همتك نعدل الكفة
1٬322   مشاهدة  

الملحن الكبير محمد علي بحري : كنت عصاميا وبنيت نفسي بنفسي

محمد علي بحري


تعرفت على صديقي وأستاذي الموسيقي الكبير/ محمد علي بحري في مطلع عام 2018م، بدأت علاقتنا بمقطع صوتي لي، أرسلته إليه ليبدي فيه رأيه الفني، فأعجب به وأثنى عليه، فكانت الصداقة التي أثرتني بالكثير والكثير في مسيرتي الفنية كمطرب، وكنت محظوظا أن تغنيت بكلماته وألحانه، فقد سجلت من كلمات وألحان الشيخ محمد علي بحري موشح ” قالوا تهوى ذا الرشا ” من مقام النكريز في عام 2018م.
يوما بعد يوم وأنا أنهل من علم هذا الرجل وأتعجب، كيف لعالم موسيقي مثله لا يعرفه الوطن العربي بعد أن تدهورت الأوضاع على الساحة الموسيقية؟؟ فكان لزاما عليّ أن أجري معه هذا الحوار المطول الذي أراه من أهم الحوارات التي أجريتها في حياتي، لما فيه من معلومات ونصائح هامة أثق أنها ستفيد كل مهتم بالشأن الموسيقي..
لذلك سيكون الحوار على فصلين مستقلين حتي يتسنى للقاريء أن يطالع ما فيه بدقة وتأن.
محمد علي بحري

في البداية، من هو الشيخ محمد علي بحري، وكيف كانت النشأة، كيف تعلم الموسيقى وعلى يد من تعلم ؟
محمد علي بحري من مواليد سنة 1972م بمدينة اسكندرون السورية والتي أصبحت فيما بعد تركية، حيث ولدت هناك ثم قدمت إلى حلب سنة 1974م مع أمي، فترعرعت ونشأت فيها ضمن الأجواء والحياة الحلبية القديمة, حيث عشقتها منذ ذلك الحين, وعشقت دورها العربية القديمة وحاراتها وأزقتها التاريخية العريقة وأحيائها المؤصلة، وتعلمت في مدارسها وحصلت على الشهادة الإعدادية فقط ثم أكملت المرحلة الثانوية ولم أحصل على شهادتها بسبب وفاة الوالد وانطلاقي للكدح في الحياة مكرها وتركي لمقاعد الدراسة.
بدأت أثقف نفسي بنفسي وألتهم الكتب العربية الأدبية والاجتماعية والدينية والفنية والموسيقية ، أما من حيث الجانب الموسيقي وهو ما يهم المطلع معرفته فأقول:
أنا لم أنتسب بحياتي لمعهد موسيقي ولم أتعلم عند أستاذ موسيقى، بل كنت فتى عصاميا وبنيت نفسي بنفسي وتعلمت من الكتب ومن التسجيلات القديمة التي كنت أسعى دوما لاقتنائها والتأمل فيها والتعمق في طياتها،  تعلمت علم المقامات الموسيقية بنفسي وكذلك الموازين الإيقاعية الكثيرة والثرية بكل جمال وتنوع وحفظت في حياتي قرابة 700 موشح مع أوزانهم ومعرفة بياناتهم من ملحن وشاعر ومن سجله وغناه وخلافه، وبدأت تعلم الفن والموسيقى وأنا في الخامسة عشر من عمري حتى ألممت بالشيء الكثير منه، وتفتقت لدي موهبة التلحين ونظم الشعر وأنا في سن السادسة عشر، وكان أول موشح لحنته هو موشح:  “طف على الندمان يا أخ البدر.. واسق من في الحان أعتق الخمر، من مقام العجم عشيران وإيقاع المصمودي.
كانت دراساتي تدور ضمن ثلاثة أفلاك:
1- الفن والموسيقى الحلبية القديمة
2-فن المدرسة المصرية القديمة
3- الفن والمدرسة العثمانية والتركية القديمة
وقضيت معظم حياتي أتجول بين هذه المدارس الثلاث، ففتنت من الفنانين الحلبيين بهؤلاء وتأثرت بمذاهبهم ومشاربهم و هم:
1-المرحوم الشيخ عمر البطش كبير وعمدة ملحني الموشحات في الوطن العربي كله إذ لحن ما يقرب من 140 موشحا وكلهم جاؤوا وأصيغوا وهم في غاية الكمال وتمام سلك الإنتظام.
2- المرحوم الملحن الموسيقي الشيخ بكري كردي
3- المرحوم توفيق فتح الله الصباغ والملقب بملك الكمنجة وتأثرت بشخصه وبكتبه كثيرا جدا.
4- المرحوم أسعد سالم وهو مغني عتيد وعازف عود بارع واقتصر فنه على الفن الكلاسيكي القديم، ولذلك لم يلق شهرة لدى الجمهور.
5- المرحوم محمد النصار.
6- المرحوم محمد خيري.
7- المرحوم مصطفى ماهر.
أما من مصر فتأثرت بالقدماء منهم وبفنهم وألحانهم مثل:
1- الشيخ مصطفى اسماعيل زعيم الفن ووحش الصوت والعُرب.
2- الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب.
3- عبده أفندي الحامولي.
4- محمد أفندي عثمان.
5- إبراهيم أفندي القباني.
6- داوود أفندي حسني.”تأثرت به كثيرا”
7- الشيخ سيد درويش. “اعتبره أبي الروحي”
8- ومما ساهم في بناء شخصيتي الأدبية والفنية هو المرحوم كامل أفندي الخلعي وأعتبره أكبرعالم موسيقي عرفته مصر وعرفه الوطن العربي أجمع.
9- الأستاذ محمد عبد الوهاب، تأثرت به جدا، ولكن في ألحانه ما قبل 1940م، أما في ما بعدها فلا أسمع منها شيئا.     10- فريد الأطرش، تأثرت بجوانب كثيرة من فنه.
11- المرحوم كارم محمود، وهو فنان له وزنه وثقله الفني في عالم التلحين والغناء.
وأما المغنين المصريين  فكثيرين:
سليمان أفندي أبو داوود، زكي أفندي مراد، عبد الحي أفندي حلمي، الشيخ سيد صفتي، الشيخ يوسف المينلاوي في بعض غناءاته، صالح عبد الحي وهو من المتأخرين بالنسبة لمن قبله من مشايخ ومغني الاسطوانات القديمة، وهناك ما زال الكثير من المغنين المصريين القدماء ولكني استحضرت أكثرهم شهرة وأعزهم مكانة في نفسي.
وأما من الموسيقيين الأتراك، فتأثرت بالكماني طاطيوس أفندي وجميل بك الطنبوري ونجله مسعود وتلميذه رفيق فيرسان وأيضا بالمعلم اسماعيل حقي بك والقانوني حاجي عارف بك وأحمد سلانكلي افندي وبيمن شان والطنبوري البيوك والكوجوك عثمان بك والنيازي عثمان بك أيضا والدادااوات الثلاث النياظي محمد عزيز دده ومحمد سعيد واسماعيل دده ومصطفى جاويش وأيضا اسماعيل دده أفندي (حمامي زاده) ودلال زاده أفندي ومحمد زكي أغا ويوسف باشا والسلطان سليم الثالث والتتري غازي غراي خان وشوقي بك ورحيم بك ونينون والكمنجاتي نيقولاكي افندي وواسيلاكي افندي وأدهم أفندي وعلي رضى بك وقائمة عظماء الموسيقى الشرقية الكلاسيك طويلة جدا ولا يمكن حصر أسمائهم في هذه العجالة.
ومن المتأخرين: يساري عاصم أرسوي ليمي أطلي عارف سامي توكار عوني أنيل صلاح الدين بينار حسين سعد الدين أرييل وميشول ومنير نور الدين سلجوق والملحن الكماني جودت شاغلا باكير صدقي سيزكين والدكتور علاء الدين يواشجا والمولوي الضرير كاني كراجا وسيرهات ساربيل وتورهان أوجه وكمال أونجان ومصطفى دوهان ديغمان ودرست حياتهم وأعمالهم جميعها من ملحنين وموسيقيين ومغنين، فلا يكاد يوجد لحن تركي من بشارف أو سماعيات أو شرقيات وبستات إلا وأعرف من ملحنه ومن غناه وما هي بياناته، دفعني لكل ذلك الحب والعشق والهيام والإخلاص في الفن، لا أبتغي من وراء ذلك شهرة ولا صرف وجوه الناس إليّ ولا مال ولا أي مبتغى حسي أو دنيوي، إنما دفعني لذلك هو عشقي للعلم الموسيقي وحبي المتفاني بالفن القديم وسرت فيه بكل صدق وأخلاص لا أجامل ولا أنافق ولا حتى مع نفسي.
أما من حيث نتاجي فقد وصلت ألحاني إلى 171 لحنا معظمها موشحات أندلسية وفيها ما هو آلي كالبشرف والسماعي واللونجا وفيها ما هو ديني كالموشحات الدينية وفيها ما هو من نظمي وشعري وما هو قديم ، وقد جاء معظم ما لحنته من تلك الوصلات والموشحات على مقامات موسيقية نادرة ومما لا عهد للموسيقى العربية من بعضها مثل:

1- موشحات وعد، 2- طقطوقة على مقام الدلكش حوران، 8 موشحات بينهم طقطوقة على مقام الطاهر بوسلك، وصلة موشحات على مقام الجانفزا، وصلة موشحات على مقام الشوق أفزا، وصلة موشحات على مقام الزاويل، وصلة موشحات على مقام المستعار وصلة موشخات على مقام العجم كردي وصلة موشحات على مقام السلطاني يكاه وصلة موشحات من مقام العجم بوسلك، ومقامات موسيقية نادرة أخرى، كما اشتملت ألحاني على موازين إيقاعية كبيرة يندر الآن وجود من يستطيع التلحين عليها مع المحافظة على جودة اللحن مثل:
موشح يا حمام الروض – مقام حجاز- ايقاعه الفتح مرقم بمقياس 176 على 4، وموشح ماس غصن البان -مقام نوأثر-ايقاعه النيم زنجير104، وموشح شمس النهار – مقام عجم بوسلك وايقاعه الخفيف المصري 64 على 4 وموشحات على ايقاع الشنبر الحلبي 24 والمخمس التركي 32 والفاخت الحلبي 20 على 4 والدور كبير 28 على 4 والرمل التركي 56 على 4 والقائمة طويلة ولحنت بشرف من الراست ضربه شنبر 24 ولحنت سماعي السلطاني يكاه سماعي النكريز وسماعي المستعار ولونغا جهاركاه.

ما هو مفهوم الموشح ؟ وما هي ملامح هذا القالب؟ وما هي نظرتكم له من حيث اعتباره الجمالي والذوقي والفني ضمن أقرانه من القوالب الغنائية الأخرى كالدور والطقطوقة والمنولوج وفن القصيدة إلى أخره، ثم ما هي أصوله وهل تطورعن ذي قبل، وكيف تطور، وما هو التطور المفيد والمثمر وما هو التطور السيء بحقه، وأخيرا لماذا اندثر هذا الفن وأصبح متناولوه بالتلحين ندرة شديدة جدا بمعنى أن فن الموشح أصبح موضوعا في المتاحف فقط ؟
في الحقيقة هذه جملة أسئلة في سؤال، ولكني سأحاول أن أجيب عنها جميعا وباقتضاب:
الموشح هو فن شعري وغنائي من المستوى الراقي الأكاديمي جدا, وهو من أهم العناصر الفنية الدسمة والتي تساهم بالجزء الأكبر في تكوين وبناء الفنان أو طالب العلم الموسيقي والفني، وتختلف في الغالب موازينه الشعرية عن موازين البحور الخليلية الستة عشر والمعروفة لدى أرباب علم العروض والشعر والقافيه ويمتاز الموشح بأن كلامه ونظمه يكون باللغة العربية الفصحى ونادرا ما تصادف موشحا باللغة العربية المحكية المحلية، كاللغة المصرية أو السورية أو التونسية أو المغربية، مثل موشح ألا يا من سكن بقلبي، فكلامه مصري عامي ومثله موشح يا ميمتي طلع القمر ولا ستر.
أما من حيث البناء الفني فله طرفان : جانب يتعلق بالموازين الإيقاعية، حيث يشترك في إيقاعه الكثير والكثير من الموازين الإيقاعية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ومن مختلف أشكال العلامات الموسيقية أي من الكروش والدبل كروش والنوار والبلانش وكل هذا يدخل في تلحينه، والجانب الثاني يتعلق بالمقام الموسيقي الذي يبنى منه، والمقامات الموسيقية كثيرة جدا، كذلك يمتاز الموشح  بالصناعة التلحينية وبالزخرفات والحليات والزركشات الفنية، ولا يتذوق هذا النوع من الفن عادة إلا أعيان القوم وذواتهم الذين يمتلكون ثقافة في المعاني وسمو في الروح والنفس, واطلاع فني ولغوي جيد، طبعا هناك موشحات خفيفة العيار, سهلة الجمل اللحنية, بسيطة الإنشاء وسهلة اللغة, قصيرة اللحن, رشيقة الإيقاع، حيث يمكن للعامة والسابلة من الناس فهمها وتذوقها.
أما الموشحات المطولة ممتدة النفس التلحيني, والتي صيغت على مقام موسيقي نادر مثلا أو على ميزان إيقاعي كبير فهذه لن يجيد تذوقها وفهمها جيدا إلا من ذكرتهم آنفا.
إذاً الموشح يختلف عن الدور والطقطوقة والأغنية والمونولوج  في أنه يلحن من مقامات علمية فنية موسيقية كثيرة ونادرة ومتنوعة وهذا هو شغله وعمله وثانيا يمتطي إيقاعات معقدة وموازين مختلفة كبيرة وصغيرة ومتوسطة وعرجاء، وثالثا يمتاز باللغة الفصحى الجزلة والقصيرة البليغة والتي تعتني جدا بالمحسنات والصور البديعية كالجناس والطباق والاستعارات بأنواعها بينما الدور يصاغ في الغالب على مقامات موسيقية مشهورة ومعلومة ومحدودة وعلى إيقاعين أو ثلاث كالواحدة والمصمودي وهو الطاغي ونادرا ما جاءت صيغة الدور على ميزان الأقصاق 9 على 8 كدور أنا فؤادي يوم عشق ودور في زمان الوصل هني فؤادي أو من النواخت المصري كدور الشيخ زكريا احمد ياللي تشكي من الهوى. ويمتاز الموشح من حيث سيره بالمحافظة على المقام الموسيقي الملحن عليه وتشكيل ما يشبه العمود الفقري له ثم من بعدها يزخرف اللحن بالمقامات المجاورة له بانسجام ولطف ومن غير أن يطغى ذلك على شخصية المقام الأساسي للحن، ويعرف التغير الطارئ هذا بالخانة أو بالسلسلة أحيانا وله عدة أنماط تلحينية لا سبيل لذكرها هنا حتى لا نتشعب ونخرج بالقارئ عن الموضوع.
وخلاصة القول أن الموشح يمتاز عن غيره بلغة قوية فصيحة متينة وبمقامات موسيقية عامة ونادرة وبتشكيل إيقاعي غزير وثري جدا، فهو قالب فني بحت يعتمد على العلم والصناعة والهندسة سواء كان ذلك في التأليف الشعري له أو في التلحين أو في عزفه أو في غنائه وهو ما يجعل المغني قويا متينا راسخا ومن غيره يكون الفنان ضعيفا هزيلا مهلهلا, غناء وأداء هذا هو تعريف الموشح باختصار وهذه هي أهم سماته وملامحه وأنا أعتبره من أهم شواغل ومقاصد من يريد أن يصبح فنانا راسخا متمكنا وعتيدا محترفا في الغناء, ويلزم متعلمه الكثير من الوقت والجهد والصبر والتعب وسهر الليالي ولذلك هرب من تعلمه معظم أهل الفن لصعوبة مطالبه وعسر امتطائه, وعويص ملكته.
وبالنسبة لتطوره الجيد والممدوح: فهو أن يتطور ملحنه من أحوال الطرب والشجن والذي اقتصرت عليه معظم الالحان القديمة إلى تلحين موشحات لأغراض أخرى غير الغزل والمجون وشرب الخمر ووصل الحبيب وخلافه, هذا تطور جميل وينبغي أن يلجأ إليه الملحن وكان ممن فعل وطالب بذلك المرحوم كامل أفندي الخلعي، ولكن معظم العامة ورعاع الجماهير يستثقلون الموشح في مطلب غير مطلب الخلاعة والمجون والطرب والشجون.
ثاني تطور ممدوح هو أن نضع في صياغة تلحينه ونمط سيره بعض التكنيك الموسيقي كوضع التيريولات في اللحن أو حركات الكروماتيك وغيره وأيضا أن نصنع موشحات تكون عميقة الفكر, حاوية على معاني نفسية فلسفية, ومعاني تصور الحالات النفسية وعواطفها من جبن ونذالة وفضيلة وشجاعة وكراهية وحقد وصفاء طوية وسمو روح وجبروت وطغيان واستعلاء وتواضع وخبوت وطيب نفس وسماحة صدر وقرف واشمئزاز واشتهاء وتمني وخيبة رجاء وحسرة وندم وحزن وأسى  وفرح ونشاط وسرور ورشاقة وتفاؤل وأمل وخمول وكسل وهمة وعزم وانقباض وانبساط  إلى أخر ما هنالك من هذه الانفعالات النفسية والتي يمكن إضافتها على فن وقالب الموشح من غير تشويه لجذع لحنه ولأصل أرومته، ومعظم موشحاتي التي لحنتها راعت هذا الجانب الفلسفي النفسي وتضمنت الكثير من صور الخيال الحالم، أما الموشحات القديمة فقد اعتمدت في جلها على حالتي السلطنة والطرب وبساطة الجمل اللحنية مع الاعتراف بجمالها لكنها خلت من التكنيك ومن التفاعل مع الخيال ورصد الانفعالات النفسية التي أشرت إليها منذ قليل.
وأما التطور السيئ للموشح فهو الوقوع في خلط هدين بينه وبين تلحين الأغاني وتضمينه جملا لحنية هجينة لا تاريخ موحد لها.
عفوا على المقاطعة.. ماذا تقصد بتاريخ الجملة اللحنية ؟
ما أقصده هو مما ينبغي معرفته على كل فنان مثقف وفاهم صنعة الفن وهو أنه ولكل جملة لحنية تاريخ فمثلا نهاوند المسلوب وعبده افندي الحامولي يختلف ذوقيا ونكهة وفوحا وتعبيرا عن جملة أو قفلة نهاوند من التي أشيعت أيام الستينات والسبيعينيات وأدعوه بالنهاوند العاطفي البارد وأيضا نهاوند الستينات يختلف عن النهاوند الشعبي الوارد في بعض الموالات الريفية أو موالات المغني أحمد عدوية وهو بدوره يختلف عن نهاوند الأغاني اللبنانية كنهاوند راغب علامة ووليد توفيق وأمثالهم وكل ذلك يختلف أيضا عن النهاوند الغربي، وقس على هذا جمل الراست والسيكاه والحجاز والصبا ..الخ. إذاً هناك الكثير ممن ماتت موشحاتهم ولم تثبت ولم يكتب لها الخلود بسبب هجنة الجمل اللحنية وبرودة المسار والخروج عن أطر وجغرافية الموشحات ومزجها مع نمط الأغاني بمختلف أشكالهم، وهذا ما مسخ الموشح وأضاع شخصيته المتينة العظيمة فما عدت تفهم هل ما تسمعه هو موشحا أم أغنية في هيئة الموشح؟ ناهيك عن سوء العرض الغنائي والموسيقي والذي يحمل بين طياته ضياع لهوية المغني والموسيقي الشرقي. والسماجة والبرود الذوقي.
أما عن جواب شق سؤالكم: لماذا اندثر فن الموشحات هذا وأصبح مزاولوه ندرة في الوطن العربي وندرة الندرة من يعطونه ويؤدنه بشكله الصحيح والمشوق الممتع والسار المطرب، فالعيب في المعلمين والمدرسين والموسيقيين والملحنين والمغنيين وفي مناهج ومعاهد التعليم وتخريج أرباب الفن فلا يوجد في معاهد التخريج منهاج منظم قوي مدروس بعناية فائقة ويلزم المتعلم  بفهم وهضم كل التاريخ الفني واطلاع طالب الفن على جميع الأشكال والقوالب الغنائية والآلية وبشكل واسع وقوي، لجهل المعلمين والموسيقيين أنفسهم بذلك، فلو سألت أي موسيقي عازف أو ملحن أو متخرج من المعهد كم موشحا تحفظ عن ظهر قلب؟ كم مقام موسيقي يمكنك أن تدخلنا في عالمه وتذيقنا بعض نكهاته وتتجول بنا وتسرح في رياضه؟ وكم ميزانا إيقاعيا تستطيع ضربه وغناء نماذج تلحينية على كل ميزان إيقاعي تحفظه؟ وما هي ثقافتك عن أعلام الموسيقى والفن وتاريخهم وسيرهم وما لحنوه وأنتجوه وكم بشرفا وسماعيا تحفظ ؟ وكم دورا قديما تمتلك وتحفظ في وعاء صدرك وفسيح خيالك؟ فستجد الأجوبة مخيبة للأمال, وصادمة للحقائق. ومؤلمة للنفوس، فكيف لهؤلاء وهم المدرسون والصانعون والمعلمون أن ينتجوا لنا طلاب فن نخبة وبقوة القدماء وبما يضاهون به موسيقيّ الغرب والترك وباقي الأمم ؟ لذلك فالخطوات الصحيحة تبدأ ليس من إعداد الطلاب وإنما من إعداد المدرسين والمعلمين ووضع وتأليف المنهاج العلمي السليم وقضاء الفنان سواء كان موسيقيا أو مغنيا أو ملحنا في معهد التعليم وبدايات طلبه للعلم ألا يقل طلبه ودراسته عن 10 سنوات تعلم وتمارين واطلاع وحفظ متون وامهات الفن وقواعده وقوالبه وبذلك نخرج فنانين بقوة القدماء ومتانة صناعاتهم وبراعة تلاحينهم.
أشكرك شكراً جزيلا أستاذنا العلامة الموسيقي محمد علي بحري على هذه الحلقة الثرية والغنية بقيّم المعلومات، وكما نصحت حضرتك بأن نقسم الحوار على حلقتين أو ثلاث حتى يتسنى للمطالع أن يفهم ويعي كل ما جاء فيه سنكتفي بهذا القدر، على أن نكمل اللقاء في الحلقة القادمة.
دمتم في سعادة وسرور أعزائي القراء..

إقرأ أيضا
عبد المنعم إبراهيم

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
6
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان