بتر الأنف والأذنين .. كيف كانت عقوبة الإعدام للمتآمرين على رمسيس الثالث؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تعود واقعة الإعدام هذه إلى ما قبل الميلاد بأكثر من ألف عام ولعله من المناسب أن نلقي نبذة حول رمسيس الثالث وصولًا لواقعة إعدام محاولي اغتياله ، ورمسيس الثالث يعد من أبرز وأعظم الشخصيات في الأسرة العشرين وهو المؤسس الحقيقي لسياسية هذه الأسرة وآخر الفراعنة العظام .
وقد أخذ من سلفه رمسيس الثاني القدوة الحسنة والمثل الأعلى وتلقب بأغلب ألقابه وكنياته ، واستطاع مثله أن يدافع عن مصر ضد الأخطار الجسيمة . وقد حظيت البلاد في عهده بالإستقرار والأمان وشيد العديد من القصور والمعابد ، وحرص على رفاهية الشعب ورفع مستواه خاضت مصر في عهده حربين ، وقد وضعت النصوص المصرية تحركات الأعداء على لسان رمسيس الثالث بصورة جذابة وأبدع الفنانون في تصوير هزيمة الأعداء على جدران طيبة
كانت مؤامرات النساء هي السمة التي تغلب على عصره ، ومصدر قلقه الدائم ، والتهديد الأول لحياته ، وتعد أبرز محاولات اغتياله إفرازًا لهذه المؤامرات ، وكانت حين ظهر الفتور بين رمسيس الثالث وإحدى زوجاته أو كما ورد ببعض النقوش وأوراق البردي (المحظيات) وتدعى (تي) وقد بلغ تجاهل الملك لهذه الزوجة إلى عدم تسجيل اسمها مع صورها كما هي العادة في ذلك الوقت في معابده . وقد أحست (تي) برغبة رمسيس برغبة رمسيس الثالث في إقصاء ولدها (بنتاوره) عن ولاية العهد – لعله كان يؤثر ولده رمسيس (الرابع) – فتآمرت مع غالبية حريم القصر الفرعوني / وساقي الملك وبعض من حرسه وخدمه من المصريين ومن النزلاء المتمصرين وانضم إليهم مدير قصر الملك ونسجوا جميعًا خيوط المؤامرة بكل دقة ودهاء ، واتخذوا لأنفسهم أسماء مستعارة واستعانوا بالسحر إلا أن المؤامرة انكشف أمرها قبل تنفيذها إذ عدلت إحدى النساء عن المشاركة ، وأبلغت أخاها (كبير الفرق العسكرية في بلاد النوبة) بتفصيلات وترتيبات المؤامرة ، وقد تم إبلاغ رمسيس الثالث فأمر بالقبض على الجميع حيث أحيلوا إلى محكمة خاصة – وهو نظام للمحاكم الاستثنائية عرفه هذا العصر- وشكلت المحكمة من أربعة عشر قاضيًا ضمانًا للعدالة وتقديسًا للقانون ، وأمر الملك ألا ينجو مجرم ولا يؤخذ برئ قائلًا :
“إني لا أعلم ما قاله الناس ، أسرعوا لفصحه ، إنكم ستذهبون وتسألونهم ، فمن كان مستحقًا للموت فلتجعلوه ميت دون أن أعلم شيئًا عنه”
انتهت المحاكمة ووقف الجميع منتظرين الحكم ، حتى نطق القاضي به .. وكان الحكم من ثلاث أفرع ، الحكم على المخططين والمشاركين بشكل مباشر ، والحكم على المساعدين ، والحكم على “النادورجية” والذي اقتصر دورهم على مراقبة تحركات حرس الملك وحماية الغرف الذي كان يتم فيها المخطط ضد الملك .
الحكم ضد المخططين : ترك القاضي حرية اختيار الطريقة التي ينتحر بها كل منهم ، وكان أغلب المخططين من النساء ، واختلفت طرق انتحارهم ، وحصلت أسمائهم على لقب “خزي البلاد” ، وهو اللقب الذي لاحق أبنائهم وأحفادهم فيما بعد ، وصار ملاصقًا للإسم حتى إن نطق أحدهم باسم فقال “خزي البلاد فولان”
الحكم ضد المشاركين في تفاصيل المؤامرة: حكمت المحكمة على المساعدين بجدع الأنف وصلم الأذن ، وهي طريقة كانت تلحق الخزي والعار بصاحبها – إذا استطاع العيش بعد تنفيذها- حيث تقطع أنفه وأذنيه من منشأها ، وهي عقوبة شديدة الألم لم يكن ينجو منها الكثيرين .
الحكم على “النادورجية” : كان الحكم على النادورجية تقليدية بالسجن لبعض منهم ، وبالجلد للبعض الآخر ، ولم يحكم بالبراءة على أي من المتهمين ، وكانت حالة الإعدام هذه من أكثر الحالات نُدرة في العصر الفرعوني كله، لنُدرة المؤامرات ، واستقامة الدولة المصرية القديمة .
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال