
“برومو مسلسل النص” كيف يحفزنا الديكور والإنتاج على اكتشاف تاريخ مجهول؟

-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عرضت قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، برومو مسلسل النص، الذي سيُعرض في الموسم الدرامي الرمضاني، بدءًا من شهر مارس من العام الجاري.

المسلسل من إخراج حسام علي، وتأليف شريف عبدالفتاح، وعبدالرحمن جاويش، ووجيه صبري، وهو مأخوذ عن كتاب “مذكرات نشّال“، الذي أعاد نشره وحقّقه الباحث أيمن عثمان، وإنتاج آروما ويُعْرَض على قنوات المتحدة للخدمات الإعلامية.
برومو مسلسل النص وبداية مبشرة

من العسير التكهّن بأحداث مسلسل “النص” من خلال البرومو، حتى لو استلهم العمل وقائعه من أحداثٍ حقيقيةٍ مُدوَّنة في صفحات مذكرات نشال، فـ”الضرورة الدرامية” و”الحبكة” لا بدّ أن تفرضا بصمتهما الخاصة، مما يجعل التنبؤ بمسار الأحداث أمرًا محفوفًا بالاحتمالات الواردة وغير الواردة، لذا، نؤجّل الحديث عنها إلى حين عرض المسلسل، حيث سنواكب تطوّراته يوميًا من خلال تقارير خاصة على موقع “الميزان”.

من أبرز ما يلفت الانتباه في البرومو الخاص بمسلسل “النص” هو أن الجمهور سيكون على موعد يومي مع مشاهد بصرية ثرية، تمتاز بتفاصيل دقيقة تلامس روح العصر الذي تدور فيه الأحداث، فتوظيف الديكورات والإكسسوارات والأزياء لم يكن مجرد عنصر تكميلي، بل جاء بدقة لخلق بيئة زمنية أصيلة لا يدرك أهميتها إلا المتخصصون في هذا المجال.
ففي أحد المشاهد التي عُرضت في البرومو، تجلّت بعض ملامح الدقة في لقطة السوق، حيث ظهرت “تقفيصة” الدجاج خالية من “الفراخ البيضاء”، مكتفيةً فقط بـ”الفراخ البلدي”، وهو اختيار دقيق يعكس الواقع التاريخي للمسلسل، ولو ظهرت ضمن المشهد، لكان ذلك خطأً فادحًا إذ لم تكن “الفراخ البيضاء” قد انتشرت في مصر قبل الخمسينيات وذلك طبقًا لنشرة وزارة الإرشاد الزراعي عام 1961م.

الأمر ذاته ينطبق على عربة الطعام، سواء كانت عربة “كشري” أو “مكرونة”، إذ يعود هذا الطراز من العربات إلى عشرينيات القرن الماضي، وتمتلئ صفحات مجلات مصر في ثلاثينيات القرن العشرين بصور لهذه العربات، التي كانت تُصنع من الخشب، وتُدفع بالأيدي أو تُجرّها الحيوانات، وتعتمد على قدور نحاسية أو ألمنيومية لحفظ المكونات ساخنة.


أما عربة “الكارو” المسقوفة التي ظهرت في أحد مشاهد البرومو، فقد عُرفت في مصر خلال العشرينيات والثلاثينيات باسم “عربة كارو الصندوق”، إذ كان لها هيكل خشبي مغلق جزئيًا مع فتحة من الخلف أو الجوانب، وقد بدأت كوسيلة لنقل العمال إلى الأماكن البعيدة ذات الظروف المناخية القاسية صيفًا وشتاءً، ثم تحولت إلى إحدى وسائل النقل الأكثر انتشارًا في شوارع القاهرة.


وعند الحديث عن الديكورات، فإن أحد أبرز العناصر التي ستجذب الجمهور، وفقًا لفريمات برومو مسلسل “النص”، هو تصميم المباني والمكاتب التجارية والحكومية، حيث سيسلّط الضوء على عمارة وسط القاهرة في تلك الحقبة.
لكن الجانب الأكثر أهمية، والذي غفل عنه الباحثون وسيتناوله المسلسل، هو الترام، فقد ظهر في أحد الفريمات ترام خط “السبتية – السيدة عائشة” ويحسب للمسلسل هنا أنه راعى التفاصيل في تحديد أسماء الخطوط، إذ كان هناك خط مترو يبدأ من منطقة السبتية وينتهي عند السيدة عائشة طبقًا لما ذكرته مجلة المرور عام 1926م.

ويُحسب للمسلسل أنه سيُعيد تسليط الضوء على “مجتمع الترام”، الذي كان له تأثير عميق على الحياة في القاهرة، فقد شهدت حركة النشل ارتفاعًا ملحوظًا مع انتشار عربات الترام، كما لعب الترام دورًا بارزًا في تشكيل البنية الفكرية والسياسية والتجارية وحتى الإجرامية للمجتمع المصري، إلى جانب مدى العلاقة المعقدة بين ثالوث “الإجرام والشرطة والاحتلال” خلال تلك الفترة.
تجنبًا لحرق التفاصيل، سيتم تناول هذا الموضوع بشكل موسّع خلال تغطية موقع “الميزان” للمسلسل.
ومن الجوانب التي تبشر بالاهتمام بالتفاصيل هو شكل القصاصة الصحفية من جريدة الأهرام، وفيه مقاليّ “ما قل ودل” للأستاذ أحمد الصاوي والذي بدأ كتابتهما خلال منتصف الثلاثينيات، وبجانبه جزء من قصيدة شعرية كتبها الشاعر عبدالله عفيفي الباجوري الأزهري، المحرر العربي بديوان الملك فؤاد وإمامه في الصلاة، وهو أحد أبرز شعراء البلاط الملكي في مصر حينها، الذين كتبوا في جريدة الأهرام بدايةً من سنة 1932م، وأفرد له خير الدين الزركلي صفحتين في كتابه الأعلام، ومكمن الدقة هنا أن عنوان خبر القبض على النص، جاء متوائمًا مع متن الخبر، فكثير من الأعمال الدرامية لما تستخدم الجرائد، تكتب المانشيت الرئيسي بخبر له صلة بأحداث المسلسل، بينما متن الخبر لا علاقة له بالأحداث ولا الشخصيات ولا حتى الفترة الزمنية.

في المجمل، فإن مسلسل النُصْ وإن كان سيحقق للجمهور “متعة المشاهدة”، لكن هناك تفاصيل صغيرة وراءها قصص كبيرة ومعلومات تاريخية هامة منسية، لا يمكن التغاضي عنها، وسنتابعها وأشياء أخرى مع حلقات المسلسل.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







