بيت لحم .. عناق الهلال بالصليب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
“قلبنا الليلة في بيت لحم”، هكذا قال البابا فرنسيس خلال قداس عيد الميلاد، تضامنًا مع مدينة بيت لحم وما حَلّ عليها من ظلام الحرب الضروس بين المقاومة في قطاع غزة، وعصابات الكيان الصهيوني في مقدمتها جيش الاحتلال .. ودائمًا ما كانت بيت لحم مكان هي رمز المسيحية في العالم، حيث كونها مسقط رأس عيسى بن مريم .. وعلى الرغم من إنها رمزًا للمسيحية إلا إن المدينة تتمتع بقداسة من جميع الديانات حول العالم .. وفي ذلك كتبت “كارين أرمسترونج” المؤلفة البريطانية مقال أشبه بدراسة كاملة بعنوان “الرسول المسلم الذي ولد في بيت لحم” نشرته جريدة الفجر نقلًا عن صحيفة الجارديان في عام 2007 .
اسم كارين أرمسترونج مرتبط دائمًا بأشهر كتابين لها .. هما “معارك في سبيل الإله” .. و”محمد رسول عصرنا هذا” .. كلا الكتابين إضافة إلى باقي مؤلفات كارين أرمسترونج، يكشفان عن نزعة إنسانية عميقة لدى كتابتهما .. نزعة، تجعلها تجيد التغاضي عن الفوارق بين الديانات .. والثقافات .. والحضارات .. لتنتظر دائمًا إلى ما هو أعمق .. وأكثر تأثيرًا .. تحمل كارين أرمسترونج أراءها الخاصة التي تثير دهشة البعض، واستنكار البعض الآخر .. ولكنها تجبرك على احترامها في كل الحالات.
نحن ننشر مقال كارين أرمسترونج : عندما فتح المسلمون مكة .. لم ترق دماء في هذا الفتح .. ولم يجبر أحد على اعتناق الإسلام .. لكن الرسول محمد أمر أتباعه بتحطيم كل الأصنام العديدة في الكعبة .. بعدد الديانات التي كانت سائدة وقتها .. ويروي أن أحدها كان يمثل السيدة مريم العذراء حاملة طفلها السيد المسيح .. وعلى الفور، أحاط الرسول تمثال مريم العذراء وطفلها بعباءته، وأمر ألا يمسه أحد .. وأن يدمر أتباعه كل الأصنام الموجودة في الكعبة، إلا هذا التمثال.
ربما يفاجأ الغربيون بهذه القصة، خاصة وهم ينظرون إلى الإسلام على إنه العدو التقليدي للمسيحية، منذ زمن الحروب الصليبية .. لكن .. ربما كان من الخير لنا أن نذكر هذه القصة في زمن أعياد الميلاد، الذي تمتلئ فيه أرواحنا بالتسامح، وتحيطنا فيه تماثيل تشبه تلك التي منع الرسول محمد تحطيمها .. والواقع، أن المسلمين ظلوا لقرون طويلة يقدسون المسيح، الذي حظى بتكرين هائل في القرآن، واعتبروه واحدًا من أعظم الرسل في تاريخ البشرية، في الوقت الذي صار فيه السيد المسيح، عنصرًا أساسيًا في تشكيل الهوية الإسلامية الوليدة، في سنوات الإسلام الأولى.
إن القرآن لا يعترف بألوهية المسيح، لكنه يخصص جزءًا كبيرًا من آياته للحديث عن قصة ميلاد المسيح من رحم مريم العذراء كما وردت في العهد الجديد .. ويعتبر القرآن أن ميلاد المسيح قصة محملة بالرموز .. وتشير إلى بعث روح الله في كل البشر .. لقد ألقى الله روحًا منه على مريم العذراء التي حملت بالمسيح عيسى .. وصار كما يصفه القرآن .. آية للناس ورحمة منه .. آية .. تحمل السلم، والتعاطف والرحمة إلى العالم كله.
يرفض القرآن فكرة ألوهية المسيح مرارًا وتكرارًا .. وينفي بشدة ما تردده المسيحية من أن المسيح هو ابن الله .. ويؤكد في أكثر من موضع، أن المسيح، مثله مثل محمد .. رجل من البشر .. وأن المسيحيين أساءوا تفسير نصوص كتابهم المقدس في هذا الصدد .. ولا يعرف الحقيقة إلا رهبانهم، والراسخون في العلم منهم .. ولكن .. وبعيدًا عن هذه النقطة الخلافية، فإن القرآن ينظر إلى المسيحيين من بين عباد الله جميعًا .. والواقع أن هناك عددًا كبيرًا من المسيحيين يحملون تفسيرًا مبسطًا، وربما مسطح، لما ورد في أناجيل متى وبولس مرقص ولوقا، من وصف للمسيح بأنه “ابن الله” .. ولم تكن الأناجيل الأربعة تشير إلى المسيح على إنه ابن الله بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما استخدموا الكلمة بمعناها العبري .. إن الكتاب المقدس المكتوب بالعبرية، يضفي وصف ابن الله على رجل، وبشري عادي .. سواء كان ملكًا أو كاهنًا أو رسولًا، حمله الله بمهمة مقدسة، وصار يتمتع بدرجة عالية من القرب منه ونرى أن إنجيل لوقا يتسق كثيرًا مع ما ورد في القرآن .. عندما يشير أكثر من مرة إلى المسيح على أنه رسول .. وحتى يوحنا، الذي كان يؤكد على وجود فارق، حتى وإن كان دقيقًا، ما بين الكلمة الخالدة، وبين الله نفسه .. بنفس المنطق الذي تكون فيه كلماتنا منفصلة به هم ذواتنا وأنفسنا.
ويظهر افتتان المسلمين افتتان المسلمين بالمسيح أمر آخر لم يعد موجودًا اليوم .. ففيما مضى .. كان المسلمون قادرين على القيام بنوع من النقد الذاتي .. المثمر، والبنّاء .. وربما تكون أمامهم اليوم فرصة، في ذكرى مولد عيسى الرسول، لكي يعيدوا إحياء تقاليدهم العريقة التي تنص على التعددية، وقبول واحترام الديانات الأخرى .. ومن جانبهم .. يمكن أن ينظر المسيحيون إلى الود الذي كان المسلمون ينظرون به إلى دينهم، ثم ينظروا إلى أنفسهم .. وماضيهم .. وتاريخهم .. ليطرحوا على أنفسهم سؤالًا واحدًا : ما الذي فعلناه نحن لكي نعمق من الاحترام الذي يحمله المسلمون لديننا.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال