همتك نعدل الكفة
90   مشاهدة  

بعض أعمال رمضان ٢٠٢٥.. بين التشوه البيئي والاستعلاء على الجيل الجديد

الجيل الجديد


شهدت الدراما المصرية في الموسم الرمضاني لهذا العام تقديم عدة مسلسلات تناولت البيئة الشعبية بصفتها جزءًا أصيلًا من تكوين المجتمع المصري، بل وظهرت محاولات حقيقية وجادة للخروج من عباءة “الكومباوند”، متجهةً إلى الشوارع المصرية الحقيقية. وقد برز التصوير الخارجي في العديد من المسلسلات، في شوارع معروفة للجميع مثل وسط البلد، وشارع المعز لدين الله الفاطمي، واللبيني، وغيرها، في مسلسلات مثل “قلبي ومفتاحه”، و”ولاد الشمس”، و”٨٠ باكو”.

ورغم الدراية التامة بمدى صعوبة التصوير الخارجي، خاصةً في الأماكن الأكثر حيوية بالقاهرة والجيزة، فقد كان واضحًا بشدة هذا السعي نحو تأصيل الهوية المكانية، حتى يتسنى للمتلقي الاندماج مع الشخصيات وتصديق أفعالها. إذ يتصور البعض أن المكان غير مهم مقارنةً بأهمية الأداء التمثيلي والسيناريو والتفاصيل الإخراجية، إلا أن للمكان أهمية خاصة ودقيقة للغاية، تؤثر في رسم المشهد والحدث على مستوى الأداء وتكوين الصورة، وأيضًا على مستوى الدراما ككل.

ومع ذلك، يجب فهم ومراعاة أنه إذا كان الحدث والبناء الدرامي والمشهد يتطلب التصوير في مثل هذه الأماكن، تتحقق المعادلة ويُحقق الغرض المطلوب دراميًا، لكن إذا لم يكن ذلك ضروريًا، وكان استعراض المناطق وجمال الأماكن بلا هدف أو غرض درامي، فهذا يجعله أشبه بالتوثيق لجمال المدينة، دون أن يُثري الدراما أو العمل الفني.

حيث كان انتماء شخصيات قلبي ومفتاحه لحي اللبيني مؤثرًا في رسم ملامحهم، وظهر ذلك في شخصية أسعد، الذي ينتمي إلى بيئة شعبية، لكنه في الوقت نفسه يتمتع بغنى فاحش، ومع ذلك يغلب عليه الطابع الشعبي وفقًا لبيئته ونشأته. كما انعكس أيضًا مستوى القرب في مثل هذه الأحياء بين الجيران، وهو ما استطاع السيناريو، الذي كتبته مها الوزير وأخرجه تامر محسن، توظيفه لتأسيس قصة حب بين مهجة ونصر منذ زمن، استنادًا إلى قِدَم هذا الحي. إلى جانب ذلك، برزت أهمية المكان في لقاء طرفي قصة الحب الأساسية في العمل، وهما ميار وعزت.

قلبي ومفتاحه
قلبي ومفتاحه

كذلك الحال في مسلسل “ولاد الشمس” من إخراج شادي عبدالسلام، حيث التمركز حول محيط وسط البلد، بصفتهما شابين خرجا من سجن الملجأ إلى الشارع المزدحم، محاولين البحث عن ذواتهما، وعن الأم المفقودة لولعة، بالإضافة إلى البحث عن الحب أيضًا، لكل منهما: ولعة ومفتاح (أحمد مالك، وطه دسوقي). تعبر وسط البلد عن تلك الزحمة المقصودة ورحلة البحث في وجوه الناس عن أشخاص مفقودين ومشاعر مفقودة أيضًا.

الجيل الجديد

إضافةً إلى ذلك، ينبغي وضع جملة من تتر مقدمة المسلسل، غناء بهاء سلطان، في الاعتبار: “إيه يا عم، العالم بره عاملين كده ليه؟”، والتي تعكس فكرة وجود عالم داخلي نشأ وتربى فيه كل منهما، ومن ثم خروجهما إلى عالم خارجي مزدحم مليء برحلة من البحث والأسئلة. لذا، كان اختيار وسط البلد، بصفتها منطقة مزدحمة ومليئة بالعديد من الطبقات الاجتماعية، وتُعتبر مركز القاهرة، اختيارًا موفقًا.

الجيل الجديد

يتقاطع هذا مع مسلسل “٨٠ باكو”، حيث تدور أحداثه حول كوافير لولة في وسط البلد، إذ يتردد عليه العديد من الزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية، نظرًا لأن الحدث يتطور يوميًا بناءً على ضيوف الكوافير وزبائنه، ورحلة جمع الـ٨٠ باكو من خلالهم. فإذا كان الكوافير في منطقة شعبية بحتة، لم يكن هناك تنوع في مستويات الزبائن، وكذلك إذا كان في حي راقٍ أو داخل كومباوند.

البيئة الشعبية: حارة تلفزيونية بلا روح

مثلما ظهرت أعمال تدرك أهمية المكان في الحدث وتكوين الشخصيات وتطور الدراما، ظهرت أيضًا أعمال أخرى تقدم الطبقة الشعبية بنظرة فوقية، أو تعرض تصوراتها الخاصة عن هذه الطبقة بدلًا من تقديم الحقائق كاملة. مع الإشارة والتأكيد على أن النداء الدائم بالواقعية قد يخل بالأعمال الفنية، فالمدارس الدرامية متعددة، بين الواقعية، والواقعية السحرية، والسريالية، وغيرها، وتحتوي كل مدرسة على تفاصيل ومصطلحات لا حصر لها.

وربما يفضل صانعو الدراما في الآونة الأخيرة الانتماء إلى الواقعية قدر المستطاع، حتى يتمكنوا من الوصول إلى المتفرج. قد تكون هذه وجهة نظر لا أتفق معها كليًا، لكن إذا ارتضيتَ، كصاحب عمل، أن تقدم واقعيتك، فعليك تحمل نتائج اختيارك، والتي تتضمن في أولها تقديم شوارع حقيقية وبيئات شعبية وحياتية قريبة مما يعيشه الناس.

الجيل الجديد

لكن إذا تم تصوير مسلسل مثل “العتاولة”، إخراج أحمد خالد موسى، في ديكورات لا تشبه أحياء الإسكندرية، فقد العمل هويته المكانية، فضلًا عن فقدانه لهويته كعمل فني يحتوي على بناء درامي وحبكة متماسكة، خاصة في جزئه الثاني. كما أنه لم يحقق الهوية البصرية الملائمة للمكان المختار لسير الأحداث. وعلى نفس النهج، يأتي مسلسل “سيد الناس”، من إخراج محمد سامي، حيث بدا واضحًا أن الديكورات المصممة للعمل لم تكن مقنعة للمشاهد على الإطلاق.

الجيل الجديد

لا ضرر من استخدام الديكور، بل على العكس، فهو عنصر أساسي من عناصر الدراما، ولا تكتمل العملية الفنية بدونه، لكن ظهوره الواضح كديكور مصطنع، وليس كبيئة شعبية حقيقية، أفقد العمل ماهية الواقعية التي حاول أن يتغنى بها. وعلى شاكلتهما، يأتي مسلسل “شباب امرأة”، حيث لم تقتصر المشكلة على وضوح الديكورات المصطنعة، بل امتدت إلى ملابس بطلة العمل، غادة عبد الرازق، التي ارتدت الكثير من الأزياء الخليجية التي لا تتسق مع البيئة الشعبية. ومن هنا تظهر تلك النظرة المتعالية لدى بعض صُنّاع الدراما حول تصوراتهم الخاصة عن المجتمع الشعبي، إضافة إلى غياب الاجتهاد الفني الكافي، سواء على مستوى تصميم الأزياء أو طريقة الحوار، التي جاءت مليئة بالصراخ والمبالغة.

تعالي من نوع آخر

الجيل الجديد

على غرار ذلك التعالي، ولكن في سياق آخر، يأتي مسلسل “عايشة الدور”، تأليف أحمد الجندي وكريم يوسف، وإخراج أحمد الجندي، الذي حاول تقديم تصور عن الجيل الجديد (Gen Z).

إقرأ أيضا
الجيل الجديد

تدور أحداث المسلسل حول “عايشة” (دنيا سمير غانم)، وهي امرأة في الثلاثينيات من عمرها، ترعى أولادها، وتمتد رعايتها إلى شقيقتها التي تعيش في أمريكا وابنتها “فاتيما”، الشابة العشرينية التي تفتقد إلى التفاهم مع والدتها. تصطدم “فاتيما” بوالدتها عند رغبتها في العودة إلى مصر لإكمال دراسة المسرح في إحدى الجامعات بالقاهرة، بينما ترفض الأم ذلك. تقف “عايشة” إلى جانبها، وتساعدها في تقديم أوراقها الجامعية، لتجد نفسها منخرطة في عوالم الشباب، وتقرر أن تقدم نفسها لهم بصفتها “فاتيما”، الفتاة العشرينية. ومن هنا، يبني المسلسل درامته وكوميديته على التصادم بين الأجيال.

وقع العمل في فخ التعالي على جيل (Gen Z)، سواء في استخدام مصطلحاتهم أو في تصوير طرق تعبيرهم عن أنفسهم. ويعود ذلك إلى أن القائمين على العمل ينتمون إلى جيل أكبر، فجاءت طريقتهم في التعبير عن هذا الجيل ذات طابع سلطوي، حتى عند تناول مشكلاتهم الأسرية. قُدمت هذه المشكلات من منظور أبوي بحت، إذ وضعت الدراما في طريقهم الأم الثلاثينية لتساعدهم في حل أزماتهم، وكأنهم سذّج لا يعرفون سوى عبارات مثل (طرش، تحفة، جامد) وفقط.

لماذا لا تفهم الدراما الشباب؟

في العام الماضي، انتشرت جملة “هو إحنا في التسعينات؟”، التي قالتها إحدى الممثلات الشابات في مسلسل “كامل العدد”، وأصبحت تريند يُعبّر عن سذاجة هذا الجيل الأحدث. وربما بنى مسلسل “عايشة الدور” درامته هذا العام على الفكرة ذاتها، ولكن دون فهم متعمق وحقيقي لشخصياته.

يظهر الجيل الجديد في الدراما مهتمًا بالمظاهر والمصطلحات الحديثة، مُهمِلًا دراسته لصالح اهتمامات أخرى سطحية تشبهه!

هناك رغبة دائمة في السيطرة على هذا الجيل، في توجيهه وإصلاحه بدلًا من تفهّمه. هذا المنظور الأبوي لم يعد مقبولًا اليوم، خاصة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم. الشباب اليوم ليسوا مجرد امتداد للجيل السابق، بل لديهم ثقافتهم الخاصة، لغتهم المختلفة، وحتى أولوياتهم التي قد لا تتماشى مع رؤية الأجيال الأكبر سنًا. لكنها تستحق الانغماس فيها إذا كنا بحق نريد تقديم دراما عنهم، وليس دراما تسخر من تصرفاتهم.

هذه التحديات، سواء في تقديم البيئة الشعبية أو في تصوير الأجيال الجديدة، لا تعني أن الدراما المصرية تفتقر إلى الإبداع، لكنها تكشف عن حاجتها إلى مقاربات أكثر دقة ومرونة. من الضروري أن يعمل صناع الدراما على تطوير أساليبهم، سواء من خلال البحث الميداني أو إشراك أصوات أكثر تنوعًا في عملية الكتابة، حتى تقترب الأعمال من الواقع. فماداموا قد ارتضوا الواقعية ونادوا بها، فعليهم إذًا ألّا يغتربوا عنها.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان