الموشحات الأندلسية .. فاتنة يوقظها وصل العاشقين
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
نشوة روحية أكون بها عندما استمع إلى الموشحات الأندلسية بصوت جارة القمر فيروز، وهي تغنى« يالليل الصب متى غده» ، تأخذني بصوتها و تحلق بي بعيدا.. أكاد أصل إلى السماء ، أو ارتقاء بالوجد حينما يلتقط سمعي موشحة أخرى بصوت نور الهدى.. أصعد إلى السماء حينما تقول «ياغزلا منه أشكو لوعتي » .
يكفي أن تجلس وحدك .. تحتسي مشروب ساخنا في جو بارد قليلا .. وتطلق العنان لمزيج من الكلمات والألحان أعني« الموشحة الأندلسية» مع تلك الأصوات العربية التي تنتقل من مقام لمقام ومن نغمة لنعمة وكأنها تنتقل بين همومك تغسلها وتعود بك إلى الحياة مرة أخرى، فقط أسرق بضع دقائق وأنا أضمن لك هذا الانتشاء !
الموشحات الأندلسية تلك الكلمات التي تجمع بين أصالة وعراقة التاريخ الإسلامي؛ فالأندلس هي خير شاهد على مجد العرب في فترة زمنية ما، نمت وتعلمت فنون العرب وطورتها بل ابتكرت فنون تفوقت فيها على العرب أنفسهم وانتقلت إليهم وكانت الموشحة الأندلسية.
نشأة الموشحات الأندلسية
البداية كانت مع دخول المسلمين بلاد الأندلس عام 713م، حيث اتخذت الدولة الأموية المنهزمة في الشرق بلاد الأندلس امتداد لها، و بدأت في كتابة مجد حضاري لها منذ القرن التاسع الميلادي بإنشاء مدارس و معاهد لها، وبذلك تفوقت العاصمة الأموية «قرطبة» على العاصمة العباسية «بغداد» في العلوم والفنون.
إنشاء مدارس الموسيقى في قرطبة
أصبح لقرطبة مكانة خاصة عندما تأسست أول مكان لتعليم الموسيقى في «سالامانك» ، و صدحت فيها إبداعات إمام الغناء العربي «زرياب » الذي تلقن أصول الموسيقى الفارسية والعربية على يد الموسيقار اسحق الموصلي.
إمام الغناء و حكاياته مع الأندلس
لقى إمام الغناء « زرياب » عند الحاكم الأموي في الأندلس مكانة كبيرة، بعدما تم إبعاده عن بغداد لانتشار صيته في الغناء وخشية معلمه « إسحق الموصلي» من تفوقه عليه، ويعتبر « زرياب» أحد أركان الغناء العربي بالأندلس، فهو أول من أدخل غناء المشارقة إلى المغرب، التي عُرفت بألحان الموشحات الأندلسية فيما بعد.
و لحب أهل الأندلس أي شيء قادم من المشرق الإسلامي، فسرعان ما اشُتهر مذهب « زرياب» في التعليم، وبدأ بتعليم تلاميذه الإيقاع أولاً لضبط حركات اللحن، ثم الغناء على الإيقاع دون ترسل، وبعدها الغناء بإيقاع و ترجيع.
تحرر كلمات الشعر
ومع تطور حركة الموسيقى تلك، كان لابد من تحرر الكلمات لتناسب التطور الموسيقي الهائل الذي حدث في الأندلس، فتحرر الشعر العربي من قيود أوزان الخليل ابن أحمد المتعارف عليها، ليبرز فن الموشحة، لتلائم التلحين بعيدا عن علم العروض والقافية.
تكوين الموشحة
تضم الموشح ثلاثة أقسام، دورين و خانة كل منها بلحن مختلف والختام يكون قمة اللحن من حيث الاتساع والتنويع مثلما في موشح« لما بدا يتثنى، و موشح ملا الكاسات».
وقد لا تختلف الخانة الأخيرة ويظل اللحن نفسه في جميع مقاطعه كما في موشح« يا شادى الألحان»، وقد تتعدد أجزاء الموشح لتضم أكثر من مقطع لكل منها شكل وترتيب وتتخذ تسميات مثل المذهب، الغصن، البيت، البدن، القفل، الخرجة
هجرة الموشحات بعد سقوط غرناطة والأندلس
بعد سقوط آخر ممالك الأندلس« غرناطة»، انتقلت تلك الموشحات إلى بلاد المغرب العربي، في ا لمغرب العربي حيث مدينة « فاس» التي بها المدارس الموسيقية لتعليم الموشحة الاندلسية، و انتقلت أيضا إلى الجزائر ، والتي حافظت على مدرسة غرناطة الموسيقية في تعليم موسيقى الموشحة، وكذلك مدينة قسطنطينة التي حافظت على موسيقى مدرسة إشبيلية.
كما انتقلت إلى تونس والتي حافظت على ومدرسة النوبة والتي تكونت من 24 وحدة بعدد ساعات اليوم، لكن للأسف لم يصلنا منها سوى 11 فقط، وأيضا وُجدت موسيقى الموشحة في ليبيا والتي حافظت على مدرسة« مالوف»، و المالوف هو الموروث الغنائي الأندلسي عند الليبيين، ويجمع بين النصوص الأدبية و الإيقاعات، والمقامات الموسيقية، و التي تم تطويرها ليضاف إليها الزجل و الدوبيت و القوما.
الموشحات والموسيقى الغربية
تظهر موسيقى الموشحات في فرنسا خلال سماعك لموسيقى التروبادور، ووصلت إلى فرنسا بشكل خاص وإلى أوروبا بشكل عام أثناء الوجود الصليبي في المشرق الإسلامي، وأيضا من خلال المنشدون المتجولون الذين هاجروا من الأندلس بعد سقوطها إلى أرجاء أوروبا، كما ظهرت موسيقى الموشحة بقوة في أوروبا نتيجة الوجود العثماني في القرن الثالث عشر الميلادي، حيث ساهم العثمانيون في الحفاظ على هذا الفن حينما أدخلوه في نسيجهم الموسيقي .
أشهر الموشحات المغناة
ومن أشهر الموشحات موشحة « يحيى بن عبدالرحمن بن بقى» والتي غنتها العظيمة نور الهدى ولحنها الموسيقار الكبير جهاد صالح والتي مطلعها:
أيّها الناس فؤادي شغفُ
وهو من ظلم الهوى لا يُنصف
كم أداريه ودمعي يذرف
أيها الآسر من علمك
بسهام اللحظ أسر الأضلع
ذاب قلبي في هوى ظبي غرير
وجهه في الأفق صبح مستنير
وفؤادي بين كفيه آسير
لم أجد للصبر عنه مسلكا
فعزائي بإنسكاب الأدمعِ
يا غزالاً منه أشكو لوعتي
وهو لاهيٍ لا يعاني صبوتي
اهيف القد تراه مقلتي
فاتن اللحظ وكم ذا فتكا
بقلوب الناس بين الأضلعِ
ومن أشهر الموشحات كذلك موشح الحصري القيرواني الضرير ، والتي أشجتنا بها جارة القمر فيروز، ولحنها الكبير توفيق الباشا والتي تقول :
يا ليلَ الصَّبِّ متى غَدُهُ أقِيامُ السَّـــاعَةِ مَوْعِدُهُ
رَقَدَ السُّــــمَّارُ فَأَرَّقَهُ أَسَــــــفٌ للبَيْنِ يُرَدِّدُهُ
فَبَكاهُ النَّجْمُ ورَقَّ لهُ مِمَّـــا يَرْعاهُ ويَرصـــُدُهُ
كَلِفٌ بِغَزالٍ ذي هَيَفٍ خَوْفُ الواشِـــينَ يُشــَرِّدُهُ
نَصَبَتْ عَينايَ لهُ شَــرَكاً في النَّومِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ
صـــَنَمٌ للفِتْنَةِ مُنْتَصِبٌ أَهْـــــواهُ ولا أَتَعَـــــبَّدُهُ
صاحٍ، والخَمْرُ جَنى فَمِهِ سَكْرانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ
يَنْضو مِن مُقْلَتِهِ سَيــْفاً وكَأنَّ نُعاســــــاً يُغْمِدُهُ
فَيُريقُ دَمَ العُشَّــــاقِ بهِ والوَيْلُ لمَــنْ يَتَقَــــــلَّدُهُ
كَــــلاّ، لا ذَنْبَ لمَنْ قَتَلَتْ عَيْناهُ ولم تَقْتُـلْ يَــدُهُ
وكذلك الموشح الأشهر في التراث الشعبي موشحة « لما بدا يتثنى » والتي غناها العديد من كبار الوطن العربي والتي تقول :
لما بدى يتثنىية لما بدى يتثنى
لما بدى يتثنى لما بدى يتثنى
امان أمان أمان أمان
حبي جماله فتنا
أمان امان امان أمان
أو ما بلحضة فتنى
أمان أمان أمان
غصن انثنى حين مال
امان امان أمان أمان
وعدي و يا حيرتي
وعدي و يا حيرتي
من لي رحيم شكوتي
في الحب من لوعتي
الا مليك الجمال الا مليك الجمال
في الحب من لوعتي الا مليك الجمال
الا مليك الجمال الا مليك الجمال
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال