بطل القوى الناعمة والخشنة .. صلاح ذو الفقار “شيّال الهموم”
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تتعجّب حين ينسج أحد النجوم الجُدد خيوط قصة كفاح شبه وهمية يبيع بها الهواء للبرامج الاجتماعية، كي يبدو رجلًا ناضل حتى وصل إلى تلك المكانة، هذا الذي كان يتأخر في دفع الإيجار، وذلك الذي كان لا يأكل الضاني إلا كل إسبوع مرة، وذاك الذي تأخر في عمل حساب بنكي حتى سن الخامسة والعشرين!، وإذا تفحّصت النظرة ستجد إن خسمة أو ستة أعمال هم محصّلة نجم كوكب الأرض ليقول كل هذه القصائد في مشوار لم يبدأ بعد !
كان صلاح ذو الفقار واحد من النجوم الذي كافحوا بحق دون متاجرة، واحد ممن حملوا هموم تلك البلاد حقًا وصدقًا، إسمه موجود في خِضَم الأحداث القاسية والفارقة التي مرت على مصر، لا شقاء وهمي، ولا حديث فارغ عن بطولات حتى أصبح فنان كبير ملئ السمع والأبصار، يمشي في الشارع فيجذب حضوره الجميع حوله لالتقاط صورة أو توقيع أوتوجراف، وإليكم أهم الأحداث الفارقة في تاريخ مصر حربًا وفنًا ، كقوى ناعمة وخشنة، وكان صلاح ذو الفقار ترسًا في مكينتها .. ذلك الرجل الذي ولد يوم 18 يناير لعام 1926، وتوفي أثناء تصوير فيلم الإرهابي يوم 22 ديسمبر لعام 1993 .
صلاح ذو الفقار ومعركة الاسماعيلية
تلك اللحظة التي يختار فيها الإنسان بين شرفه أو أي شئ آخر هي اللحظة التي يجب أن تُحكى .. هذا بالضبط ما حدث مع حضرة الضابط صلاح أحمد مراد ذو الفقار- الذي دخل كلية الشرطة بعد حلمه بأن يصبح طبيبًا والتحاقه بكلية الطب وبسبب مرض ولده انقطع عن الذهاب للجامعه فتم فصله نهئيًا- وبالتحديد في العام 1952، حين كان يدرس الشرطة الجنائية في انجلترا، وكانت الأخبار في الصحف الإنجليزية تقول بأن شعب القناة يقاوم المحتل الانجليزي بشراسة من المنازل وبأدوات بدائية لكن بفدائية متناهية، وما كان من حضرة الضابط إلا العودة على أول طائرة إلى مصر والانضمام للمقاومة الشعبية، والاشتراك في نضال الشرطة المصرية مع شعب القناة ضد ضباط الاحتلال، التي جعلت من يوم 25 يناير عام 1952 عيدًا للشرطة فيما بعد، وكان حضرة النقيب “ذو الفقار” قد هرب إلى منزل أحد المواطنين بعد أن اشترك في عملية تفجير معسكرًا إنجليزيًا برفقة المناضلين، ورفض تنكيس العلم المصري من المباني والمنشآت بعد التفاوض مع القائد الإنجليزي “إكسهام” فقاموا باعتقاله مع زميله اللواء مصطفى رفعت، ثم تحرروا بعد ذلك ليسطّر بذلك بطوله له ولبلاده .
صلاح ذو الفقار وقضية اغتيال أمين عثمان
من كان يعلم أن هذا الشاب الأسمر النحيل ذو الشارب الحاد القابع في الزنزانة سيصبح رئيسًا للجمهورية وسيكون على رأس الجيش الذي حارب في أيام النضال المقدس عام 1973 ، أنور أفندي السادات الذي سمع أن وزير المالية المصري أمين باشا عثمان قال أن زواج مصر من إنجلترا زواجًا كاثوليكيًا لا طلاق فيه! فقرر أن يشترك مع ابن وكيل وزارة المواصلات حسين توفيق، وإبراهيم كامل المعروفون بمواقفهم ضد الإنجليز وتم اغتياله بثلاثة رصاصات في يوم 5 يناير لعام 1946، وكان حبس السادات نتيجة لتلك الجريمة، في الوقت نفسه كان الضابط المُستجد صلاح ذو الفقار مشرفًا على نفس السجن.
وتحكي ابنه الرئيس السادات “رقية” لجريدة اليوم السابع موقفًا يظهر فروسية “ذو الفقار” حين كانت في الخامسة من عمرها وكان جدّها يصحبها لزيارة والدها “السادات” في محبسه، حيث شاهدت المساجين عراة يسيل الدم من أفواههم، يبدو عليهم علامات الإرهاق أثر التعذيب ضربًا بالكرابيج، فصرخت لظنها أنالتعذيب يطال أبيها أيضًا، لكن حضر الضابط صلاح ذو الفقار طمئنها وقال لها أن هؤلاء مجرمين لكن والدم بطل وطني ليس مجرم، وقابلت السادات بشكله المهندم على الدوام .. وكان ذو الفقار حريص أن يمد أنور أفندي السادات بالجرائد والسجائر والكتب، وتسهل إجراءات زيارات أسرته .
صلاح ذو الفقار ومعركة السينما
بعد أن ساعده أخيه المخرج عز الدين ذو الفقار في دخول الوسط الفني استقال صلاح من كلية الشرطة فورًا، وهنا نتحدث عن نقلة سينمائية مصرية كاملة وليس عن فترة فقط، حيث كان مشواره زاخرًا بالأعمال على مستوى المسرح والتليفزيون والسينما والإذاعة، نحن نتحدث عن أكثر من 130 عمل سينمائي، و 35 عملًا تليفزيونيًا وإذاعيًا، وما يقرب من 20 عمل مسرحي ، والاشتراك في برنامج تليفزيوني، كما شارك في كمنتج لعدة أعمال شديدة الأهمية، وتلك الأعداج تمثل فترة من ذاكرة السينما وليست سيرة ذاتية لفنان، يكفي فقط أن أقول لك “مراتي مدير عام” ، “رد قلبي” ، “الناصر صلاح الدين” ، كما شارك في عدة أعمال عالمية منها الفيلم البريطاني “الفرسان” ، والفيلم المكسيكي “نفرتيتي”.
وكانت هموم السينما كمفهوم شامل للصناعة إحدى الهموم التي يحملها صلاح ذو الفقار على كتفيه، حيث وقف ضد اتجاه المنتجين لتهميش فكرة إتاحة البطولة لممثل يتجاوز الخمسون من عمره، حيث رأى أن الفيلم ذو البطل والبطلة الشابين الذي لا يخرج من طور الرومانسية والقُبلات شئ يضر بمصلحة التنوع السينمائي، حيث سلط الضوء على تلك النقطة تحديدًا في مقال بخط يده لجريدة الوفد عدد 22 فبراير لعام 1990 ، وقال : ” السينما تعطي ظهرها للنجوم عندما يتجاوزون سن الخمسين لأن الموزع الأجنبي الذي يشتري الفيلم يضع شرطًا وهو معرفة اسم الولد والبنت في الفيلم .. رغم إن الولد والبنت كبروا أيضًا .. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن كُتّاب السينما عندما تأتيهم فكرة يرشّحون لها أربعة فقط (معندهمش غيرهم) وهو (الملعلعين) في السوق.. وهي فكرة تجارية جاءت لهم من الموزع الأجنبي .. لأن الموزع الخارجي يشكّل الجزء الأكبر من ميزانية الفيلم، أما الموزع الداخلي فهو لا يعطي سُلفة إلا لعادل إمام، ونادية الجندي فقط !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال