الوجه الأخر “للوردة القرمزية” كنعان وصفي .. مطرب وموسيقار عبقري ابتلعته السينما
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
خلف ذلك الوجه الغليظ والملامح الشريرة يكمن فنان من أرقى ما يمكن موسيقار من أفضل ما أنجبت العراق ومطرب من أصواتها المميزين، إضافة لأننا نعرفه كممثل، وممثل في أدوار الشر، حتى حينما قدم أدوارا كوميدية كانت في إطار أدوار الشر، كنعان وصفي الرجل الذي هاجر من العراق إلى مصر ثم لبنان، الراجل الذي لا نعرفه عنه سوى وجه وحيد.
الصدفة بنت جميلة اسمها نادية شمعون
الرجل الذي ولد في 8 سبتمبر عام 1932 في الموصل بالعراق، بدا حياته الفنية عام 1948 حيث عمل رساما، كان يقوم برسم بورتريهات لصور الفنانين، وقتها اتفق معه أحد المقاولين على رسم وتنفيذ ديكورات المسرح الصيفي في كازينو بطرس في بيروت، وكالعادة كان يقف وهو يرسم “يدندن” بإحدى أغاني محمد عبدالوهاب، في لحظة مرور صاحبة الكازينو ” نادية شمعون” لتقف تستمع إليه وإلى ما يغنيه.
بعدما انتهى كنعان وصفي من غناءه وجد من يقف خلفه ويصفق له بشده، فنظر فوجدها نادية شمعون لتعرض عليه فرصة ذهبية تعرض عليه العمل معها في الكازينو كمطرب، وبالفعل عمل كنعان وصفي مطربا في كازينو بطرس في بيروت، ولا الفرق قديما كان الطرب فيها يتداخل مع التمثيل، فوجد كنعان وصفي نفسه ممثلا ومطربا في فرقة نادية شمعون.
أثناء عمله في بيروت، قابل الموسيقار المصري على إسماعيل الذي أعجب بصوته ولحن لها أغنية ” في سكون الليل” قبل أن يشد كنعان وصفي الرحال إلى مصر وبالمصادفة البحتة، حينما وصل مصر وقع العدوان الثلاثي ليشارك مع عدد من المطربين في تقديم الأغاني الوطنية ليكشف كنعان وصفي عن وجه أخر، فهو شاعر غنائي أيضا.
ما قدمه من أغاني في تلك الفترة جعله قريبا من الوسط الفني ليشارك في أول عمل فني له بعد العدوان وهو مسرحية الأرملة الطروب، وبعدها يختاره حسام الدين مصطفى في دور في فيلم صراع الجبل، لتبدأ مسيرته في السينما المصرية، على أن يقرر الالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى في القاهرة ليدرس الموسيقى.
نداهة السينما تبتلع الموسيقار الموهوب
كنعان وصفي ذلك الشرير، كنا نراه في الأفلام يضرب ويحطم، وفي الليل يجلس إلى عوده ليعزف ويغني ويكتب الأغاني ويمارس هواية الرسم، ويتقدم خطوة تلو الأخرى في مسيرته الفنية.
الحقيقة انه ربما كنعان وصفي ممثل جيد ولكنه لم يكن عبقرية تمثيلية غير مسبوقة كان يقع في تلك المنطقة الدافئة حيث القبول والقدرة على الأداء، ولكن ملامحه العربية الأصيلة جعلته هدفا لكل مخرجي الأفلام التاريخية فنادرا ما تجد فيلم يدور في الماضي حيث الفروسية والقبائل لم يشارك فيه كنعان وصفي سواء فيلم ديني أو تاريخي.
فتجده في الشيماء وفي الناصر صلاح الدين وفي عنتر يغزو الصحراء وأمير الدهاء إضافة للعديد من الأدوار الأخرى، قبل أن يعود إلى العراق في بداية الثمانينات، ويترك مصر والمجال الفني في مصر، ويطير إلى بلده العراق، قضى ما يقرب من 9 سنوات قضاها كنعان وصفي في العراق، ترأس فيها قسم الموسيقى والأغاني في الإذاعة والتلفزيون العراقي وقدم خلاها عشرات الألحان لمطربين عراقيين، والعديد من الأناشيد الفلسطينية.
وفي رأيي الشخصي أن السينما سرقت منا مطربا وموسيقار عظيما، وأعطتنا ممثلا مقبولا فلو أنصف كنعان وصفي لأبقى تركيزه كله على الموسيقى والغناء، لأنه كان في طريقه للذهاب بعيدا للغاية، ابعد بكثير مما ذهب بالتمثيل، كان من الممكن أن يكون أحد أعظم مطربي العراق وواحد العظماء الكبار في العالم العربي، ولكن ندهته السينما، وابتلعته.
وعلى الرغم من ذلك كان يشعر انه غريبا في وطنه بسبب تعامل الفنانين معه على كونه وافد إليهم من عالم أخر فهو هناك ابن القاهرة ولبنان وليس ابن العراق، أصبح غريبا في وطنه، ليعود إلى مصر مرة أخرى، وكان السوق وشكل السينما في مصر قد تغير، لكنته العربية وملامحه جعلته يصبح رجل الموساد الأول في السينما والدراما المصرية، حيث أفلام نادية الجندي فكان يظهر علينا في أدوار غريبة كدور الوردة القرمزية في فيلم مهمة في تل أبيب، أو دور تال في مسلسل السقوط في بئر سبع أو دور فرنسوا في مسلسل الحفار، كما شارك هو في دور كتبغا في مسلسل الفرسان مع مكتشفه حسام الدين مصطفى.
وفي النصف الثاني من التسعينات لم يستطيع العيش في مصر بعدما توفيت زوجته التي تعرف عليها وتزوجها أثناء دراسته بمعهد الموسيقى في القاهرة عام 1992، فطار مرة أخرى إلى العراق، ليجد أمامه مشكلة جديدة، وجد نفسه مديونا لمصلحة الهاتف بمبلغ 7 مليون دينار عراقي، كفاتورة اتصالات خارجية مع العلم انه في تلك الفترة كان خارج العراق بالأساس.
حتى حينما قابل وزير الاتصالات والمواصلات العراقي فشل في حل الأزمة الأمر الذي اسلمه لهم وحزن كبير ليتوفاه الله في 28 أغسطس عام 2000.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال