همتك نعدل الكفة
49   مشاهدة  

“بيترو فازاي” قصة الأناركي المطارد الذي أسس تاريخ الإسعاف في مصر الحديثة

بيترو فازاي
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



سقط اسم بيترو فازاي من تاريخ رموز الأناركية في إيطاليا والعالم، وخُلِّد اسمه كأحد أبرز الذين صنعوا تاريخ الإسعاف في مصر الحديثة، رغم محاولاته الحثيثة في بث الفكر الأناركي داخل المجتمع المصري.

بيترو فازاي .. من الأناركية الإيطالية إلى الإسكندرية

بيترو فازاي
بيترو فازاي

الأناركية تعني اللاسلطوية ومبدئها الرئيسي رفض التسلسلات الهرمية في حكم المجتمع، أي أن يكون المجتمع محكومًا بجمعيات تطوعية لا مؤسسات دولة، وذلك الفكر موجودًا منذ منتصف القرن الثامن عشر، وعرف ذلك الفكر طريقه إلى مصر مع أواخر القرن التاسع عشر عن طريق المهاجرين الإيطاليين الذي كانوا أحد أبرز داعمي الثورة العرابية عام 1882م في الصحافة الأوروبية[1]، وكان من بين هؤلاء الإيطاليين الأناركيين هو بيترو فازاي الذي جاء إلى مصر في أكتوبر سنة 1898م.

اقرأ أيضًا 
قصة رجل أدخل الإسعاف في طنطا “دفع من جيبه لأعمال الخير وخدمة الماسونية”

بيترو فازاي من مواليد توسكانا في إيطاليا يوم 27 أكتوبر 1866م لأب يعمل في صناعة القبعات، ثم تأثر بأفكار الاشتراكي الأناركي أميلكير سيبرياني الذي صار عضوًا في مجلس النواب الإيطالي، وبحسب سيرته الذاتية على موقع أثينوم الأناركي الإلكتروني، فقد كان بيترو ضمن الذين يعملوا في دعمه إنتخابيًا؛ ثم زاد نشاطه عندما كتب في سلسلة صحف تدعم الفكر الأناركي بإيطاليا.

أميلكير سيبرياني
أميلكير سيبرياني

الصدام بين بيترو فازاي والشرطة الإيطالية حدث في فبراير سنة 1884م عندما وقع بيترو على ورقة التضامن مع إريكو مالاتيستا الذي خاض عمليات عسكرية ضد العائلة المالكة في إيطاليا ثم هرب إلى مصر سنة 1882م لقتال قوات بريطانيا في الإسكندرية ليهرب ويعود لنابلولي ثم يصدر قرار باعتقاله ليهرب بعدها؛ وإن كان مالاتيستا نجح في الهرب من شرطة إيطاليا، إن بيترو لم ينجح في الشيء نفسه، فتم القبض عليه في مارس 1885م، وصدر حكم بسجنه 4 سنوات.

إريكو مالاتيستا
إريكو مالاتيستا

هرب بيترو ڤازاي إلى فرنسا وعمل مصفف شعر، وهناك ألقي القبض عليه بتهمة رفع ملصقات تدعم الثورة الفرنسية الرابعة، لكنه لم ينل حكمًا على تلك الجريمة وإنما حكم عليه بالسجن 4 أشهر بتهمة التشرد، إلى أن تم تسليمه سنة 1885م للسلطات الإيطالية وبقي في السجن سنتين حتى خرج بعفو في 5 يونيو 1887م وعاد إلى فلورنسا.

أخبار اعتقال بيترو فاساي تظهر في صحيفة مرسيليا
أخبار اعتقال بيترو فاساي تظهر في صحيفة مرسيليا

عمل بيترو ڤازاي بعد العفو عنه في الصحافة، ثم عاود نشاطه الأناركي سنة 1891م فتم القبض عليه ومحاكمته مع 46 شخصًا، وصدر حكم بسجنه سنتين، أمضى واحدةً منها في السجن والأخرى خارج إيطاليا منفيًا إلى تونس، فخرج منها إلى مارسليا وهناك تعلم مهنة الطباعة وأصدر جريدة أوكسيتاني الثقافية، فعاد إلى السجن بسببها، وبقي منذ 1895م حتى 1897م في لعبة قط وفأر بينه وبين السلطات الإيطالية انتهت بنفيه إلى مصر.

خبر اعتقال بيترو فاساي في فرنسا
خبر اعتقال بيترو فاساي في فرنسا

في أكتوبر سنة 1898م أبحر بيترو ڤازاي من مالطة إلى الإسكندرية، وهناك أسس جمعية أناركية لم يكتب لها الاستمرار بسبب الخلافات التنظيمية، التي حاول رأب صدعها، لكن سرعان ما تم كشف أمر التنظيم فتم القبض عليه وسجنه في ترسانة الإسكندرية، لينال حكم بالبراءة في 16 يناير 1889م.

بعد خروج بيترو ڤازاي من سجن الإسكندرية قابل جوزيف روزنتال الأناركي اليهودي صاحب الأصل اللبناني وأسس جريدة لا تريبونا ليبرا وأصدر منها عددين، إلى أن تفشى وباء الكوليرا في الإسكنرية وكان بيترو حينها مقيمًا في شارع حمام الذهب بالعطارين، فنادى بتأسيس الرابطة الدولية للمساعدات الطبية الطارئة بالإسكندرية والتي كانت نواة تاريخ الإسعاف في مصر.

كيف وضع بيترو فازاي اللبنات الأولى للإسعاف في مصر

صورة بيترو ڤازاي في متحف الإسعاف بالإسكندرية
صورة بيترو ڤازاي في متحف الإسعاف بالإسكندرية

لم يتخلى بيترو ڤازاي عن نشاطه الأناركي، لكن غلفه بالعمل في الإسعاف داخل الإسكندرية بين 1902م حتى 1907م، لكن لم يكن محسوسًا به إلى أن وصل للقاهرة؛ وفي 13 مايو سنة 1907م استأجر بيترو فازاي مع 6 من أصدقاءه محلاً صغيرًا في شارع المدابغ ليجعله مقرًا لجمعية إسعاف لقنل الجرحى على نقالة تحمل على الأكتاف، وكان ذلك المقر في شارع المدابغ (شارع شريف حاليًا)، وأقيم فوق ذلك المقر عمارة رباط.

بيترو فازاي ومتطوعين الإسعاف في بداية التأسيس
بيترو فازاي ومتطوعين الإسعاف في بداية التأسيس

ومع حملة تبرعات واسعة نجح بيترو في شراء منزل كبير في شارع جامع جركس (شارع صبري أبو علم الآن) وجعلوه مقرًا للجمعية، وضموا إليه متطوعين وظلوا هكذا طيلة 5 سنوات، إلى أن تلقوا دعمًا حكوميًا عندما منحتهم الحكومة المصرية سنة 1915م قطعة أرض عند تقاطع شارع الملكة نازلي (شارع رمسيس) مع شارع فؤاد (26 يوليو حاليًا).

ومع الدعم الحكومي الكبير تهافت الناس في القاهرة على دعمهم ماليًا بالتبرعات حتى وصل عدد المتطوعين إلى 300 شاب كانوا هم نواة جمعية الإسعاف المصرية، والتي أعلنت أن أغراض الجمعية هي تقديم الإسعاف الطبية الأولية لضحايا الأخطار والجرحى والمصابين، والقيام بنقلهم وإسعافهم بالعلاج والقيام بما لها من الوسائط لمساعدة المنكوبين، وتقدم الخدمات الطبية عند انتشاء الأوبئة.[2]

 تمرينات متطوعو جمعية الإسعاف في مصر
تمرينات متطوعو جمعية الإسعاف في مصر

مما يثبت أن بيترو ڤازاي لم يتخلى عن نشاطه الأناركي حينها لدرجة أنه ربما اتخذ من تلك الجمعية ستارًا لحقيقته، أنه أسس صحيفة اسمها L’Unione (الاتحاد) وكانت من أعنف الصحف المعارضة للحكم الملكي في إيطاليا وقت الحرب العالمية الأولى، فتمت محاكمته في 27 نوفمبر 1914م داخل المحكمة القنصلية الإيطالية في القاهرة، وصدر حكم بالبراءة، فخرج من السجن وعاود نشاطه للعمل في الإسعاف.

إقرأ أيضا
سعاد حسني أهم ممثلة

حققت جمعية الإسعاف نجاحات كبيرة، في الفترة من 1915م حتى 1930م، فقد تكون منها عدة فروع (3 في أسيوط، و3 في جرجا وأسوان ودمياط) ناهيك عن فرعيّ القاهرة والإسكندرية، ثم لقيت شهرة أكبر عندما أسست صيدلية الإسعاف سنة 1919م، وبعدها تأسيس عيادة خاصة لمعالجة مصابي الحوادث سنة 1927م؛ ومن آثار تأسيسها أن عدد الخدمات التي قدمتها الجمعية سنة 1929م وحدها وصلت لـ 45113 علاج مصابي حوادث، و9407 تطعيم في القاهرة، و715 تطعيم في الإسكندرية و2746 خدمات متنوعة في مصر الجديدة و1039 خدمات في حلوان.

تطعيمات جمعية الإسعاف
تطعيمات جمعية الإسعاف

إلى جانب ذلك فإن عدد الذين عولجوا من الفقراء سنة 1929م وصلت إلى 259756 مريضًا وعلاج 1472 منهم بالأشعة مجانًا، وقد تم تخليد هذه الإنجازات في متحفٍ خاص بالإسعاف في محافظة الإسكندرية سنة 1928م حيث كانت المكان الذي شهد نواة الفكرة على يد بيترو ڤازاي.[3]

لم يتمكن بيترو ڤازاي في رؤية الإنجازات التي حققتها الجمعية لما تأسست عمليًا في القاهرة سنة 1915م، فبعد براءة من تهمة النشاط الأناركي في القاهرة سافر إلى فلورنسا في 7 يوليو 1916م وتم وضعه تحت المراقبة في بلدة ليورنا في توسكانا، ومات في 11 ديسمبر 1916م بمرض السل في فلورنسا، وتم إسقاط نشاطه الأناركي وتخليده كمؤسس للإسعاف بوضع تمثال له في مدخل الجمعية.

تمثال بيترو ڤازاي في متحف الإسعاف بالإسكندرية
تمثال بيترو ڤازاي في متحف الإسعاف بالإسكندرية

[1]  أنور مغيث، الأناركية .. عاصفة في الفكر السياسي، مجلة المجلة في إصدارها الثاني عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ع1، إبريل 2012م، ص76.
[2]  لطفي عثمان، عامل يؤسس أكبر جمعية تخدم الإنسانية، مجلة الدنيا المصورة، ع51، يوم 7 إبريل 1930م، ص14.
[3]  محرر، افتتاح جمعية الإسعاف في الإسكندرية، مجلة المصور، ع213، يوم 9 نوفمبر 1928م، ص4.

الكاتب

  • بيترو فازاي وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان