664 مشاهدة
الملك أحمس وفن المزايدة على الجمهور .. ماذا قالوا عندما اتفرجنا وبعدين حكمنا ؟
انطلقت بالأمس مطالبات من قطاع عريض من الفنانين عبر هاشتاجات بعودة مسلسل الملك أحمس للعرض مرة أخرى .. بعد غضبة شديدة من الجمهور على إثرها تم اتخاذ أجراءات بوقف عرض المسلسل في موسم رمضان القادم .. فقرر الفنانون مساندة زملائهم بعد الحملة الجماهيرية الشديدة التي تعرض لها برومو المسلسل ، والذي خرج – بالإجماع- مخيبًا للآمال من حيث جميع الزاوايا : التاريخية ، والدرامية ، والصورة كاملة .. وفي هذا لنا كلام هادئ يفسر المشهد بعيدًا عن تعنت أطراف الأزمة ، وأسئلة يجب أن نسألها لأنفسنا قبل الحديث عن مثل هكذا أزمات لا تحدث كل يوم .
هل فعلًا الجمهور لا (يتفرج) ثم (يحكم) ؟
الحقيقة الواضحة والجلّية أن الجمهور المصري أكثر من يصبر على الفنان ، وأكثر الجماهير التي تحملت فنًا هابطًا وقابلوه بالسخرية تارة ، وبالتجاهل تارة أخرى .. ومعنى أنك تطالبه أنه يتفرج ثم يحكم ، فإنك بذلك ترسي معنى أنك تأدّب طفلًا لا يتمتع بالحس الفني ولا يعرف قواعد المشاهدة ، والحقيقية أن الجمهور الذي تحاول تأديبه اليوم ، هو بحسه الفني بعَبَلُه من صنع جماهيرية كل من طالبوه بالأمس بالتأدّب واتباع قواعد المشاهدة ! .. إذًا فإن مطالبتكم لهذا الجمهور بالأمس ليست في محلها ، وليست منطقية ، وهي للغرض والهوى لا للصح والخطأ لا أكثر .
لماذا طالب الجمهور بوقف مسلسل الملك أحمس ؟
في العادة يسخر الجمهور المصري من مسلسل ، لكننا لم نرصد أبدًا مطالبة بوقفه عن العرض ، بل بالعكس ، يريد الجمهور مزيد من العرض ليقابله بمزيد من السخرية .. لكن هناك أبعاد جعلت الجمهور يلفظ هذا العمل لفظًا (ويتقئ) نوايا مشاهدته .. وذلك بسبب ثلاثة نقاط رئيسية دفعتنا جميعًا سواء فنانون أو نقاد أو صحفيين أو جمهور لتلك النقطة التي آلت إليها الأمور .
النقطة الأولى .. التوقيت
جاء توقيت عرض هذا المسسل في منطقة حساسة للغاية .. ذلك لأننا بصدد حرب ضارية لاستعادة الهوية المصرية ، واقتربت الحرب من إتمام العقد الكامل ، منذ عام 2013 تقريبًا يحارب المواطن المصري يوميًا لاستعادة هويته ، ذلك لأن هناك جيشًا من الأعداء الذين يريدونه دائمًا أسيرًا تحت الهوى العثماني ، لذلك فإن استعادة مصر القديمة ولملمة رُفات الأجداد هو السبيل الوحيد لخروجنا من هذا المأزق .. وكانت الدراما برأسي الحربة فيها مسلسل ممالك النار ، والاختيار .. هما سلاح المواطن المصري في مقاومة الدراما العثمانلية المضادة .. لذلك فإن مسلسل ضعيف مثل الملك أحمس ، يضعف من حُجة المصريين في مواجهة الدراما المضادة .. لذلك كانت المطالبات بالوقف مشروعة للغاية لدى المصريين لأن ما حدث لم يكن إبداعًا وتصدى إليه المتعنتون .. ما حدث كان استخفافًا فقوبل باستخفاف مضاد .
النقطة الثانية .. حراسة سيرة نجيب محفوظ
يعتبر المصريون نفسهم حرّاس على أدب السيد المُبجّل نجيب محفوظ .. حتى من لم يقرأ منهم سطرًا في حياته ، حتى الأمّي فيهم والذي لا يحب القراءة .. فهو بالضرورة يحترم نجيب محفوظ حيًا كان أو متوفيًا .. ابنهم البار الذي اصطاد لهم الغالية نوبل من فم الأسد .. لذلك فإن تحويل رواية تحمل اسم نجيب محفوظ لمسلسل (مسلوق) بكل استخفاف ، لا يرضيهم بالتأكيد .. وبالتالي كان جزء من الوقفة احترامًا لنجيب محفوظ وسيرته بعيدًا عن كل الاعتبارات الإنتاجية .
النقطة الثالثة .. آثار جانبيه لإسلوب الفنانين مع الجمهور في الفترة الأخيرة
شهدت الفترة الماضية إسلوبًا عدوانيًا من بعض الفنانين بشأن الحديث مع الجمهور والرد عليه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كنوع من أنواع الروشنة ، أن يشتم الفنان أحدهم ثم يرزعه بلوك لتقوم الصحافة بنقل الحدث عن الفنان (الجامد) جدًا .. متناسيين أن للجمهور سلطة مطلقة في إبداء الرأي بأي إسلوب يريده في أي شئ يخص الفنان الفولاني ، لأن هذا الفنان تمنى لو أن خمسة يعرفونه وكان مستعدًا لفعل أي شئ في بدايته لإرضاء الجمهور .. وبعد ما (نال غرضه) اتهم الجمهور بالجهل ! .. لذلك فإن هذا السلوك العدواني الجديد الذي نراه ، خلّف عدوانية أكبر عند الجمهور .. فأصبحت المطالبات بالوقف سهلة ومريحة عند البعض من الجمهور كرد فعل طبيعي !
عندما اتفرجنا وبعدين حكمنا
لن نذهب بعيدًا .. سوف أكشف لك عن ثلاثة أعمال خلال الكام سنة الأخيرة ، اعترض الجمهور على صنعهم بهذا الضعف ، ثم خرج صناع العمل متجاهلين تمامًا ما قيل وألقوا باللوم على الجمهور نفسه واتهموه بالتمويل .. عندك مثلًا مسلسل البرنسيسة بيسة الذي اجتمع القاصي والداني على فشه .. فخرجت بطلته الفنانة مي عز الدين قائلة : المسلسل نجح وجمهور السوشيال مايهمنيش !!!!!! .. وعندك مثلًا مسلسل رجالة البيت ، الذي اجتمع البشر والحجر والطير وصناعه نفسه على فشله .. خرج علينا بطله الفنان أحمد فهمي ناسجًا سببًا خزعبليًا ليخربنا أن فنان منافس هو السبب في إسقاط وتشويه المسلسل .. عندك أيضًا برنامج مقالب سخيف كان يقدمه الفنان محمد فؤاد اسمه “فؤش في المعسكر” ، به من الملل ما يكفي بلادًا بشعوبها .. وبدلًا من أن يعتذر فؤش عن تلك السقطة خرج قائلًا أن هناك حملة ممولة لإسقاطه !!! .. هذه حالات بسيطة من حالات أخيرة اتهم فيها الفنانين جماهيريهم بالجهل والتمويل .. ولم نرى أي زميل ممن دافعوا عن المسلسل بالأمس يقول لأحدهم حتى : “عيب” !!
إذًا أين الحقيقة ؟
الحقيقة أن صناع مسلسل الملك أحمس استخفوا بالجمهور فاستخف بهم الجمهور ، والحقيقة أن نظرية الابتزاز الذي اتبعها الفنانين بالتأثير على الجمهور بأن هناك كثيرين سيُقطع عيشهم وأرزاقهم قد فشلت لأن المصريون أكثر من يحترم أكل العيش لكنهم شعروا أن أصحاب أكل العيش نفسهم لم يحترمونه .. والحقيقة أن هاشتاج اتفرج وبعدين احكم ، هاشتاج خبيث يصدر صورة غير حقيقية عن جمهور عاش عمرًا كاملًا بذائقة فنية عالية صنعت فنانين كبار محليًا وعربيًا وعالميًا .. والحقيقة أن العند مع الجمهور لن يفيد ، وأن التسليم والاعتذار ومحاولة صنع مسلسل جيد أفضل وأكثر الطرق راحة للأطراف كلها ، وإلا فلا تسأل الجمهور بعد ذلك لماذا يترك الفن الهادف ويذهب للرث .. على الأقل الرث يطرح نفسه على حقيقته .. أما استغلال أسماء لامعة في الفن الحقيقي للدفاع عن عمل ضعيف .. فهي الخسران العظيم !
الكاتب
ما هو انطباعك؟
