الملحنون ..الصندوق الأسود للشعراء العرب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في تاريخ الغناء المصري العديد من الأسماء التي هبطت على الحياة الفنية المصرية كالجراد، قدموا أنفسهم بوصفهم شعراء رغم أنهم لا ينتمون إلي الشعر بصلة، منهم من ظهر بشخصيته الحقيقة و منهم من تخفى وراء أسماء مستعارة، كانوا يدفعون مقابلاً ماديًا ضخمًا سواء بشراء الاّشعار أو سرقتها المهم أن توضع أسماؤهم على أغنيات المشاهير.
هذا الملف الشائك فتح مرارًا وتوجهت الأقلام صوب الشعراء دون ذكر الملحنين الذي تورط بعضهم في القصة أما بلعب دور الوسيط كسمسار بين الشاعر الأصلي والمشتري، او نسب ما لحنوه إلى شاعر آخر دون أدنى مراعاة لحقوق الشاعر الأصلي سواء أدبيه أو مادية.
“محمد الموجي”
اشتهر الموجي بحبه لتلحين الموشحات، ولحن العديد منها أشهرها بالطبع “يا مالكًا قلبي” والذي غنته أولًا المطربة “نجاح سلام” تحت عنوان “اهلي علي الدرب” وجرى تغيير مقاطعه بالاتفاق مع الشاعر “أحمد مخيمر” ليغنيه بعدها عبد الحليم حافظ.
تفجرت قضية سرقة الموشح ونسبه لأخر؛ عندما صعد عبد الحليم إلي المسرح في حفل الربيع عام 1973 ليعلن أن الموشح من اشعار الأمير عبد الله الفيصل الذي كتب مقطعًا واحدًا فقط فيه ولحن محمد الموجي، دون ان يذكر أسم “أحمد مخيمر” وبرغم وجود الموجي الذي كان حاضرًا الحفل إلا أنه لم يحرك ساكنًا ليعطي مخيمر حقه، بل تنصل منه بعد ذلك رافضًا أن يرد على اتصالاته، ووصل الأمر لإتحاد الكتاب ورفع مخيمر قضية للمطالبة بحقه، عندها تحرك عبد الحليم لإصلاح الموقف بدفع مبلغ مالي لمخيمر من أجل التنازل عن القضية، حسب توصية الأمير الفيصل، فرفض مخيمر وطالب بحقه وأن يكتب اسمه على الشرائط الكاسيت الصادرة عن صوت الفن بدلاً من الفيصل. بعد ذلك ظهر حليم في لقاء تلفزيوني، يقول أن هذه القصيدة من تأليف شاعر أندلسي ومكتوبة في كتاب الأغاني للأصفهاني وليست ملكاً لأحد.
هنا نطرح تساؤلًا لماذا قرر الموجي إلتزام الصمت والتخلي عن مخيمر ومجاملة صديقة الأمير بنسب الموشح بالكامل له، ولماذا توسط عبد الحليم لحل المسألة حفاظَا على سمعة الأمير بعد أن قدم مخيمر شكوى لجمعية المؤلفين والملحنين ووصل الأمر إلي القضاء، بل تم التضييق على “مخيمر” كثيرًا مجاملة للأمير وبالتالي خسرنا شاعرًا كان من الممكن أن يثري الحياة الفنية المصرية، استفسارات و أسئلة عديدة لن تجد لها إجابة سوى ان عبد الحليم والموجي قرروا في لحظة ما أن يلعبا دور السمسار مع الأمير.
“بليغ حمدي”
من المعروف عن بليغ حبه لكتابة الأغاني حيث كان يكتب بعضها تحت الإسم المستعار “ابن النيل”، ثم تحول بعد ذلك ليكتب اسمه الحقيقي وظهر ذلك في العديد من الأغنيات الشهيرة مثل “بنلف” وردة “الحب اللي كان” “أنا بعشقك” لميادة الحناوي “القمر مسافر” لعدوية.
كانت فترة الثمانينات أكثر فترات حياة بليغ تخبطًا حيث السهرات وحفلات الأنس الصاخبة التي كانت تقام ليلًا داخل منزله وانتهت على وقع مأساوي بإنتحار مطربة مغمورة من شرفة منزله وهو الأمر الذي عجل برحيله من مصر قبل صدور حكمًا بحبسه عامًا.
من بين الضيوف الذين كانوا دائمي السهر في منزله “منصور الشادي” الذي سنراه لاحقًا يذيل اسمه تحت اثنان من أغنيات بليغ غنتهما وردة الأولى “من بين ألوف” والتي قدمها لوردة قبل الحكم في قضية “سميرة مليان” بل وقاد الأوركسترا بنفسه قبل رحيله في اليوم التالي لباريس، ثم كانت أخر أغنياته مع وردة “بودعك” والتي كتبت داخل رسالة أرسلها بليغ إلي وردة بعد طلبها للطلاق في أواخر السبعينات، وبعد رحيل بليغ إلي فرنسا اتصل بوردة واسمعها الأغنية، ثم ذهبت إلي باريس لوضع الرتوش الأخيرة على اللحن، ثم عادت بالأغنية للمنتج “محسن جابر” والذي رفض دفع المبلغ الذي طلبه بليغ و تكفل الشادي بدفعه لتظهر الأغنية عليها اسمه.
القصة المنتشرة تقول أن الشادي أكمل الأغنية، وبفرض صحتها لماذا لم يكتب اسم بليغ بجانبه مثلما فعل من قبل ، قد يعذر البعض بليغ في تلك الواقعة احتياجه للمال في تلك الفترة العصيبة من حياته، لكن أن يفرط في إبداعه وفي اغنيتين كانتا تؤرخان لقصة حبه العظيمة مع ورده هو الأمر الذي لا يمكن أن نعذره فيه، ووردة نفسها في حوار مع الإذاعي وجدي الحكيم اقرت أن بودعك كلها من كلمات بليغ وقصة استكمال أي شاعر آخر لها لا أساس لها من الصحة.
“وليد سعد”
يبرز أسم وليد سعد كأبرز المتعاملين مع الشاعر الشبح “منصور الشادي” في فترة إزدهار اسمه داخل مصر، بدأها بأغنية “لا خطر” لإيهاب توفيق ثم توسع في التعامل معه في أغنيات عديدة منها “عشان الحب” شيماء سعيد “جرحي أنا” “إلا دموعك أنت” “لو شغلوني” “بدعيلك تنساني” هاني شاكر، “كبر الغرام ” ” مش حبيبة حد فينا” “زي الليلة” ” ليك حق تزعل” محمد فؤاد “فوق من وهمك” ” مخادع “اصاله.
لو دققت في تلك الأغنيات ستجد نفسك أمام عدة شعراء وليس شاعرًا واحد فقط، والعامل الوحيد المشترك فيها هي انها من تلحين ملحن واحد فقط.
لم يثار الجدل في بعضها مثل “عيد ميلاد جرحي أنا” لأن المسالة تمت بالإتفاق والتراضي بين الشاعر الأصلي والشادي، لكن في “كبر الغرام” هل كان يدرك وليد سعد أنه أمام كلمات مسروقة من شاعر اّخر ووصلته عن طريق الشادي او مندوبه وهو يعلم تمام العلم أن الشادي لا يكتب الشعر بل يشتريه، ولماذا الإصرار على التعامل مع شخص هو يدرك أنه نقل نشاطه إلى مصر بعد أن فضحت سرقاته داخل السعودية، ولما يتم تطويع موهبة ملحن لكي يعمل مجرد سمسار لرجل قرر أن بماله يستطيع أن يشتري كل شئ. ويبدو أن وليد سعد مصر على إثارة الجدل فبعد إختفاء الشادي من الأغنية المصرية عاد ليتعاون مع شاعر آخر مثير للجدل تولى تلحين معظم اّشعاره هو الشاعر نبيل خلف.
اقرأ أيضا
طارق مدكور وحميد الشاعري ولعبة الكراسي الموسيقية .. الجزء الأخير
من المتعارف عليه أن خطوات صناعة الأغنية تبدأ من الكلمات، التي تذهب للملحن الذي بالضرورة يعرف صاحب الكلمات الأصلية ولن يرتضي أن يلحن كلمات لشخص مجهول إلا نادرًا، وفي حالة ما إذا كان هناك إتفاق بالتخلي عن اغنية ليكتب تحتها اسم شاعر آخر لماذا لم تثير تلك المسألة حفيظة الملحن، وهل صمته كان بسبب المال أم بسبب تورطه وتخليه عن دوره الأساسي ليعمل سمسارًا للشاعر، أم طمعًا في نفوذ الشاعر المجهول الذي سوف يفتح له ابوابًا مغلقة بجعله يتعاون مع كبار المطربين، تدور تلك الأسئلة والشكوك حول تلك المسألة ويظل مفتاح حلها لدي الملحن الذي يمكن اعتباره الصندوق الأسود لهؤلاء الشعراء المجهولين.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال