المُنتظر

البطل الأسطوري، المُنتظر ، المُخلص، القائد الملهم، الديكتاتور العادل، الشَجِيع، فتوة الغلابة.. إلخ.

كلها مسميات لنموذج أسطوري لخصته الدراما الغربية في مصطلح Super hero، وقدمت تحت هذا المسمى عشرات الشخصيات الخيالية منها والواقعية، بداية من سوبر مان مرورًا برامبو وحتى “نيو” بطل فيلم ماتريكس.

تيمة مهيمنة على الوجدان الإنساني، عشان كده الراحل يوسف شاهين في تقديمه لشخصية صلاح الدين الأيوبي، في فيلمه الشهير قدمه بالطريقة دي.. عشان يخدم الصورة الأسطورية اللي مقدمها في الدراما.

يا سالِت السيف من كرش الحجر

في إنجلترا هنلاقي أسطورة سيف الملك آرثر، سيف مرشوق في صخرة ضخمة، وماحشد هيعرف يسحب السيف ده غير البطل المنتظر اللي هيكون هو الملك الحقيقي.

تبدء الحدوتة بالملك أوثر، وابنه وولي عهده آرثر، الملك كان خايف على ابنه من منافسينه على السلطة، فالساحر الخصوصي بتاعه شار عليه يخفي الواد في مكان ماحدش يعرفه، يفضل هناك لحد ما يكبر.. ويكون جاهز لتولي الأمور.

وعشان يضمنوا أن لو الملك مات فجأة، لأي سبب ، ماحدش يعرف ياخد السلطة غير آرثر، لجأ الساحر لتعويذة سحرية.. رشق بيها السيف في حجر، وكتب عليه “الشخص الذي يخرج السيف من هذا الحجر، سيكون هو الملك الموعود والأحق ليحكم انجلترا بأكملها”.

وفعلًا مات الملك وتنافس كتير من بعده على العرش، بس كان لازم يحاولوا يسحبوا السيف من الحجر، وحسب الأسطورة كلهم فشلوا.

لغاية ما ظهر آرثر وسحب هو السيف، وعرف الجميع أن النبوءة أتحققت وأن هو ده الملك الموعود، وفعلًا نجح آرثر يسيطر على حكم أنجلترا.

فكرة القائد الأسطوري أو المخلص أو.. أو.. مش بنت أوروبا ولا زمن نشأة إنجلترا، التيمة أقدم من كده بآلاف السنين، وموجودة في ثقافات وحضارات كتير جدًا. فالأديان كمان تبنت شخصية الـSuper hero، وقدمتها بمسميات مختلفة، على حسب الثقافة أو الدين.

سوشيانت المنتصر

هو الشخص اللي هيظهر قرب نهاية الزمان ليخلص أتباع الديانة الزرادشتية من كل المصاعب.

المسيح الملك

اليهود لسه في انتظاره، عشان مش معترفين بالمسيح اللي فات لإنه كان راجل مسالم، وهم مستنظرين ملك قوي يحررهم ويعيد بناء الهيكل ودولتهم.

عودة المسيح المسالم

ده المسيحيين والمسلمين مستنيينه سوا، بس طبعًا كل فريق مستنيه يكون تبعهم همه.

المهدي المنتظر

ده منتظر تاني للمسلمين، غير المسيح، شخص من نسل النبي، وده أمر غريب بالنسبة للإسلام كدين ابن ثقافة عربية تعتمد النسب الأبوي.. ونبي الإسلام مالهوش أبناء ذكور يحملوا اسمه.

تشبع العقل الإنساني بشخصية المُنتظر كان له مردوده على الفن والأدب، فزي ما شوفنا يوسف شاهين أزاي جعل “صلاح دينه” الخاص.. مُخلص منتظر، ليسحب عليه هالة من القداسة. شوفنا كمان الزاوية المضادة.. لما قدملنا صامويل بيكيت، مسرحيته الخالدة، في انتظار جودو.

في انتظار جودو

المسرحية بتفرجنا على أتنين مُشردين، واقفين في حتة مقطوعة جنب شجرة عريانة مافهاش ورقة واحدة، مابيعملوش أي حاجة غير إنهم مستنظرين “جودو” اللي هيخلصهم من البؤس اللي عايشين فيه.

خلال أحداث المسرحية بنكتشف أن الأتنين دول سمعوا أن جدو هييجي هنا، بس مابنعرفش مين الشخص ده ولا شغلته إيه؟، ولا من أصله إداهم ميعاد معين لوصول “جودو”.

ثم بعد شوية كمان نكتشف إنهم مايعرفوش أي حاجة عن “جودو” نفسه، لدرجة إنهم مش عارفين هل هو إنسان ولا كائن غير بشري.

إقرأ أيضا

الحشاشين.. هل الصباح هو الرجُل “الإخيه”؟

عبثية الانتظار

المشردين مافيش قدامهم غير بعض، فيفضلوا يتكلموا ويرغوا عن حياتهم، بس لما الكلام يتطرق لمحاولة فهم أو تفسير الموقف اللي همه فيه، يصابوا بالقلق الشديد ويقطعوا كلامهم فورًا.

بس السكات بيخلي كل واحد منهم يفكر.. مين جودو؟ هييجي ولا لأ؟ طب أمتى؟ طب هو عبارة عن إيه؟.. إلخ. فكمان السكوت كمان بيوترهم، فيرجعوا يرغوا سوا في أي هري.

عشان يحافظوا على هدوءهم والاستمرار في انتظار “جودو”.. يمكن ييجي وتتغير أحوالهم في غمضة عين.

ختام

الفرد المخُلص، غير الموجود واللي على المستضعفين انتظاره، فكرة عتيقة جدًا وملهمة جدا، انتشرت عبر قصص وأساطير وحكايات كتير في أزمان مختلفة وثقافات متنوعة.

اللي يحبوا يتابعوا مدى انتشارها وتطورها بشكل أعمق وأشمل، أنصحهم بكتاب فكرة المخلص، للباحث محمد الناصر صديقي.

اقروا.. استمتعوا… بس ماتنتظروش.