بليغ حمدي .. المزيكاتي الأصلي
هرب محمد فوزي بدل المرة مرات من التلحين لأم كلثوم؛ لأنه ربما كان يعلم أنها لن تحتمل خفته.. وفي إحدى هذه المرات صٓدَرَ لها شاب أسمه بليغ حمدي، كان يريد أن يصير مطرباً، لكن الظروف أخذته نحو التلحين؛ فعمل مع واحدةٍ من فنانات المونولوج على مونولوج مطلعه “حُب إيه اللي أنت جاي تقول عليه”، سمعت الست المطلع؛ فقررت أن الأغنية لها، فصار بليغ من ضمن من لحنوا للست وهو في أوائل العشرينات من عمره.. تأثر بليغ في بداياته اللحنية كما في حُب إيه، و”أنساك يا سلام” بأسلوب رياض السنباطي، وزكريا أحمد وطبعاً السيد درويش.. تعلم بعدها الموسيقى بشكل أكثر إحكاماً، وتعلم عزف البيانو على يد مُدرسين خصوصين؛ مما قفز بالموهبة للأمام قفزة كبيرة، تعرف من خلال البيانو على موسيقى الغرب، وأحدث دمجاً بين الموسيقى والتيمات الشعبية والألآت الغربية؛ فتسمع إحدى هذه التيمات مثلاً بالربع تون الكامن فيها على آلة مثل الساكس، أو تسمع لحناً غربياً أقرب للروك آند رول على كلمات الأبنودي “وأنا كل ما أجول التوبة يا بوي”.
قال د. سعد الدين حمدي الأخ الأكبر لبليغ أن بليغ من صِغره كان يعرف ما يريد، وكان عندما يُسئل ككل الأطفال “عاوز تطلع إيه؟!” كان يُجيب “عاوز أطلع مزيكاتي”، وكان في الزين ألدغاً!! لكن الغريب أنه دخل كلية الحقوق، وذهب بعد ذلك للإذاعة؛ فأعتمده محمد حسن الشُجاعي مُطرباً، لكن هناك من يؤكد أن بليغ أثناء وجوده بكلية الحقوق؛ إلتحق بمعهد فؤاد الأول المسمى حالياً بالمعهد العالي للموسيقى!!
يقول عبد الوهاب عن بليغ “الجملة اللحنية، اللي ربنا بيديها للواحد مننا في سنة، بيدي تلاتة أربعة منها لبليغ في اليوم”، لكن في موضعٍ آخر ينغز بليغ بالكلام قائلاً”بليغ جعل الجملة اللحنية سهلة؛ لدرجة أنك ممكن تسمعها بأي حاجة غير ودانك”؛ فرد بليغ “تاريخ عبد الوهاب الموسيقي: هو تاريخ الموسيقى في العالم!!” إشارة إلى إقتباسات عبد الوهاب من موسيقى وألحان آخرين.. وبعيد عن الغمز واللمز؛ فأن كلام الأستاذ عبد الوهاب يُلخص حجم موهبة بليغ، التي تنفلت من كل ذرة فيه من كلامه وكرمه ونبله وتصرفاته البوهيمية، التي أوقعته في مأساة سميرة مليان، التي يعرفها الجميع!!
عندما كان بليغ في باريس نشأ مشروع شراكة فنية بين موسيقاه وتوزيع ميشل چار، لكن تطورات قضية سميرة مليان، وإضطرار بليغ العودة للقاهرة، جعل موضوع هذا التعاون في الخلفية، حتى مات، خاصة مع مرض بليغ، الذي أكله بسرعة، وأراحه من أحزانه، ومن تطاول هنا أو تلميح هناك.. إرتاح بن الأكرمين من عبث الدنيا والناس مع موهبته الفجة الكبيرة للغاية، وإحساسة شديد الرهافة، من تنظير المحدودين حولها، وحول تقيمها.. بودعك يا بليغ بإحساس غنائك لها، وليس بإحساس غناء وردة لكلماتك وألحانك