“بعد زيارة اللواء عباس كامل لغزة” لماذا يجب على الإخوان كراهية مايو ويونيو مع يوليو في تاريخهم
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جاءت زيارة اللواء عباس كامل لغزة لتمثل أهمية سياسية بالنسبة لأمن مصر القومي، وشكل آخر من أشكال اللعنة التاريخية على جماعة الإخوان في تاريخ صلتها بالقوات المسلحة.
اقرأ أيضًا
من الأقصى وقبة الصخرة لعهد السيسي .. تاريخ الدعم المالي المصري لفلسطين ودور القاهرة في تعميرها
رغم تشعبات العلاقة بين جماعة الإخوان والجيش المصري من الحيثية التاريخية، إلا أن هناك مفارقة قدرية شهدتها تلك العلاقة وهي أن أشهر مايو ويونيو ويوليو لعنة على الجماعة منذ بدء صلتها السياسية مع القوات المسلحة المصرية خاصةً إذا أضيفت فلسطين في الموضوع.
رعيل الأربعينيات .. بداية اللقاء بين الإخوان والجيش المصري ونواة لعنة الـ 3 أشهر.
تمثل فترة الأربعينيات أول احتكاكٍ سياسيٍ مباشرٍ بين جماعة الإخوان والجيش المصري بسبب فلسطين، والصدفة أنها كانت في شهر مايو من العام 1948 م.
وقع الطلاق الرجعي بين جماعة والملك فاروق في 11 مارس سنة 1948 م حين حدث الإنقلاب على الإمام يحيى حميد الدين في اليمن والذي انتهى بقتله رغم فشل الإنقلاب، وثبت التورط الإخواني في الواقعة ـ وقد اعترف به القرضاوي في مذكراته ـ.
ثم حدث الطلاق البائن بين الجماعة والنظام في 22 مارس من نفس العام حين قُتِل القاضي أحمد الخازندار، فكان هذا أول اغتيال سياسي في مصر الملكية لقاضي؛ وكادت الواقعتين تطيحان بالجماعة لولا مجيء شهر مايو 1948 حيث بدأت الحرب العربية الصهيونية فاستغل الإخوان هذه الفرصة وحشدوا جهازهم للجهاد في فلسطين فأكسبهم شعبية أجلت المواجهة إلى حين.
استغل الإخوان الشرارة فنفذوا عددًا من الأعمال في العمق المصري ضد منشآت يهودية مصرية وأسفرت عن قتل مصريين بشتى دياناتهم، لتضع الحرب أوزارها ويحدث الصدام بين الجماعة والنظام فيُقْتَل النقراشي وبعده حسن البنا.
أثناء حرب مايو 1948 م تعرف الإخوان على الضباط الأحرار وكل طرف له مصلحة عند الآخر، فالضباط سيرجعوا للقاهرة بعار هزيمة لم يكونوا مسؤولين عنها ولن يحدث إزالة العار إلا بإزاحة النظام، أما الجماعة فقد آمنت أنها لن تقوم لها قائمة مؤثرة في ظل النظام الملكي، فجرى التفاهم بين الأحرار وتحديدًا جمال عبدالناصر مع الإخوان.
عادت الجماعة مرة أخرى للمشهد برعايةٍ شخصيةٍ من الملك فاروق بهدف مواجهة خصمه اللدود حزب الوفد، ولم تنقطع صلة الإخوان بالأحرار عمليًا إلا في يونيو سنة 1949 م حينما استدعى إبراهيم عبدالهادي رئيس الوزراء وقتها، الضابط الشاب جمال عبدالناصر بحضور رئيس الأركان ليواجهه بأن تحريات البوليس السياسي رصدت تنسيقًا بين ناصر والجماعة، فأنكر جمال هذه الصلة ليتفادى المحاكمة، وادعى إبراهيم عبدالهادي أن الحيلة قد انطلت عليه، وأدرك ناصر أن الحكومة تعرف ويجب التحرك، وكذلك الجماعة، لتُزَال لعنة يونيو 1949 بثورة يوليو 1952 م.
رعيل الخمسينيات .. يوليو الأمل الملعون
طيلة خمسينيات القرن الماضي كان شهر يوليو لعينًا على الجماعة في صلتها بالجيش المصري، كانت الثورة أملاً للجماعة في أن يحكموا مصر عن طريق الضباط ثم أدركوا أن ثورة نقمة عليهم بسبب أن الضباط الشباب لن يتعاملوا معهم، فلجأوا إلى محمد نجيب.
ظهر عبدالقادر عودة علنيًا وأعلن دعم الجماعة للرئيس محمد نجيب سنة 1954 م وصرف المتظاهرين من أمام قصر عابدين، وكان تصرفه نواة مرحلة الصدام بلا رجعة الذي وقع في أكتوبر 1954 م.
مثلما كان شهر يوليو 1952 أملاً للجماعة بثورة الأحرار وصار نقمة عليهم، كان أيضًا شهر يوليو 1956 م أملاً للجماعة لكن هذه المرة بالتأميم، إذ أدرك الجماعة أن تأميم القناة في يوليو سنة 1956 م سيؤدي إلى حرب بين ناصر والدول العظمى وكانت الجماعة تطمح في هزيمة مصر.
في كتابه مجرد ذكريات قال رفعت السعيد الذي كان معتقلاً في تلك الفترة «لقد كان رد الفعل الإخواني على العدوان الثلاثى عام 1956 غريبًا، ففي حين كان الشيوعيون يرفعون شعار الدفاع عن الوطن رفع الإخوان شعار لا عدوان إلاّ على الظالمين، كانت عاطفة اليساريين مشدودة إلى الوطن، ومواجهة العدو، وكان الإخوان المسلمون بين منشق، وأكثرهم ضباط سابقون في الجيش مثل فؤاد جاسر وحسين حمودة وجمال ربيع أوجعتهم عقيدتهم العسكرية إذ وجدوا قيادتهم الإخوانية تمتلىء سرورًا بالعدوان على جيشهم ووطنه، وقد فسّر شيخ الجماعة أحمد شريت منامًا يبشر فيه بسقوط جمال عبدالناصر في عدوان 1956.
رعيل الستينيات .. العفو المشؤوم واستمرار نكهة مايو ويوليو
جاءت الستينيات على مصر وكان الإخوان قابعين في السجن وأيقنوا أن بقاءهم في السجن مرتبط بوجود جمال عبدالناصر حيًا، لكن شهر مايو من العام 1964 حمل أملاً للجماعة حين توسط الرئيس العراقي عبدالسلام عارف لسيد قطب عند جمال عبدالناصر فأفرج الأخير عنه يوم 26 مايو 1964 م.
كان مايو 1964 أملاً للجماعة في إحياءها من جديد على يد سيد قطب، لكن لم يمضي عام وتجددت لعنة يوليو على الجماعة حين تم اكتشاف تنظيم سيد قطب في 30 يونيو سنة 1965 م فعادت الجماعة للسجون مرة أخرى.
الإخوان والسيسي .. أن تأتي الآمال الملعونة تباعًا
كل ما سبق في كفة والصلة بين الإخوان والرئيس عبدالفتاح السيسي في أشهر مايو ويونيو ويوليو في كفة أخرى، وقد جمع السيسي كل اللعنات التاريخية على الجماعة في الشهور الثلاثة حتى من قبل وصوله إلى منصب وزير الدفاع.
في 24 يونيو عام 2012 تحقق الأمل الذي كان يومًا ما حلمًا بعيدًا على الجماعة حينما وصلوا فعليًا إلى حكم مصر، وما هي إلا ساعات قليلة وخرج توفيق عكاشة وقال صراحةً «أحمل المجلس العسكري مسؤولية تأميني من أول المشير محمد حسين طنطاوي إلى آخر عضو في المجلس العسكري بما فيهم اللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية ورجل الإخوان المسلمين في القوات المسلحة».
لم يدقق أحد في كلام توفيق عكاشة إلا في شهر أغسطس من نفس العام عندما وصل السيسي إلى منصب وزير الدفاع، حيث تم مشاركة ذلك الفيديو على أوسع نطاق، وبدأ بعضهم يقول أن وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي هو من عائلة القيادي الإخواني القديم عباس السيسي رغم نفي المؤسسة العسكرية وعائلة القيادي الإخواني.
مضى العام 2012 بكل تشعباته وتفاصيله وجاء العام 2013 حاملاً اللعنات القديمة على الجماعة تباعًا.
في 11 مايو 2013 قال الفريق السيسي تصريحه الشهير «الجيش نار لا تلعبوا به ولا تلعبوا معاه»، وبذلك أدرك الإخوان أن الجيش ليس في صفهم لكنهم اطمأنوا أنه لن يكون في صف جبهة الإنقاذ.
وفي 23 يونيو 2013 أعطى وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي مهلة للجميع مدتها أسبوع وذلك خلال كلمته التي ألقاها في الندوة التثقيفية الخامسة التي نظمتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء.
ومع يوم 26 يونيو 2013 تشعبت الآراء حول حضور السيسي ولغة جسده أثناء الخطاب المُطوَّل الذي ألقاه الرئيس الأسبق محمد مرسي، فملامح السيسي وإن كانت متجهمة وغير متفاعلة (وقد فسرها لاحقًا)، لكن البعض أكد أن السيسي تابعًا لمرسي ومنهم الناشطة نوارة نجم والتي قالت «السيسى مع مرسى، والجيش نازل بأوامر مرسى، والسيسى كان بيصفق لمرسى امبارح، مرسى هدد أى حد يشتمه بإنه حيحاكمه عسكريًا لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة.. والسيسى يهز رأسه ويصفق».
لم تفارق لعنة يونيو الإخوان فجاء يوم الـ 30 منه ليعلن بداية النهاية لحكمهم الذي بدأ في نفس الشهر قبل عام، ومع مطلع يوليو جاءت لعنة جديدة حين أمهلت القوات المسلحة كافة القوى السياسية مدةً مقدارها 48 ساعة للوصول إلى حل وهو مالم يحدث فكان بيان 3 يوليو الذي أزاح الإخوان عن الحكم فعليًا، ثم وصل السيسي عدوهم اللدود إلى الحكم في نفس شهر وصولهم للحكم (يونيو) لكن في العام التالي.
مفارقة دراماتيكية مع زيارة اللواء عباس كامل لغزة
كان آخر شكلٍ من أشكال اللعنة في شهر مايو 2021 حيث نجاح مصر في إيقاف الحرب الصهيونية الغزاوية ثم تمكن مصر من السيطرة اللوجسيتية على غزة وزيارة اللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية للقاء زعيم حركة حماس.
لكن زيارة اللواء عباس كامل لغزة تحمل في طياتها مفارقات اللعنة الزمنية على الجماعة، ففي يوليو سنة 2013 أعلنت غزة عن بَكْرَة أبيها هجومها على السيسي وزيرًا للدفاع ثم رئيسًا، ولأول مرة تخصص مساجد غزة الدعاء على رئيس مصري وامتد هذا حتى إلى المسجد الأقصى حين رُفِعَت صورة مرسي بداخله مع دعاءٍ على السيسي.
وبعد سنوات رُفِعَت صور السيسي داخل غزة إلى جانب أعلام مصر في مايو 2021 وأعلنت حركة حماس بشقيها القطري والغزاوي دعمهم للرئيس السيسي وكان رد فعلهم إزاء زيارة اللواء عباس كامل لغزة هو الأول من نوعه في تاريخ رؤساء المخابرات المصرية، الأمر الذي أصاب الإخوان في تركيا بالحسرة والصدمة مثل وليد شرابي والذي كتب لأهل فلسطين «حنانيكم علينا أيها الاشقاء فبعض الافعال وبعض التصريحات تؤذينا».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال