب الجميل الطلعة، تعال لكي تراني، لا تفترق عني أبدًا، أنا لا أراك ولكن قلبي يتطلع للقياك، وعيوني تبحث عنك، تعالى يا من توقف قلبه عن الخفقان، إنني أناديك ويرج صراخي أجواء السماء ولكنك لا تسمع صوتي أنت لم تحب امرأة أخرى سواي».
وأيضا من أعظم وأرق قصص الحب والاحترام التي خلدها التاريخ بين الملوك وزوجاتهن
ـ قصة حب الملك أحمس الأول وزوجته أحمس نفرتاري التي حكمت معه البلاد قرابة اثنين وعشرين عاما، أثرت بشكل كبير في نفوس الشعب المصري فعبدوها كربة بعد وفاتها وقدسوها، وأقام لها زوجها معبدا في طيبة.
اقرأ أيضًا
صدق أو لا تصدق .. النساء في مصر القديمة تمتعن بحقوقهن أكثر مننا بكثير
ـ وقصة حب الملك أمنحوتب الثالث والملكة تي المحبوبة والتي فعل لأجلها عرفا لم يكن متبعا قبله وهو اقتران ألقابه الملكية الخاصة في النصوص الرسمية والنقوش باسم محبوبته جنبا الي جنب. كما أمر بإنشاء بحيرة شاسعة لمحبوبته ترويحا عن نفسها. وأمر أيضا بإقامة معبداً كرسه لعبادتها، ويشهد بهو المتحف المصري على وجود تمثال عملاق للملك جالسة إلى جواره محبوبته تي بنفس الحجم في دلالة فنية على علو الشأن وعظيم الحب.
ومن أشهر تلك القصص أيضا قصة حب الملك أمنحوتب الرابع “أخناتون” الذي يعني اسمه (روح آتون الحية) والملكة نفرتيتي التي يعني اسمها (الجميلة تتهادى)، والتي كانت بجانبه تناصره وتشد أزره في أزمة تغيير الديانة الرسمية من عبادة آمون إلى عبادة آتون، بل ورافقته إلى عاصمته الجديدة “أخيتاتون” والتي تعني(أفق آتون) جنوبي محافظة المنيا متحدية معارضة كهنة آمون، خلد أخناتون حبيبة قلبه باستخدام أساليب فنية جديدة لم يألفها الفن المصري قبلها، كما يشهد تمثالها الفريد الذي يحتفظ به متحف برلين على مكانتها الخاصة في قلب زوجها مستعينا بأفضل نحاتي عصره، ومازالت تجذب ملامح نفرتيتي المعبرة العديد من الناس من كل حدب وصوب.
وحفظت أرض مصر أعظم قصص الحب الملكية على الصعيدين العاطفي والمادي وهي قصة حب الملك رعمسيس الثاني وزوجته الحبيبة نفرتاري حيث رافقت الملك زوجها في حكم البلاد منذ العام الأول لحكمه، وتملك حبها قلبه بلا منازع فجهز لها في وادي الملكات أجمل مقابر الموقع، وجعلها غنية بالرسوم الزاهية تصور الملكة مرتدية ثياب الكتان الناعم، والحلي الملكي النفيس، تصاحبها الآلهة لتؤدي طقوس وشعائر تجعلها خالدة خلودا أبديا.
بل وكرس الملك لمحبوبته معبدا خاصا بها وللإلهة حتحور، وهو المعبد المنحوت في صخر جبل أبو سمبل بجوار معبده الكبير.
وقد ترجمت لالويت نقشا للنص المصري القديم الذي يقول:
«صُنع هذا المعبد المحفور في الجبل، عمل يدوم إلى الأبد، من أجل الزوجة العظيمة نفرتاري محبوبة (الإله) موت للزمن الأبدي واللانهائي، من أجل نفرتاري، التي تتألق الشمس حبا فيها».
حب المرأة المصرية القديمة عند عامة الشعب
أما بالنسبة لحب العامة فقد وجد الكثير من البرديات والنقوش التي تصف قوة الحب بين النساء والرجال من عامة الشعب ونعرض منها ما ترجمته لالويت إلى الفرنسية في كتبها:
“ثغر حبيبتي برعم زهرة لوتس، نهدها ثمرة طماطم، جبينها حلقة من خشب السنط، وأنا أوزة برية أتطلع بنظراتي إلى شعرها المسترسل، كأني طُعم في شرك وقعت فيه”.
وهذا حبيب يتغزل في حبيبته الفريدة فيقول: “إنها الحبيبة المثلى، ليس مثلها أحد، إنها أجمل النساء، أنظر! إنها كالنجم المشرق في مطلع سنة سعيدة، إنها متألقة وكاملة، بشرتها نضرة، ونظرات عينيها فاتنة، تسحر بكلمات من شفتيها، عنقها طويل، ونهدها متفخر، وشعرها من اللازورد الأصلي، ساعدها أروع من الذهب، أناملها أزهار لوتس، لها ساقان هما الأجمل بين كل ما هو جميل فيها، نبيلة المظهر عندما تمشي على الأرض”.
وتسجل قصائد أخرى فرحة المرأة بلقاء حبيبها ولحظات الاستمتاع معه بجمال الحدائق كهذا المقتطف: “أنا صديقتك الأولى، أنظر! أنا كالبستان الذي زرعته زهورا، بكل أنواع العشب العطر الرقيق، جميل هو المكان الذي أتنزه فيه عندما تكون يدك في يدي، وجسدي في غاية الراحة، وقلبي مبتهج لأننا نمشي معا، أنا أحيا بسماع صوتك، وإذا نظرت إليك فكل نظرة بالنسبة لي أطيب من المأكل والمشرب”.
وتصف عاشقة أخرى شغفها بحبيبها: “ملكت شغاف قلبي، من أجلك سأفعل كل ما تريده عندما أكون على صدرك. رغبتي فيك كُحل عيني، وعيناي تلمعان لأني أنظر إليك وألمس حبك. أيها الرجل يامن ملكت قلبي، يا لها من لحظة هنية، عساها تدوم إلى الأبد”.
ويرثي عاشق زوجته الحبيبة فيقول في بردية عرضت في متحف لايدن بألمانيا: «أخذتك كامرأة عندما كنت شابة. كنت معكِ. ثم احتللت جميع الدرجات، ولن أهجركِ لن أجعل قلبك يعاني. كنتِ هنا عندما كنت شابا وعندما توليت جميع الوظائف العالية للفرعون وفي حياتي، وصحتي وقوتي. أنا لن أهجركِ، علي العكس، قلت أنا معكِ عطوري وحلوياتي وملابسي، كلها ملك لك ولن تكون لغيرك، عند مرضك، استدعيت لك الطبيب ليعالجكِ عندما عدتِ إلى ممفيس، طلبت إذنا من الفرعون، ذهبت إلى المكان الذي به ترقدين (القبر) وبكيت كثيراً. لم أدخل إلى منزل آخر الآن، يوجد هناك أخوات للمنزل، ولكن لم أذهب مع أي منهن».
الكاتب
-
نفيسة السنباطي
كاتب نجم جديد
مقال جميل
اشعر انه ماضى يقووم الحاضر
الحياه الاجتماعية وخصوصا الزوجية فى مصر حاليا حادت عن معناها وجوهرها
ومثل هذه المقالات دائما حافز ومعلم للاجيال الحالية
لم يترك لنا القدماء الكلام المنقوش على جدران المعابد والقبور الا لنتعلم منهم وقد كانت كتاباتهم فى كل المجالات
شكرا ونتمنى المزيد