الموسيقار أشرف محروس والسير عكس الإتجاه
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
مع بداية التسعينات كانت الأغنية المصرية قد استقرت على شكلًا ثابتًا لا يتغير في الغالب، جملتين لحنيتين فقط واحدة في البداية والثانية تتكرر في الكوبليهات التي في الغالب لا تزيد عن كوبلهين، من بين مئات الإيقاعات يسيطر إيقاع المقسوم على أكثر من تسعين بالمئة من الأغاني، لا يمكن وصف الإخراج الموسيقي بأنه توزيعات حقيقية حيث ندرة في الإستعانة بالاّلات حية، ولو مررت على أغلفة ألبومات تلك الفترة سنجد أن عدد العازفين لن يتعدى أصابع اليد الواحدة في ألبوم يضم ثماني أغنيات على الأقل، فئة قليلة جدًا نستطيع أن نطلق عليهم لقب موزع موسيقي حقيقي، وهي الفئة التي قررت السير عكس تلك الموجة، حتى لو ادى ذلك قلة الظهور لصالح من هم أقل منهم في الموهبة والمقدرة الفنية، وأن كان وجودهم ضروريًا لإحداث تنويع وتغيير و لو طفيف في شكل الأغنية.
كان الحفاظ على هذا الشكل الثابت يأتي منبعه اساسًا من المنتجين، فبرغم رواج سوق الإنتاج الغنائي الذي قد يسمع بتعدد التجارب الفنية إلا أن المجازفة كانت شبه معدومة في ظل إحتكار أسماء بعينها لسوق التوزيع الموسيقي وسيطرتها على العديد من الشركات بل أن موزع واحد كان يفرض سطوته على ألبومات أكبر ثلاث شركات إنتاجية في مصر.
نرصد في عدة تقارير بعض من الأسماء التي حررت نفسها من سطوة المقسوم وسارت عكس الإتجاه الموسيقي السائد.
يأتي اسم أشرف محروس كأحد أهم تلك الأسماء التي لم ترتكن إلي ما يطلبه المنتجون من شكل غنائي ثابت ناجح تجاريًا وجماهيريًا وقرر منذ البداية صنع موسيقاه الخاصة حتى لو لم تسير وفق متطلبات السوق أو موضاته الموسيقية.
بدأ أشرف محروس حياته كعازفًا للكي بورد في فرقة صغيرة جمعت أصدقاء الدراسة في المدرسة الثانوية، أتيحت لهم فرصة الظهور كبدائل للفرق الغربية الكبيرة أيام إجازتهم الأسبوعية في فنادق القاهرة.
مع دخول أشرف محروس الجامعة انضم إلي فرقة ترانزيت والتي يمكن اعتبارها أولى تجاربه الاحترافية الحقيقة كعازف، تنقل بعدها للعديد من الفرق بالتزامن مع استكمال دراسته العلمية كطالب ماجستير في كلية العلوم، فنهارًا كان يعمل معيدًا في هيئة الطاقة الذرية وليلًا كعازفًا في تلك الفرق، ونال شهادة الدكتوراه وهو عضوًا في الجيل الثالث من فرقة Le Petit Chat.
كعادة العازفين المهرة يظل العمل في الفرق الموسيقية هو هدفهم الأول حيث الحرية الأكبر في الارتجال وتطوير تكنيكاتهم وإشباع نهمهم للموسيقى، عكس أفق الأغنية الضيق جدًا و المعاناة مع أفكار المطربين والملحنين، وهو ما أخر دخول بعضهم للوسط الغنائي أو قلل رغبتهم في الظهور، لكن مع انحسار موجة الفرق لم يكن هناك بديل سوى الدخول إلى معترك الأغنية بكل مشاكلها وتربيطاتها.
لم يكن في بال محروس العمل كموزع موسيقي، لكنه تفاجأ باتصال من الموسيقار الكبير عمار الشريعي يطلب منه توزيع اثنى عشر استعراضًا لأعياد الطفولة لأنه يعاني من وعكة صحية شديدة منعته من استكمال ما بدأه، تلك البداية الصعبة جدًا على أي موزع لأسم عمار الشريعي الموسيقار الكبير الذي في الغالب يتولى توزيع ألحانه بنفسه، نجحت الاستعراضات بشكل جعل عمار يعتمد عليه بشكل أساسي في فوازير رمضان “عالم ورق” و مسلسل حبيبي الذي لا أعرفه من بطولة نيللي وإيمان البحر درويش الذي وزع له أشهر أغنية أطفال في تلك الفترة ” في البحر سمكة”
افكاره الغربية القحة في التنفيذ الموسيقي لفتت أنظار الوسط الغنائي الذي كان يبحث من اّن لاّخر عن شكل مختلف، فوزع أغنيتان “مبسوطة “و“قال ايه” لسيمون والأولى كانت تعريب لأغنية سوزان فيجا tom diner والثانية لأغنية جلوريا استيفان Nothing’ New, ثم قدم المطرب هشام نور إلي صديقه الملحن زياد الطويل الذي أنتج له أول ألبوماته مش عارف الذي وزع فيه أغنيات “ايه المفروض” و”غربة” و”قد البعد”.
في تلك الفترة كان الملك محمد منير يبحث عن تجديد تجربته الفنية وتلاقت أفكاره مع أشرف محروس وتعاونا سويًا لأول مرة في ثلاث أغنيات في ألبوم “الطول واللون والحرية” ثم بدأت مسيرة مدهشة في ألبومات “افتح قلبك “”ممكن” “من أول لمسة””الفرحة”.
الإتجاه الموسيقي الغربي الذي دشنه أشرف وضح بشكل كبير في أغنية سميرة سعيد “لمحت الحب” والتي جاءت في قالب موسيقى السوينج والتي لم يعتادها جمهور تلك الفترة، ثم فاجئ الجمهور بأغنية لطيفة “لما يجيبوا سيرتك” وأغنية “فارس” أمير العشق والتي أعلنت عن قدرته على تنويع أفكاره الموسيقية وأن الاتجاه الشرقي في التوزيع لا يعني بالضرورة صخب الموسيقى.
كان محروس سببًا في إعادة صديقه “طلعت زين” إلي الوسط الغنائي مرة أخرى، بعد أن ألف المقدمة الموسيقية لكليب عمرو دياب “راجعين” والتي غناها زين الذي نجح في لفت الأنظار وظلت تيمة “تعالي يا حبيب العمر تعالي “أشهر من راجعين نفسها، فأشرف فنيًا على ألبومه الأول “تعالي” وتوالي التعاون بينهما حتى أخر ألبوماته “أوه لالا”
حققت توزيعاته طفرة فنية في تجارب كبار المطربين والمطربات مثل “حواديت – يالالي” محمد منير “عيون الناس – ياليل” هشام عباس، “بتحبها ولا – نجوم الليل” أنغام” “عارف – مش فاضل لك ” ذكرى “حاولت – انسى قلبي “عمرو دياب،”مالى النهارده – قابلتني صدفة” محمد محي “ساعة عصاري – طعم الأيام” سميرة سعيد “خليك شويه – شفت بعنيا” أصالة.
تظل أهم تجاربه الفنية على الإطلاق هي تجربته مع المطرب البحريني “خالد الشيخ” عبر عدة ألبومات حرر فيها موسيقى الخليج من شكلها التقليدي و إيقاعاتها الخاصة وإخراجها الموسيقي المقتصر على حدود جغرافية ضيقة وخرج بالتجربة إلي جميع أرجاء الوطن العربي.
لم تقتصر إسهاماته فقط على مجال التوزيع الموسيقي فدخل مضمار التأليف الموسيقي مبكرًا عبر فرقته “الفراعنة” التي أسسها في التسعينات والتي كانت تعزف مؤلفاته الموسيقية والتي ظهرت في ألبومين الأول “دموع الكولة” والثاني “ارابيك جاز” ثم وضع العديد من الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام أشهرها “الفاجومي””المركب” “مفيش فايدة””قصة حب” ومسلسلات “فيرتيجو””شارع عبد العزيز“”صديق العمر” “سلسال الدم”.
في عصور سابقة كان اسم الموزع مهمشًا بالكاد يذكر تحت العمل الموسيقي، وظل عمله مبهمًا يفهم من قلة قليلة من الجمهور، لكن مع تغير شكل الأغنية المصرية منذ السبعينات بدأ الموزع يأخذ حقه من الظهور على أغلفة الألبومات وبدأ الجمهور يفطن لعمله بل ويعرفه بالأسم بعد أن ترك كل موزع بصمة مميزة تجعلك تعرفه من أول حرف موسيقي يلعب.
رغم أن محروس لم ينال شهرة كبيرة يستحقها عن جدارة إلا توزيعاته سبقت زمنها بكثير و لازالت باقية حتى الأن ومع محاولات توثيق تجارب التسعينات الموسيقية سنجد أن أهم أغنيات تلك الفترة كانت من توقيعه الموسيقي الذي كان يعتمد في كل مرة على مفاجأة المستمع بشكل موسيقي جديد ومختلف كلف لتلك الأغنية البقاء في ذاكرة المستمع حتى الأن.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال