الورتاب النوبي.. علاج سحري أم دجل وشعوذة؟
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
تتميز النوبة بالتقاليد المجهولة خارج محيطها، بداية من الأعراس وحتى العلاجات، والوَرتاب هو أحد الأشياء التي لا تسمع عنها إلا في بلاد الذهب وبالطبع قرينتها السودان. بشكل عام، لا يختلف الوَرتاب كثيرًا عن الحجامة، فهو قائم على الفكرة نفسها التي تدور حول فصد الدم الفاسد من جسد المريض. وعلى غرار الحجامة له أنصاره المتمسكين به بشكل غريب مؤكدين فاعليته الشبيهة بالسحر. لكن هل حقًا يعتبر الورتاب علاجًا شافيًا، وكيف يشعر المرضى بتحسن حقيقي بعد تجربته؟
العلاجات الشعبية والأمراض التي تعالجها
على الرغم من أن الورتاب قائم على فكرة الحجامة نفسها إلا أن تقنيته أبسط بدرجة كبيرة، وحتى تطبيقه لا يحتاج لمختصين بل يمكن أن يقوم به المريض لنفسه. لا تحتاج العملية إلا لأدوات بسيطة يمكن وصفها بالبدائية: موس، جريد نخل، ورق أو رماد، زنجبيل أو قرفة. باستخدام الموس يتم إحداث جروح رأسية بسيطة في الجانب الخلفي لعضلة السمانة، ثم يتم مسح الدم (الفاسد) المتدفق من التشريطات البسيطة تلك بجريد النخل، وأخيرًا تغطى المنطقة بورق أو طبقة رماد لسد النزيف. أمَّا الزنجبيل أو القرفة يقدم مشروبًا إلى المريض ليتجرعه على مهل بعد العملية.
تلك العملية البسيطة المنتشرة لدى أهل مصر من النوبة حتى يومنا هذا تشفي من أمراض المعدة، وحالات الحمى، والتسمم وفقًا لقناعاتهم. وهي ليست الوحيدة فقد وثق المؤرخ النوبي يحيى صابر عن عمليات شعبية مشابهة مثل علاج الرمد بتشريط جانبي الأذن، وعلاج الانزلاقات بكي العنق من الخلف وأحيانًا الظهر. وقد أكد أن هذه العلاجات كانت فعالة وتشفى المرضى بالفعل.
نتيجة مجربة..
حين يقسم جمهور الحجامة والورتاب أغلظ الأيمان على فاعلية تلك العلاجات وقدرتها السحرية على مداواة الآلام المستعصية فهم لا يكذبون، بالفعل يمكن أن تحقق نتيجة مبهرة من المرة الأولى بل وأحيانًا تستمر قدرتها الشفائية لعدة مرات متواصلة. وهذا ما يفسر تمسك المجتمعات التقليدية بها كتقليد متوارث عن قدماء المصريين، وبلا شك تلك الفاعلية هي السبب المنطقي خلف استمرارها منذ آلاف السنين.
لكن ما لا يمكن تصديقه هو أن الورتاب أو غيره من العلاجات الشعبية هي السبب الحقيقي خلف تحسن المرضى، وهو ما أكده للميزان الطبيب والكاتب بهي الدين مرسي. حيث أكد أنها عبارة عن دجل وشعوذة لا يفيد ولا يشفي من مرض، حتى وإن شعر المريض بتحسن حقيقي بعد العملية. كما أوضح أن تلك الخرافات لها من النتائح السلبية ما يمكن أن يؤدي إلى تدهور حالة المرضى بعد التحسن المؤقت الذي يمروا به أحيانًا، ناهيك عن تسببه في نقل الأمراض بسبب التلوث.
سر الشفاء!
كشف مرسي سر الشفاء السحري الذي يجعل مثل هذه العلاجات مستمرة بجمهورها العريض، حيث أشار إلى أن الأمر كله يدور حول مفهوم يعرف بـ”خداع العقل”. مثال بسيط، لنفترض أننا أمام مريض يعاني من آلام مبرحة في الركبة قمنا بكي منطقة أخرى من جسده، من الطبيعي جدًا أن يشعر بزوال الألم بشكل مؤقت من منطقة الركبة، خاصةً إن كان متيقنًا من فاعلية الإجراء الذي خضع له. بالتالي، العلاج السحري الذي يؤمن به المريض هو في الحقيقة إلهاء للمخ عن الألم بألم آخر. وأحيانًا يمكن أن يزول الألم لفترات طويلة أو تُشفى بعض الأمراض البسيطة بسبب تأثر الإيحاء على المريض، وهو ما يفسر زوال المفعول عاجلًا أو آجلًا لكن للأسف بعد ضياع فرصة العلاج الحقيقي في وقت مبكر.
من المفاجئ مدى تأثر العامة بتلك الخرافات واستمرارها في بناء قاعدة جماهيرية عريضة رغم فساد أساسها، فقد أكد الطب عدم وجود ما يسمى “الدم الفاسد” في جسد الإنسان من الأساس. واستمرار تلك العلاجات غير العلمية بل وانتشارها مؤخرًا من شأنه رفع خسائر المريض حتى وإن تلاشى احتمالية العدوى؛ لأن مرور الوقت دون علاج حقيقي لا يمكن أن يثمر إلا مضاعفات أكبر قد تنتهي بالوفاة مع الحالات الخطيرة.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال