عجائب الوحدة الوطنية في مصر من 101 سنة .. حين تكون بالاغتيال السياسي

تجسدت الوحدة الوطنية في مصر خلال ثورة 1919 فلا يمكن نسيان القمص سرجيوس وهو يلقي خطبة فوق منبر الأزهر، أو قيام حتى اليهود مثل نظلة ليفي بمخاطبة المصريين من صحن الجامع داعيةً لعدم الانزلاق لمستنقع لعبة «فرق تسد»، لكن تبقى عملية محاولة اغتيال يوسف وهبة رئيس الوزراء هي أعجب فصول الوحدة بين المسلمين والأقباط في مصر.

يوسف وهبة باشا .. رئيس وزراء لجنة ملنر

يوسف وهبة باشا من مواليد القاهرة عام 1852، والتحق بالمدرسة البطريركية القبطية، وأتقن الانجليزية والفرنسية والعلوم الرياضية، ثم بدأ حياته الوظيفية موظفاً بنظارة المالية والحقانية.

مع الإنجليز بدأ يوسف وهبة باشا مشواره السياسي حين عين عام 1883 كاتب سر لجنة التحقيق مع رجال الثورة العرابية، وانتدب مرة ثانية ليكون كاتب سر اللجنة التي كلفت بوضع قوانين المحاكم الأهلية باللغة الفرنسية، ثم العمل على ترجمتها، أصبح مستشاراً في محكمة الاستئناف المختلطة بالإسكندرية عام 1914 م.

وضع يوسف وهبة باشا عددًا من المؤلفاته مثل شرح القانون المدني بالاشتراك مع شفيق منصور، وشرح قانون التجارة مع عزيز كحيل، وكان أول وزير مصري يوقع على أوراق مالية مصرية.

في العمل الحكومي تقلد يوسف وهبة باشا منصب وزير الخارجية في نظارة محمد سعيد الأولى والثانية، ثم عين وزيرا للمالية في نظارة حسين رشدي الأولى والثانية والثالثة والرابعة إلى أن أختير رئيسًا للوزارة ووزيراً للمالية في20 نوفمبر 1919 م وبقي في منصبه حتى يوم 21 مايو 1921 م.

خلال فترة تولي يوسف وهبة باشا واجه ظروف عصيبة حين وصلت لجنة ملنر الانجليزية إلى مصر، وأدى مقاطعة حزب الوفد للجنة إلى تعثر اللقاء رسميًا بينها وبين العديد من المصريين، ليتعرض يوسف وهبة باشا إلى الاغتيال ولم يمت وبقي في منزله حتى رحيله في عام 1934 م.

قبطي يحاول قتل رئيس الوزراء القبطي

أصيب الإنجليز بدهشة من عجائب الوحدة الوطنية في مصر حيث أن من أراد قتل رئيس الوزراء القبطي لم يكن مسلمًا وإنما مسيحيًا واسمه عریان یوسف سعد من میت غمر بالدقھلیة، وهو من مواليد يوم 25 مایو 1899 لأسرة أرستقراطیة قبطية.

اقرأ أيضًا 
المعلم ميخائيل البتانوني .. قبطي تعلم في الأزهر ليلحن للكنيسة

قرر الجهاز السري لثورة 1919 اغتيال يوسف باشا وهبة لتشكيله الوزارة في ظروف سياسية قاطعها حزب الوفد فأصر عريان ألا أن یقوم أحد بھذا العمل سواه، وقال في مذكراته «لا نرید أن نعود لما حدث مع بطرس غالى عندما اغتاله إبراھیم الورداني وكادت أن تحدث فتنة كبرى أنا قبطى مثله، ولن یستطیع الإنجلیز إشعال فتنة جدیدة إذا كان القاتل قبطي».

اقرأ أيضًا 
سعد زغلول والاغتيالات  “قصة حكيميان الذي أمر زعيم الأمة بقتله”

جرت عمليات تدریب عریان سعد على إلقاء القنابل وتم رصد تحركات ومواعید خروج ودخول یوسف باشا، وتم تحدید موعد 14 دیسمبر للتنفیذ وذھب عريان لكن لم یحضر رئیس الوزراء فكرر الأمر في الیوم التالى 15 دیسمبر 1919 وتم اختیار مكان إلقاء القنبلة فى میدان سلیمان باشا وهو ميدان طلعت حرب حاليًا.

وجاءت سیارة رئیس الوزراء ووراءھا جندیان علي موتوسیكلین من شارع قصر النیل وقف في وجھھا، أخذ قنبلة من جیبه ورمى بھا تجاه السیارة، كان السائق یقظا استدار بالسیارة فانفجرت القنبلة بجانب العجلة الخلفیة، وأمسك بالقنبلة الثانیة ورمى بھا لتنفجر فوق السیارة، وأمسك الجندیان بعریان یوسف سعد وذھبوا به إلى رئیس الوزراء في مكتبه.

بعد 4 أیام من محاولة اغتيال يوسف وهبة باشا صدر الحكم على عريان بالسجن 10 سنوات أشغالاً شاقة ثم أفرج عنھ بعد 4 سنوات ضمن من شملھم العفو في وزارة سعد زغلول، وبعد خروجه من السجن لم یتمكن عریان سعد من العودة إلى الجامعة لاستئناف تعلیمه بسبب نشاطه السیاسي، وعین بمجلس الشیوخ الذي ظل یعمل به حتى الخمسینیات عندما افتتحت جامعة الدول العربیة أول مكتب لمقاطعة إسرائیل في دمشق فانتقل للعمل ھناك حتى سنة 1957 وعاد إلي القاھرة ثم دخل في مشروع تجاري لإنتاج الورق حتى وفاته.

موقف سعد زغلول

إقرأ أيضا

“أزمة فيلم أبو الدهب” نجاحه الإذاعي حوله للسينما وقاد معالي زايد وممدوح وافي للمحاكمة

أورد مصطفى أمين في الجزء الأول من «الكتاب الممنوع أسرار ثورة 1919» من ص 122 حتى ص 124 رسائل بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي رئيس الجهاز السري، حول عملية اغتيال يوسف باشا وهبة، وأعجب زعيم الأمة بأن الجميع يدرك أهمية الوحدة الوطنية في مصر ويقاوم الاحتلال.

«الرسالة الأولى | 8 ديسمبر سنة 1919»
من سعد زغلول بباريس إلى عبدالرحمن فهمي بالقاهرة
أعجبت كل الإعجاب بما قام به الأقباط من المظاهرات، والتبرؤ من رئيس الوزراء يوسف وهبة باشا وما كتبه ويصا واصف بك في جريدة الجورنال ديجيبت من الإعتراض الشديد عليه، أرجو أن تبلغ شكري لكل من تقابله من هؤلاء الأقباط عمومًا ولحضرة ويصا واصف بك خصوصًا

«الرسالة الثانية | 15 دیسمبر سنة 1919 م»
من عبد الرحمن فهمي بالقاھرة إلى سعد زغلول بباریس.
ألقى طالب قبطى من كلیة الطب قنبلتین على رئیس الوزراء «یوسف وھبة باشا» ولكنه أخطئه وضبط الشاب وھو یبلغ نحو عشرین سنة، یتقد حمیة ووطنیة من عائلة كبیرة بجھة میت غمر اسمه عریان یوسف سعد ابن سعد بك وھبة، الشاب المذكور فى غایة الجرأة، واعترف بجريمته وبسببھا بلا مبالاة، ولایزال مصرًا على أقواله.

«الرسالة الثالثة | 23 ديسمبر 1919»
من عبدالرحمن فهمي بالقاهرة إلى سعد زغلول بباريس
أبلغت ممنونية سعادتكم لويصا واصف بك ولكل من قابلته من إخواننا الأقباط وطلبت منهم تبليغه للآخرين.

«الرسالة الرابعة | 14 ینایر 1920»
من عبد الرحمن فھمى بالقاھرة الى سعد زغلول بباریس
حددت السلطة العسكریة البریطانیة یوم 16 ینایر لمحاكمة عریان أفندي یوسف سعد الجرىء أمام مجلس عسكري، قیل لنا أن یوسف باشا وهبة سعى سعیاً حثیثاً لدى السلطات لمحاكمة المذكور امام المحاكم الاھلیة فلم یفلح وكان ذلك تحت تأثیر شدید من كتب التھدید التى وصلته.

«الرسالة الخامسة | 17 يناير 1920»
من عبد الرحمن فھمى بالقاھرة الى سعد زغلول بباریس.
حوكم الشجاع عریان أفندى یوسف سعد أمس بوزارة الحقانیة، من الغریب أن المحاكمة تمت فى یوم واحد، لا تسألوا عن ثبات جأش ھذا الشاب وشجاعته التي أظھرھا أثناء المحاكمة فكلھا مما یفخر بھا المصرى أینما كان وحیثما كان.
أسأل الله السمیع القدیر ألا یجعل ھذه الحادثة خاتمة أعماله لبلده