بسمة وهبة .. التقيتها كبيرة والإنسان أقوى من الفرص وأهم
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
كتبت مقالًا منذ ٣ أعوام أقارن فيه بين مذيعتين إحداهما تأخذ فرصًا مهمة دون أن تستحقها والأخرى بالكاد تطل من نافذة متواضعة بحضور قوي، ليس معتادًا أن يكتب الزملاء عن عملهم بحرية كذلك ليس معتادًا أن ينتقد الصحفي مذيعًا يبدو مسنودًا من حجم فرصه المهولة المقترنة بمحدوديته، حظي مقالي بقراءة واسعة وأسعدني كثيرًا أن العاملين مع المذيعة المحدودة إياها أخذوا في تداوله بينهم مع همسات وغمزات سعادة وكأن ما كتبت أطفئ نارهم وروى ظمأهم، ولقد وصلتني ردود فعل كثيرة من إعلاميين شدوا على يدي سرًا لنصرة المهنة دون أن يجرؤ أحدهم على نشره عبر صفحته.
غير أن اتصالًا هاتفيًا تلقيته من الأستاذة بسمة وهبة بسبب المقال نفسه ليكمل الصورة التي بدت لي عن السيدة حين رأيتها صدفة بإحدى القنوات الفضائية قبل كتابة المقال بسنوات – كنت وسط إحدى تجاربي المهنية التي لم تكتمل ، لم نتحدث حينها ولم تكن تعرفني ولكني عرفتها فور دخولها وسط طاقم عملها بوقت متأخر من اليوم وفي حال يبدو عليها التعب والإجهاد، كانت بسمة وهبة تحضر لبرنامجها الجديد وتصور تقاريرًا خارجية – خارج الاستوديو – ولمن لم يعمل بمهنتنا لا يعرف أن للتصوير الخارجي متعة صحفية لا تقارن بالجلوس في الاستوديهات الباردة تحت الفلاشات القوية و يمكن وصفه بالعامية أنه مرمطة لذيذة.
دردشت مع أحد العاملين بالمحطة رغبة مني في الاقتراب أكثر من معرفة الإنسانة بسمة وهبة التي شاهدتها مرتين بوجه مغسول خالي من مساحيق التجميل وشعر مشدود للخلف ومربوط بعناية تدخل مباشرة إلى مطبخ مطعمها الشهير القابع في حي المهندسين لتتزكد من تمام سير العمل.
ربما لكونها امرأة قوية وغير متصنعة وجدت نفسي أراقبها بينما أتناول عشائي، استرجعت الصور التي عرفت بها بسمة وهبة لأول مرة، مذيعة تلبس حجاب كامل في قناة اسمها اقرأ تقدم برنامج ” قبل أن تحاسبوا ” كنت لا أزال في المدرسة لكنني أتذكرها جيدًا كانت تقدم ما تقوله بصدق وكان برنامجها ينقل قصصًا عن حياة الناس بتوجه المحطة طبعًا.
اقرأ أيضا
شفيقة .. هرم طنطا الرابع التي عادت للحياة بعد وفاتها بـ٣ سنوات
هذه السيدة التي بدأت مشوارها الإعلامي منذ سنوات طويلة هي محترفة جدًا تنسى أنها مذيعة معروفة عندما تدخل إلى مطبخ مطعمها ، تنسى أنها نجمة العمل عندما تخرج في عربة التصوير وسط طاقم العمل لإعداد التقارير الخارجية لبرنامجها وتتحمل بسعادة تقديم الغداء أو البريك على حسابها لفريق العمل دون تفرقة.
عندما اتصلت بي بسمة وهبة تلفونيًا عقب قراءتها مقالي لم تكن تعرف شيئًا عن مسيرتي المهنية ولا عن آخر منصب تقلدته لم يكن يهمها كما كانت المناصب دائمًا غير مهمة عندي كانت تريد فقط أن تتعرف إلى كاتبة مقال مقارنة المذيعات إياه وتبدي رأيها وتعبر عن تقديرها لي قالت لي نصًا أنا كلمتك لأنك بتكتبي بالطريقة التي أتمنى أن أتحدث بها، ولقد أعجبت كثيرًا بقدرتك على الوصف والتحليل وأنا فعلًا محتاجة حد زيك جنبي، كانت ذكية ولم تأتي على ذكر أي من زميلتيها المقصودتين بمقالي واكتفت بشرح حاجتها ليكون أدائها أفضل وأقوى تأثيرًا في برنامج المنوعات الذي كانت تقدمه وقتها، رحبت بها وشكرتها على رأيها وأبديت ترحيبي بلقاءها وكان تقديري قد زاد لها أكثر لأنها دؤوبة باحثة عن التعلم تعرف مناطق ضعفها كما قوتها وكبيرة بالحد الذي يجعلها تقدر القيمة لدى الآخر دون أن تعرفه.
قبل أن ألتقيها كانت قد جمعت معلومات كاملة عني لتعيد الاتصال مكررة اعتذارات حارة “يا رشا اللي ما يعرفك يجهلك” وكأنها اعتقدت أنه يسوؤني أن أعمل معها أو لصالحها بعد أن عملت رئيس تحرير ومدير إلخ من الوظائف المقيتة غير المهنة، لم تكن تعرفني فقررت أن تراضيني لم تكن تعرف أني أقدس حرفتي وقلمي وموهبتي أما الكراسي فأنا أسرع الهاربين منها والمستقيلين.
أكثر من ساعة جمعتني بالأستاذة بسمة وهبة تحدثنا فيها عن الخاص والعام كأننا صديقتين قديمتين لكنني أتذكر من حديثنا أنني وفق أحد أسئلتها طلبت منا أن لا تحول برنامجها الأسبوعي المنوعات إلى برنامج يومي وأن تبتعد عن التوك شو وأنها يجب أن تكون أكثر حرصًا على صحتها وسلامتها خاصة أنها متعافية من مرض صعب ويجب أن تكون أكثر رفقًا بجسدها وروحها.
انتهى اللقاء بيننا ولم يحدث أن اتفقنا رسميًا على أي عمل رغم الصلة الإنسانية والاحترام مع التوافق الذي نشأ بيننا حينها.
مرت السنوات ورأيت بسمة وهبة تعلن عن تجربة مهنية جديدة لتقديم توك شو يوميًا بأحد أهم الفضائيات المحلية ابتسمت لسماع الخبر وهي تعلن عن الإقدام على التجربة التي تمنيت ألا تخوضها،
صدقًا لم أحب بسمة وهبة أبدًا في برنامجها الأخير التوك شو ولا في تناولها للأخبار السياسية ولا حتى لطريقة تقديمها هذا النوع من المحتوي ولقد منعت نفسي مرات كثيرة من أن أكتب عن تجربتها هذه، وكأن معرفتي وتقديري الإنساني لها كان عائقًا بين قلبي وقلمي لم أستطع أن أخضعها تحت مشرطي كما وصفة طريقتي في الكتابة حتى ژنني كنت أتجاهل مشاهدة أي مقطع مأخوذ لها عن البرنامج خوفًا من أن أفقد تماسكي وانتقادها.
وهنا أجد أهمية التأكيد على ضرورة إفساح المجال أمام الأقلام كلها و أن ندعم التعدد ونشجع على النقد حيث أن الكاتب إنسان يتأثر ولو بالصمت عما لا يجده جيدًا لاعتبارات إنسانية أو خلفيات يعرفها قد تؤثر على قلمه فيبقى الضمان للمصداقية دائمًا مرهونًا بالتعددية وقبول الرأي الاخر.
في صور مأخوذة عن ظهورها الأخير في برنامجها لاحظت تغيرًا طرأ على مظهرها من نحافة زائدة مع شحوب ذكرني أيضًا بمدى إسرافها في استهلاك صحتها وهي النقطة الثانية التي تمنيت أن تراعيها خلال لقائي الوحيد بها منذ سنوات
ثم فوجئت منذ أسابيع بخبر سفر بسمة وهبة إلى الخارج للعلاج من مرض نادر، وصورة جديدة للمرأة التي استحقت تقديري وهي في محنة صحية وغربة موجعة بعيدة عن أولادها وبلدها لم تبكي وتستجدي عطف المتنمرين بحقها وقسوتهم ولم تختبئ وتنزوي لتخفي نحولها وضعفها بل أخذت بالأسباب كلها لتعطي درسًا جديدًا في الحياة، زارت طبيبًا نفسيًا يعينها بالعلم على تجاوز المرحلة بأقل ضرر نفسي ممكن لأنها تدرك أن النفس تمرض مثل البدن، وواجهت متابعيها وشاركتهم تجربتها ووقفت بصلابة ضد النيل منها أو الإساءة لأسرتها بصلابة.
ثم التحقت بمدرسة للطبخ لتتعلم أصنافًا جديدة غير موجودة في مصر تعلن من خلالها عن مطعمها الجديد مارست شغفها بالحد الأقصى في ظرف دقيق وقاسي وكانت تنقل لجمهورها مقتطفات من وقت استذكارها لدروسها.
كانت جملتها “لقد كنت في حاجة لأن أشعر بالنجاح من جديد” هي السبب الذي حسم قراري بالكتابة عنها وإليها لأحييها على كونها مثالًا واضحًا ملهمًا في مواجهة الحياة بعيشها وبالمضي قدمًا كل يوم ولقد اختصرت بسمة وهبة معنى الإيمان في تركها ما على الله له وبالتوكل عليه دون التواكل وكما قالت أنها لن تجلس تنتظر المجهول بل على المجهول أن يبحث عنها فهي مشغولة بما يتوجب عليها أن تفعله وتعيشه.
أدعو الله أن تأتي نتائج تحاليلك كما تتمنيها وسأنتظر إعلانك عن فتح مطعمك الجديد لعلنا نحظى بفنجانين شاي ما بعد الظهيرة.
قد يقدم أحدهم عملًا لا يعجب آخر لكن ذلك ليس سببًا للعداء ولا لاختزال الإنسان في تجربة واحدة بملمح وجانب واحد.
الناجح الحقيقي هو الذي يعمل حتى آخر رمق وآخر يوم قدره له الله ويدرك قيمة الرحلة والإنجاز، أرجو أن يدرك جمهور بسمة وهبة درس الحياة الذي تقدمه لهم بإفساحها المجال أمامهم للاطلاع على تفاصيل من حياتها الخاصة ويا بخت من شاف في كل الناس ميزات وحقايق وعبر.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة