بـ101 مليون دولار .. مصر تعزز حضورها في قطاع الملابس بالسوق التركية

شهدت التجارة العالمية في قطاع الملابس الجاهزة تحولات ملحوظة في السنوات الأخيرة، مع دخول الأسواق العالمية في شبكة معقدة من التبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي. في هذا السياق، تبرز العلاقة التجارية بين مصر وتركيا كحالة دراسية بارزة، تعكس كيف يمكن للتغيرات الاقتصادية والسياسات التجارية أن تؤثر على التدفقات التجارية والاستثمارية بين الدول.

صادرات مصر من الملابس الجاهزة إلى تركيا

في النصف الأول من عام 2024، حققت صادرات مصر من الملابس الجاهزة إلى تركيا رقمًا مميزًا بلغ 101 مليون دولار، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر. تعكس هذه الأرقام التوسع في التجارة بين البلدين، مشيرة إلى أن الملابس التي يشتريها الأتراك قد تكون قد بدأت رحلتها من مصانع مصرية لتصل إلى الأسواق التركية. يعكس هذا التبادل التجاري مدى تعقيد سلسلة الإمدادات العالمية وكيفية تأثيرها على اختياراتنا اليومية.

وتشير البيانات إلى أن الطلب التركي على الملابس المصرية لم يعد يقتصر على الاستيراد فقط، بل يتعداه إلى استثمارات جديدة. فقد طلبت سبع شركات تركية متخصصة في صناعة الملابس الجاهزة والصناعات المغذية نقل مصانعها إلى مصر، فوفقًا لـ”محمد عبدالسلام”، رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات المصرية. هذه الشركات تسعى للاستفادة من انخفاض قيمة الجنيه المصري لتوسيع قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.

يأتي هذا التوجه في وقت تشهد فيه تركيا تضخمًا كبيرًا وارتفاعًا في تكاليف التصنيع، مما عرقل خطط نمو الشركات التركية. في المقابل، يقدم انخفاض قيمة الجنيه المصري وتكلفة العمالة التي تقل بنحو 30% عن تركيا، حوافز كبيرة للاستثمار في مصر. كما ذكرت صحيفة “Ekonomim” التركية أن مصر تتمتع بالعديد من اتفاقيات التجارة الحرة ومعاهدات الإعفاء من الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا وشمال أفريقيا ودول أمريكا الجنوبية، مما يعزز جاذبيتها الاستثمارية.

وعلى الرغم من أن الاستثمارات التركية في مصر قد زادت بمقدار 3 إلى 5 مرات في عام 2007 مقارنة بالفترات السابقة، إلا أن تدفق الاستثمارات الجديدة لم يكن كبيرًا. حاليًا، تدير حوالي 35 شركة تركية في مصر، التي تساهم بنحو ثلث سوق المنسوجات والملابس في البلاد، وتصل استثمارات هذه الشركات إلى حوالي 1.5 مليار دولار. ويُتوقع استثمار 500 مليون دولار إضافية خلال عامي 2023 و2024. كما تجاوزت مبيعات هذه الشركات في السوق المحلية مليار دولار، وخاصة في قطاع النسيج، حيث تنتج الشركات التركية نحو ثلث إجمالي صادرات مصر من المنسوجات والملابس.

ضوابط جديدة للمناطق الحرة

في ضوء هذه التوجهات الاستثمارية صوب مصر، تسعى الحكومة المصرية لتوفير بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات التركية. وقد أعلن “حسام هيبة”، رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، عن إصدار ضوابط جديدة لطرح مناطق حرة خاصة للمشروعات الجديدة. تأتي هذه الخطوة ضمن إطار جهود الحكومة لتخفيف الاشتراطات الخاصة بمشروعات المناطق الحرة، مما سيساعد على جذب المزيد من الاستثمارات، خاصة في قطاع الملابس والنسيج.

في الوقت ذاته، شهدت صادرات الملابس المصرية إلى تركيا بعض التغييرات في الإجراءات التنظيمية. فقد أصدرت وزارة الاقتصاد التركية تعليمات جديدة تتطلب تسجيل الشركات المصرية المنتجة للملابس لدى اتحاد مصدري الملابس والمنسوجات في إسطنبول “ITKIB”. تهدف هذه الإجراءات إلى ضمان التزام الشركات المصرية بالمعايير المطلوبة للسوق التركية، لكن قد تؤثر هذه الشروط على تدفق الصادرات، حيث يعبر بعض أعضاء المجلس التصديري للملابس الجاهزة عن قلقهم من تأثيرها على صادراتهم.

جدير بالذكر أن تركيا تعد واحدة من أبرز الدول في صناعة الملابس والمنسوجات، وتشتهر بجودة منتجاتها وأسعارها المنافسة. إضافة إلى ذلك، فإن سهولة الشحن من موانئ تركيا وتقديم لوائح داعمة لقطاع التصدير تسهم في زيادة الإقبال على المنتجات التركية. وقد استفادت الشركات التركية من انخفاض الأسعار والتقنيات الحديثة في الإنتاج، مما يجعل استيراد الملابس من تركيا خياراً جذاباً للعديد من الأسواق.

فرص استثمارية جديدة صوب مصر

شهدت الفترة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من الشركات التركية في إقامة مشروعات جديدة في مصر. على سبيل المثال، حصلت شركة شيريكجي أوجلو التركية على موافقة لإقامة مشروع لتصنيع الجينز في محافظة بورسعيد بتكلفة استثمارية تبلغ 700 مليون دولار، ومن المتوقع أن يوفر نحو 5000 فرصة عمل. كما تدرس شركات تركية أخرى مثل يشين جروب وسيلفرلاين توسيع استثماراتها في السوق المصري.

إقرأ أيضا

“150 سنة من حماية مصر للصومال” وتواطئ تاريخي بين الحبشة والغرب لتعطيل الجهود

في نفس السياق تستهدف مصر رفع صادراتها من الملابس الجاهزة إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030، مقابل 2.5 مليار دولار في الوقت الحالي. وتعمل الحكومة والمجلس التصديري للملابس الجاهزة على تعزيز هذا الهدف من خلال جذب الاستثمارات التركية، التي تمثل جزءاً أساسياً في تحقيق هذا الطموح. التوسع في هذا القطاع يعتمد على مدى نجاح الجهود الحكومية في تحسين بيئة الأعمال وتوفير الدعم اللازم للمستثمرين.

وأخيرًا تشير التطورات الأخيرة في قطاع الملابس الجاهزة بين مصر وتركيا إلى فرصة كبيرة لتطوير التعاون الاقتصادي وزيادة الاستثمارات بين البلدين. ومع التحديات الحالية، تبقى هناك إمكانيات كبيرة للاستفادة من التغيرات الاقتصادية والفرص الاستثمارية لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بما يعود بالنفع على الاقتصادين المصري والتركي على حد سواء.

اقرأ أيضًا : تحركات رئيس الوزراء الأثيوبي تُشعل الصراع في القرن الأفريقي وتُثير مخاوف دولية