نادية الجندي .. الثبات على المبدأ ليس دائماً فضيلة
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
(1)
من السهل أن تصل إلى القمة.. لكن ما هي القمة؟!
تعريف القمة في المعجم الوسيط هو «القِمّةُ من كل شيءٍ: أَعلاه».
لكن حتى الآن لم يستدلّ أحدهم حول تلك القمة التي اعتلتها نجمة الجماهير «نادية الجندي» في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، دعونا نحاول استكشافها من خلال هذا المقال.
(2)
المرأة المقهورة التي تنتصر في النهاية.. تلك هي التيمة التي اعتمدتها نادية الجندي في أغلب بطولاتها السينمائية التي وصلت إلى 35 فيلماً بدأت بـ «بمبة كشر» عام 1974، وانتهت بفيلم «الرغبة» عام 2002.
28 عاماً داخل اختيار واحد عرف طريقه جيداً إلى الجمهور بكل تنويعاته الشريرة والطيبة والمظلومة أو حتى المناضلة عميلة المخابرات، يعشق الجمهور ذلك البطل الضعيف الذي يشبههم ثم ينتصر في النهاية، يعوّض تلك الخيبات التي يمرون بها في حياتهم حيث لا ينتصرون أبداً.
لكن المرأة المقهورة التي فازت بمسابقة ملكة جمال الإسكندرية وعمرها ما بين الـ 16 والـ 20 – هناك خلاف حول موعد ميلادها ما بين عامي 1940 و1945- قبل أن تقوم بدور صغير في السينما؛ من خلال فيلم (جميلة) عام 1960، ثم أدوار أكبر قليلاً في أفلام مثل (الخائنة) 1965، (صغيرة على الحب) 1966، (مراتي مجنونة مجنونة) 1968.
وعلى الرغم من أنها بدأت التمثيل منذ طفولتها في مسرح المدرسة، إلا أنها حصلت على انتصارها الأول في فيلم «زوجة من الشارع» بعد الارتباط بالنجم الكبير عماد حمدي.
(3)
يقول المثل الشهير «قيراط حظ ولا فدان شطارة».. لكن نادية الجندي التي تملك موهبة تمثيلية محدودة للغاية تبدو واضحة في كل أدوارها التي تعتمد على تعبيرات ثابتة في الغضب والحزن والفرح، وطبقة صوت خاصة جداً، عجزت أن تكسبها ملامح الشخصيات التي لعبتها؛ حتى لو كانت الفروق بينها بسيطة لم تعتمد أبداً ذلك المثال.
لم يكن الحظ يسمح لها بقدراتها الشكلية والتمثيلية على البزوغ في عصر كانت نجماته سعاد حسني ونادية لطفي ومريم فخر الدين، ونجماته الصاعدات ميرفت أمين ومديحة كامل ونبيلة عبيد، لهذا كان لابدّ أن تغرّد خارج السرب.
رقصة وعلقة وبكاء وإغراء وانتصار.. هو اختصار كل البطولات الـ35 التي قدّمتها نادية الجندي في السينما، خلطة مدهشة طوّرها السبكي فيما بعد بعناصر مختلفة جمعتها نادية الجندي في تكرار عجيب أتاح لها المزيد من الجمهور، إلا أنها لم تقدّم بطولتها الأولى إلا بعد انفصالها عام 1973 عن النجم الكبير.
أنتجت الفيلم لنفسها بعد أن رفضه كل المنتجين، وصمّمت ملابسه أيضاً ورفضت كل شركات التوزيع عرضه في دور العرض لمدة عامين، حتى وافقت وزارة الثقافة على توزيعه ليستمر عرضه لمدة عام كامل، وحقق إيرادات تاريخية أهدتها لقبها المحبب «نجمة الجماهير».. كان الفيلم يشبه هذا التحوّل الذي تمرّ به مصر في بداية عصر الانفتاح.
(4)
فيلمان ومسلسل هم كل ماقدّمته نادية الجندي في النصف الثاني من السبعينيات قبل أن تتزوج المنتج محمد مختار عام 1980، لتبدأ انطلاقها الحقيقي من خلال أفلام «أنا المجنون»، «القرش»، «وكالة البلح»، «خمسة باب»، «وداد الغازية»، «الخادمة»، «جبروت امرأة»، «عزبة الصفيح»، و«ملف سامية شعراوي» وغيرها من الأفلام التي نجحت جماهيرياً بعد إضافة مكوّنات جديدة للخلطة، مثل المخدرات التي كانت موضة أفلام الثمانينيات وعالم المخابرات الذي أدى إلى نجاح مسلسلي «دموع في عيون وقحة» و«رأفت الهجان»، إلى أن يكون موضة نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات.
مازالت نادية الجندي التي وصلت إلى سن الـ50؛ ترقص وتثير خصومها بدلالها المعتاد، ويضربونها ويعذبونها وتنتصر في النهاية من أجل مصر، أو من أجل استعادة الحق أو حتى الثأر، المهم أنها مازالت تنتصر.
(5)
شهد النصف الثاني من التسعينيات تغيراً جذرياً في السينما المصرية، كان من الطبيعي أن تنهار معه خلطة نادية الجندي المعتادة، ومع موجة السينما النظيفة – أياً كان تعريفنا لهذا النوع من السينما – ثم طلاقها من زوجها المنتج محمد مختار؛ تراجعت نادية الجندي عن قمتها مع حلول عامها الـ 60.
بعد حوالي 40 عاماً من التمثيل، و30 عاماً من البطولة المطلقة، لم يتطوّر خلالها الأداء نهائياً، وكأنها كانت على استعداد لأداء نفس الدور حتى النهاية.
المدهش.. أن أفلام نادية الجندي تحديداً والتي غالباً ما كانت إنتاجاً شخصياً أو أسرياً؛ حملت كمّاً من «الراكورات» المدهشة التي صارت فيما بعد علامة على عدم الاهتمام بالصناعة لكل العاملين والمهتمين بفن السينما، وكذلك حملت خلطة المرأة الخارقة التي تهزم الجميع دائماً؛ كماً مضحكاً استخدمه نجوم الكوميديا الجدد بعد ذلك، وعلى رأسهم الفنان أحمد مكي؛ إلا أن هذا لم يمنع نجمة الجماهير عن التحوّل إلى التلفزيون وتقديم الشخصية نفسها بطريقة تناسب أهل التلفزيون من خلال مسلسل «من أطلق الرصاص على هند علام» عام 2007 ومسلسل «ملكة في المنفى» عام 2010.
وكأن الثبات على المبدأ ليس دائماً فضيلة.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال