الهجوم السافر على مقدسات الآخرين!
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
من أكثر ما يستفزني في الإعلام مسألة الهجوم السافر على مقدسات الآخرين أعني بالسافر الواضح المكشوف، وهو المعنى الحرفي للكلمة، فبعض الهجوم لا يكون كذلك بل أخف وطأة، وإن كان الهجوم على المقدسات مرفوض عندي بالجملة والتفاصيل مهما يكن شديد الوطأة أو خفيفها.
يهاجم بعض مشايخ الإسلام مقدسات المسيحيين، ويهاجم بعض القساوسة مقدسات المسلمين، توجد قنوات مخصصة لذلك، تحتفي بهؤلاء المهاجمين، بل تمنحهم أموالا طائلة فيما صار يتردد بقوة، وتصنع منهم نجوما فوريين!
لا أدري كيف أسس هذا المسلم الهجومي عقيدته على تحقير الآخر، وكيف أقام هذا المسيحي الهجومي دينه على الحط من دين الآخر، وكيف نسي كلاهما بعدا مهما يجمع أصحاب الديانات الإبراهيمية ببعضهم، بل يجمع الناس كلهم أجمعين، هو البعد الإنساني الأخوي؛ فكلنا أولاد آدم وحواء، وكلنا أبناء الحياة الطامحون الذين يجهلون عن وجودهم أكثر مما يعرفون، لكنهم يقاومون اليأس بالأمل..
أين الرحمة يا محمديون؟ وأين الحب يا يسوعيون؟
رأيت بالأمس القريب على يوتيوب، وكم أرى، شيخا يسب الكنيسة بكل ما فيها ومن فيها، ورأيت، في ذات اليوم، قسًا يسفه الرسول ويصف القرآن بالترهات (أي الأباطيل) والكعبة ببيت الشيطان، هكذا الحال باستمرار، ولا رادع طبعا؛ لأن هذه البرامج مفتوحة لكل من هب ودب، ولا ضوابط لها على الحقيقة، بل ترحيبها الأكبر، فما أتصور، لا يكون إلا بأحاديث تعزز الخلافات وتثير الفتن!
لا يزعجني، أنا المسلم الواعي المسالم، قس متطرف يقدح في الإسلام، وأرجو ألا يثير المسيحي الواعي المسالم شيخ مماثل يطعن في المسيحية، لكنني أعلم، ولعل أخي يعلم أيضا، أن الوعي ببلادنا قليل والضحالة كثيرة، وأن المسالمة معنى مفقود بعد أن جمت أعداد المتشددين، أعني المتشددين من الطرفين، وسيطرت على العوام الطيبين الذين لم تعد أعماقهم طيبة؛ وعلى هذا ينادي المنادي بالحرب، حتى لو استمرار الكلامية، ولا تنتهي هذه الحرب إذا بدأت، كما لم تنته بالفعل لأنها بدأت..
لا يصح أن تهان مقدسات الآخرين حتى إن كان كفر الكافر بها عظيمًا، لا يصح أن تهان علنًا ولا سرًا، لا بوضوح ولا بخفاء، والعاقل لا يزدري بقرة يعبدها هندي، ولا يستخف بعابد يكرم روثها فهذا ما يؤمن به ويقدسه، علينا المخالفة وليس علينا الإهانة بالمرة؛ فالإهانة تجر الإهانة وتحقن النفوس بالتحدي والأحقاد والشرور، وعلى كل واحد أن يتأمل نفسه، صادقًا متواضعًا، ثم يضعها مواضع الآخرين، بكل ظروفهم وثقافاتهم وأحوالهم، فحينئذ فقط سيكف عن الانتباه الخسيس إلى كتب غيره وطقوس غيره وأيقونات غيره وموروثات غيره، وربما اعتذر عن ما بدر منه في سنين لم يسر فيها بطريق قويم. ربنا اهد بشريتنا إلى الصواب والصفاء، ولا تجعل لجاهل مجرم حكما على سواه!
اقرأ أيضًا
رسالة إلى السني والشيعي
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد