“المنح الأجنبية” ومكاتب الدراسة التي تبيع الهواء للطلاب بالدولار
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
الموضوع لا يحتاج الكثير من البحث لتعلم حجم سوق المنح الأجنبية التي تستهدفها مكاتب الدراسة في الخارج-وهمية كانت أو شرعية-، والطالب متوسط الحال دائمًا ما يبحث عن المنح المجانية والسهلة. مئات الآلاف سنويًا من طلاب الثانوية العامة، ومثلهم من خريجي الجامعات وأحيانًا من طلاب الفرق الأربعة، 90% منهم سمعوا عن المنح الأجنبية وعلى الأقل 40% منهم تقدموا بأوراقهم إلى بعضها. ومن لا يعلمون منهم تفاصيل تلك المنح وشروطها وطريقة التقديم- وهم الأغلبية العظمى- يصبحون فريسة السبوبة، التي تقدمها لهم مكاتب الدراسة على طبق من فضة “ادفع القليل ونضمن لك تقديم أوراقك في المنحة المجانية.
قبل أن ندخل في التفاصيل معظم المعلومات الواردة بالمقال هي تجارب شخصية وحصيلة سنوات من مراقبة سوق المنح بنوعيه الشرعي والوهمي.
تخيل عزيزي القارئ سوق متوسط عدد زبائنه يمكن أن يصل إلى 30%- 40% من عدد يفوق الـ700 ألف سنويًا، هم عدد طلاب الثانوية العامة في مصر خلال العام الحالي وحده. بالتأكيد لا يمكن الاستهانة بهذا الحجم من العملاء مع سنهم صغيرة وآمالهم عريضة، وبالطبع تجمع مجموعات الفيسبوك تلك الأعداد في مكان واحد يمكن الوصول إليه بسهولة؛ وهنا تكتمل أركان السبوبة عميل متوفر وسهل والوصول إليه لا يكلف مليمًا.
عزيزي الطالب لا تدفع 500 دولار ثمنًا للفنكوش!
من المعروف أن كل دول العالم تقدم قدرًا محددًا من المنح كل عام تكون مجانية بالكامل، شاملة الدراسة والإقامة والطيران وحتى التأمين الصحي والمواصلات إضافة إلى مصروف للجيب؛ بحيث توفر فرصة للتبادل الثقافي بين البلاد دون إرهاق كاهل الطالب المقبول في منحتها التي غالبًا ما تديرها مؤسسات غير ربحية تزيح عبء المنح عن ميزانية الحكومة. تلك المنح بالذات تجذب الطلاب من محتلف الفئات العمرية المناسبة، وهي كثيرة؛ أمَّا المنح الجزئية المقدمة من الجامعات الخاصة الأجنبية فهي نوع آخر يمكن أن يكون أقرب للتخفيضات منه للمنح.
بعيدًا عن الشركات ذات السمعة الطيبة في مجال المنح الجزئية، توجد أخرى تعمل من تحت الطرابيزة. غالبًا ما تكون مجرد مكاتب ترجمة متواجدة في مصر وأحيانًا بالخارج، وتتخصص تبعًا للدولة التي تمارس عملها منها. فعلى سبيل المثال لنفترض أن مصري مقيم بدولة (س) قرر التربح من إتقانه للعربية والإنجليزية أو لغة البلد المقيم بها من خلال فتح مكتب ترجمة صغير، يمكنه بكل سهولة أن يصبح محل ثقة ليتقاضى مبالغ مالية مقابل تولي أمور التقديم في المنح المقدمة من دولة (س) بدلًا من الطلاب. ولأن الطالب لا يفهم طبيعة تلك المنح أو كيفية التسجيل فيها؛ يتبع آماله العريضة وطموحه الغر فيقع في فخ السبوبة التي يقدمها صاحبنا، ويزيده ثقةً في المكتب الذي لم يتعامل معه من قبل أن مقره في الدولة المانحة.
نصبة سهلة جدًا ويمكن تنفيذها كعمل جانبي موسمي، حين يهل موسم المنح وتبدأ الزبائن بالتهافت بمجرد رؤية إعلان دعائي أو مسابقة على السوشيال ميديا لاختيار سعيد الحظ الذي سيتولى المكتب تقديم أوراقه للمنحة نيابة عنه.
في الواقع ما يقوم به المكتب بالفعل هو تقديم أوراق الطلاب للمنح سواء كانت بكالوريوس أو ماجستير وأحيانًا دكتوراة، مقابل مبلغ مالي يتراوح من 300- 500 دولار، وهو رقم زهيد يمكن أن ينفقه الطالب على مصاريف الدراسة في مصر بكل سهولة، ومغري بالنسبة لما تقدمه تلك المنح من مزايا. لكن ما لا يدركه معظم الطلاب أن التقديم على هذا النوع من المنح من خلال تلك المكاتب هو أول أسباب الرفض؛ لأنك عزيزي الطالب لست أنصح من لجنة التقييم التي تفرز أوراق التقديم وتعرف عن هذه المكاتب بل وتحفظ شكل تقديماتها. من المفترض أن المنح تطلب بعض الأشياء التي يجب أن يقدمها الطالب بنفسه تسمى خطاب النوايا، عن سبب رغبته للدراسة في تلك الدولة والتخصص والجامعة التي تقدم بطلب الحصول على منحة فيها. وهي هنا لا تبحث عن الإجابة النموذجية فقط بل تبحث عن إجابة حقيقية، في حين تقدم المكاتب هذه الإجابات بصيغة شبه موحدة لا يصعب على طفل في العاشرة أن يميزها.
في النهاية يكون المكتب أمام الطالب أوفى بوعده وأزاح عن صدره عبء التقدم بالأوراق وكتابة خطابات النوايا التي لا يفقه فيها شيء، وفي الحقيقة يكون المكتب هو السبب الأول للرفض دون أن يكون عرضة لتلقي أي لوم. وحتى لو تمكن من خداع اللجنة ووصل الطالب إلى مرحلة المقابلة الشخصية، سيتم رفضه إذا تسرب للجنة أي شك في أن الطالب لم يكتب طلب التقديم بنفسه، ناهيك عن الاختبارات التي لن يخوضها المكتب نيابة عن الطالب. وبما أن الإنترنت لم يترك صغيرة أو كبيرة لم يفصل خفاياها ويشرحها بكل سهولة؛ عزيزي الطالب لا تدفع 500 دولار ثمنًا للفنكوش، ابحث وقدم أوراقك بمجهودك دون أن تجعل من نفسك سبوبة.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال