المزرعة الصينية .. معركة الدبابات الأشرس في حرب أكتوبر 73
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يتمركز الجيش المصري ويحكم قبضته على منطقة تسمى بـ المزرعة الصينية، وهي منطقة تربط كل الطرق المؤدية للقناة، وحتى تعوض إسرائيل خسائر الأيام الأولى يجب أن تسيطر على تلك المنطقة لإنشاء الجسور العائمة حتى تعبر قواتهم إلى الضفة الغربية من القناة، فهل يسمح المصريون لهم بتنفيذ خططتهم و إحراز نصر يغير موازين المعركة ككل هذا ما سنتعرف عليه .
حرب الدبابات الأقوى بعد الحرب العالمية الثانية
معركة المزرعة الصينية معركة ضمن معارك كثيرة حدثت في حرب أكتوبر 1973م، هذه المعركة صنفت على أنها أقوى معركة دبابات بعد معارك الحرب العالمية الثانية. كانت المعركة بين قوات الجيش المصري وقوات جيش الاحتلال في الفترة من 15 وحتى 17 أكتوبر 73 في منطقة بالضفة الشرقية من قناة السويس قرب منطقة عرفت باسم المزرعة الصينية.
ما علاقة الصين بسيناء؟
يعود سر تسمية منطقة المزرعة الصينية بهذا الاسم إلى المحطة التجريبية بين مصر و اليابان، وقد تم تخصيصها في الخمسينيات لدراسة طرق الزراعة في صحراء سيناء، وفي أثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء وجد الجنود الإسرائيليون معدات و أدوات مكتوب عليها باللغة اليابانية فحسبوها صينية، بالتالي سميت في الخرائط العسكرية لجيش الاحتلال باسم المزرعة الصينية.
العبور العظيم
بعد العبور المصري العظيم التي نفذته القوات المصرية على طول قناة السويس و المعروف باسم” الخطة بدر” تلك الخطة التي نتج عنها تدمير خط بارليف، وعليه فقد استطاعت القوات المصرية التمركز على الضفة الشرقية تحت حماية جوية مصرية، واستمرت سيطرة القوات المصرية لسيناء حتى يوم 14 أكتوبر وفي هذا اليوم انقلب كل شيء.
القوات السورية في هضبة الجولان تحت قصف إسرائيلي تراجعت على إثره ولحقت بها خسائر فادحة، هنا قرر السادات مساعدة القوات السورية عن طريق تقدم القوات المصرية في عمق سيناء، و هو ما أدى إلى تلقي الجيش المصري خسائر فادحة فقد خسر الجيش المصري 250 دبابة من أصل 400 دبابة مشاركة في الهجوم.
ويعود الضرر الذي لحق بالمصرين في هذا الهجوم إلى تسريب معلومات استخباراتية منذ البداية إلى الموساد الإسرائيلي وعليه فقد وضع جنرالات الحرب الخطة لتنفيذ الهجوم، إلى جانب الجسر الجوي الذي أنشأته أمريكا بينها و بين إسرائيل لأمدادها بالأسلحة المطلوبة لاستكمال الحرب .
خطة معاكسة لتدمير الجيش المصري
وبعد فشل الهجوم المصري تحرك رئيس الأركان الإسرائيلي “بارليف” و قدم خطة معاكسة للوصول للضفة الغربية للقناة و تهديد القوات المصرية الموجودة شرق القناة، وبعد الموافقة على الخطة تم تحديد القادة (دان ـ شارون ـ كلمان) ليكونوا مسؤولين عن تنفيذ العملية التي عُرفت باسم ” أبراي ليف”.
وكانت مجموعة” شارون” تتكون من 2 لواء مدرع، ولواء مظلات، في حين مجموعة ” دان” تكونت من 2 لواء مدرع، أما المجموعة الأخيرة كانت بقيادة ” كلمان” وتكونت من لواء مدرع ولواء ميكانيكي ليكون مجموع القوى الثلاثة 540 دبابة ، واللواء ميكانيكي المسؤولة عن تنفيذ الثغرة تكونت من 30 دبابة 2000 جندي، قوة هائلة تنتظر المصريون.
خطة الهجوم على الدفرسوار
الخطة كانت هدفها الهجوم على نقطة الدفرسوار وبناء جسور مائية حتى تعبر من خلالها القوات الإسرائيلية لعمل فجوة يستطيع من خلالها احتلال مدينة الإسماعيلية و محاصرة الجيش الثاني واحتلال السويس و محاصرة الجيش الثالث، وسيتم الهجوم على ثلاث مراحل في التالي:
المرحلة الأولى : هجوم مجموعة “دان” على الجناح الجنوبي للجيش الثاني والجناح الشمالي للجيش الثالث، والهدف منها خلق حالة تشتيت عن قوات “شارون” التي سيكون لها دور في المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية: عبور قوات ” شارون” واختراق نقطة الدفرسوار و تدمير أي قوة تقابلها في المنطقة، لكي تصنع الجسور التي سيعبر من خلالها القوات الإسرائيلية للضفة الغربية من القناة.
المرحلة الثالثة: المرحلة الأخيرة من الخطة هي عبور قوات شارون وانسحاب قوات “دان” من منطقة الممرات حتى تدافع عنها.
أما على الجانب المصري فكان على المنطقة الشرقية لنقطة الدفرسوار نقطة المزرعة الصينية، تحت عناية الكتيبة 16 مشاه بقيادة المقدم محمد حسين طنطاوي.
الصدمة
في ساعات الصباح انطلق القصف المدفعي والقصف الجوي للقوات الإسرائيلية عند محور الدفرسوار، لم تخسر القوات المصرية أي من جنودها بسبب مفاجأة وصدمة لم يتوقعها أحد . قبل المعركة اعتمد المقدم محمد حسين طنطاوي قائد الكتيبة على تكتيك في صد الهجمات مشابه للعبة “الاستغماية”، في الوقت الذي كانت فيه القوت الإسرائيلية تستطلع قبل أي هجوم تمركز القوات حتى تستطيع تدميرها لتسهل العملية على قوات المدرعات والمشاة.
إذا قصف جوي لم يسفر عنه أي ضحايا من القوات المصرية هذا غريب بالطبع، لكن خطة المصريين كانت قائمة على تغيير مواقع الجنود بعد استطلاع الطائرات إلى أماكن أخرى قبل القصف، بالتالي يكون القصف على أماكن فارغة لا يوجد بها أي من أفراد الكتيبة المصرية، ومن ناحية جيش الاحتلال فقد تم قصف الجناح اليمين للجيش المصري بنجاح وهذا مجرد وهم .
استمرت الخدعة العسكرية من قبل الجنود المصرية و تمركزوا في خنادق على شكل حدوت حصان منتظرين هجوم المدرعات. أمر ” طنطاوي” بحبس إطلاق النار لحين إعطاء الضوء الأخضر. حين تقدمت قوات الاحتلال وأصبحت قريبة من مواقع إطلاق النار أعطى ” طنطاوي” إشارة بالهجوم، و كانت مفاجأة للعدو، فقد تحولت سماء سيناء إلى سيل من الطلقات والقذائف فوق الإسرائيليين وسط حالة من الذهول والصدمة منهم.
وضع مأسوي
الوضع في المزرعة الصينية كان مأسويًا لدرجة أن مواقع القصف بين الدبابة المصرية و الإسرائلية لا تتعدى الكيلو متر، وسط عتمة صارخة لم يُنيرها سوى نيران القذائف والرصاص. استمرت المعركة طول فترة الليل وكانت فترة كافية لتحويل المزرعة الصينية لمقبرة ضمت المدرعات والدبابات الإسرائلية.
يقول “موشيه دايان” وزير الدفاع الإسرائيلي في مذكراته:” حين زرت أرض المعركة لم أرى أبشع من هذا المنظر لا في اللوحات ولا حتى في أفظع مناظر الأفلام التي تحدثت عن الحروب”، وأضاف عند زيارته للمنطقة في 17 أكتوبر :” لم أستطع إخفاء مشاعري عند مشاهدتي لها فقد رأيت مئات العربات العسكرية المهمشة والمحترقة متناثرة في كل مكان، ومع اقترابي من كل دبابة كان الأمل يراودني أن لا أجد علامة الجيش الإسرائيلي عليها وانقبض قلبي فقد كان الكثير من الدبابات الإسرائيلية”.
في حين قال” شارون” عن هذه المعركة أنه خسر من قواته 300 جندي بالإضافة إلى إصابة 1000 جندي وتم تدمير حوالي 70 دبابة، وانتهى به الحال معزولًا هو وبعض جنوده بعيدًا عن باقي قوات الجيش”، وأضاف:” هذا يعود إلى أن المصريين كانوا يتمركزون في خنادق على شكل حدوت حصان، فكانوا يهاجموننا من ثلاث جهات حتى إنهم استطاعوا تدمير قوات المظلات التي اتجهت لمعاونتنا”.
معركة المزرعة الصينية كلفت الإسرائيليين خسائر كثيرة ، أكتر من مجرد دبابات وهي الخسائر النفسية بسبب ما شاهدوه من صمود عجيب للقوات المصرية، ففي كتاب ” التقصير” أحد أبرز الكتب الإسرائيلية التي تحدثت عن الحرب أن الجنود كانوا يصرخون ويبكون وينادون على أمهاتهم وكأنهم أطفال”.
في اليوم الثاني استطاعت قوات الاحتلال أن تصلح عدد من الدبابات، وعبروا بها الضفة الأخرى من القناة، لكنهم واجهو مقاومة ملحمية من أبناء السويس بقيادة الشيخ حافظ سلامة وقائد الفرقة 19 مشاه يوسف عفيفي والشرطة المدنية واستطاعوا أن يكلفوا العدو خسائر كبيرة. انتهت الحرب لكن العدو دائمًا وأبدًا معروف بحيله الخبيثة يحاول أن يثبت هويته المزيفة بانتصارات غير حقيقة.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال