بأوامر رسمية “الجنازة لم تكن حارة”.. عن تشييع محمد علي باشا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جاءت جنازة محمد علي باشا خالية من أي مظهر يشبه حياته الصاخبة، فلم يكن رحيله إلا شيء عادي بعكس عهده، لكن قبل رحيله كانت المآسي تلاحقه واحدةً تلو الأخرى حتى قضى نحبه.
ما قبل موت محمد علي باشا .. الزهايمر والزحار
أعطت معاهدة لندن سنة 1840 استقلالاً لمصر عن الدولة العثمانية لكنها قلمت أظافر توسع محمد علي باشا فأثر ذلك على نفسيته وذهنه فصار متشككًا في كل شيء وأي حد، حتى بدأت أعراض الزهايمر تظهر عليه لأسباب غامضة، البعض أرجعها إلى تقدمه في السن وآخرون أرجوعها إلى تأثير نترات الفضة التي كانت دواءًا للباشا من مرض الزحار؛ وهو ما أكدته المؤرخة عفاف لطفي السيد مارسوت في كتابها «مصر في عهد محمد علي» ص255 بمطبعة كامبردج طبعة عام 1983م.
أزمة الديون ومرض ابنه العزيز
يشير نوبار باشا خلال مذكراته إلى أن هناك أزمة مالية تعرضت لها مصر عام 1844 سببت في تفاقم حالة محمد علي، حيث اكتشف رئيس الديوان المالي أن ديون مصر وصلت إلى 80 مليون فرنك كما تأثرت المتأخرات الضريبية لمصر سلبًا.
اقرأ أيضًا
إبراهيم باشا في نظر المؤرخين “هذا اختلافه عن والده”
بعد أزمة ديون مصر أصيب إبراهيم باشا بمرضي السُل والنقرس فسافر الباشا مع ولده للعلاج في إيطاليا وأجرى زيارة للآستانة عبر فيها محمد علي عن خوفه من ضياع إنجازاته، إذ قال «ولدي عجوزٌ عليل، وعبّاس متراخ كسول، من عساه يحكم مصر الآن سوى الأولاد، وكيف لهؤلاء أن يحفظوها؟».
الباشا في غرفته مجنونًا!
مع العام 1848 أصيب محمد علي باشا بالخرف والزهايمر فتم عزله عن حكم مصر وأودع بغرفته لا يخرج منها لمقابلة أحد ولا يزوره أحد؛ وتولى إبراهيم حكم مصر لمدة 6 أشهر حتى يموت في 10 نوفمبر سنة 1848، ويلحق به الباشا الكبير في 2 أغسطس سنة 1849 في جنازة لم تكن مهيبة بأمر عباس حلمي الأول حفيد الباشا والذي كان يكره جده.
الجنازة ليست حارة والميت ليس كلبًا
كتب القنصل البريطاني جون موراي تقريرًا عن جنازة محمد علي باشا، وهو محفوظ في الأرشيف البريطاني برقم 78/804، قال فيه: «بعد موت محمد علي باشا كان الحضور في الجنازة حضورًا هزيلاً غثًا؛ كثير من القناصل والسفراء لم يُدعوا للمشاركة، ولم تُغلق الحوانيت ولا الدوائر الحكومية، باختصار يسود انطباع عام مفاده أن عبّاس باشا هو الجدير باللوم، فقد قلل من شأن جدّه وذكراه اللامعة، ولم يحترم ذكراه حق الاحترام، وكيف لا يكون ذلك وقد سمح أن يُقام مأتم هذا الرجل على هذا الشكل البائس وأهمل العناية به أشد الإهمال».
اقرأ أيضًا
محمد علي والمماليك .. فصول الصراع المنسي بعيدًا عن مذبحة القلعة
وحول رد الفعل الشعبي بعد موت محمد علي وجنازته يقول جون موراي «إن تعلّق وتبجيل جميع طبقات المجتمع المصري لاسم محمد علي لهو مأتم أعظم شأنًا وأكثر شرفًا من أي جنازة أخرى يُقدمها له خلفاؤه، يتحدث الأهالي الكبار ممن يتذكر عن الفوضى والظلم الذي غرقت به البلاد قبل وصوله؛ ويُقارن الشباب حكمه بحكم خلفه المتقلّب والمتذبذب؛ كل طبقات الشعب من ترك وعرب، لا تتردد في قول أن مصر المزدهرة المتحضرة ماتت مع محمد علي، في واقع الأمر لا يمكننا ولا يمكن لأحد أن ينكر أن محمد علي على الرغم من كل أخطائه، كان رجلاً عظيم الشأن».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال