بين الإشادة والمطالبة بالإغلاق “ما هو مستقبل منصة تكوين وتقييم عملها التاريخي”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وصل عدد فيديوهات منصة تكوين إلى 74 فيديو أغلبهم قبل إطلاق فعاليات المنصة يوم 6 مايو 2024م، واتسمت تلك الفيديوهات بالتنوع من حيث الأفكار، بين التطرف والتدين الشعبي والفلسفة، ومنها فيديوهات لها صلة بالأحكام الشرعية مثل حدود الرجم والجلد والردة، وفيها فيديوهات لها صلة بالعلوم الشرعية كالحديث النبوي والسيرة، ومنها ما له صلة بالتاريخ الإسلامي.
فور إطلاق منصة تكوين هوجمت هجومًا عنيفًا، فالبعض أرجع سبب إنشاءها إلى نشر الفكر الإلحادي، وآخرون طالبوا بإغلاقها نهائيًا، وعجت السوشيال ميديا بمواقفها، فحسابات ذكرت أن الأزهر أسس منصة تبيان للرد على تكوين، وكان ذلك خطأ كون أن منصة تبيان أطلقت قبل تكوين بسنوات بعيدة ولم يكن إنشاءها من قبيل رد الفعل.
لكن على الصعيد الرسمي كان موقف الأزهر بعيدًا عن ما تتناوله السوشيال ميديا، فهو لم يعارض تأسيسها ولم يهاجم مؤسسيها، باستثناء ما ذكره الدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء والذي قال تصريحًا متوازنًا وهو أن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء حقيقة ما ينشر عن تكوين كيان للنيل من ثوابت الدين وأخلاقيات وقيم الأمة، وسيتم اتخاذ ما يلزم بعد الوقوف على الحقيقة.
محتويات القصص التاريخية في منصة تكوين بالكاد تكون قليلة، فهناك 3 فيديوهات فقط لهم صلة بالتاريخ الإسلامي والسيرة النبوية، أحدهم له صلة بالسيرة النبوية وهو فيديو قدمته هناء السعيد عن السيدة خديجة بنت خويلد، واثنين قدمهما أحمد سعد زايد عن اغتيالات خلفاء الدولة الراشدة.
لم يقدم أحمد سعد زايد ولا هناء السعيد بأي جديد فيما يقولوه، فما ذكروه مجرد نقل للقصص من الكتب التاريخية التراثية دون تحليلها أو ابتكار أشياء جديدة سبق وأن تكلم فيها غيرهم، فهم بذلك لم يضيفوا أي جديد نهائيًا.
بشأن حلقة هناء السعيد عن السيدة خديجة فهي لم تقدم جديدًا، لكن في مقدمة البرنامج عيب كارثي سيودي بها إلى الفشل السحيق وهو خلو اللباقة منها في الشرح، فليس مطلوبًا منها أن تقول سيدنا قبل النبي أو الرسول، وليس مطلوبًا منها الترضي على السيدة خديجة ولا حتى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهي وطريقتها ومدى لباقتها وتأدبها.
لكن ذكر اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم مجردًا من (النبي) و (الرسول)، فيه عدم لباقة سيؤدي إلى (الفصلان) منها أكثر من كونها فصيلة لعدم تقديم شيء جديد؛ يضاف إلى ذلك أن الرسومات التعبيرية الموجودة في الفيديوهات لكي تشرح محتواها، ليس لها صلة بالمحتوى أصلاً فهي أزياء تنتمي للعصور الحديثة أو لبلاد أخرى.
لكن أكبر ملحوظة مأخوذة على هناء السعيد في حلقتها عن السيدة خديجة أنها لم تقرأ في سيرة السيدة خديجة !!، أو بالأحرى لم تفهم ما تقرأ، فهي قالت في الحلقة أن السيدة خديجة دعت بناتها هند وهالة للإسلام ولم تدعو نساء غيرهم، ومكمن الخطأ هنا أن هند وهالة ذكور وليسا بنات، واسمهما هالة وهند نجليّ مالك بن النبّاش أبو هالة التميمي، وللسيدة خديجة بنت اسمها هند من زوجها عتيق بن عائذ ولم تكن أخت شقيقة لـ هالة وهند الذكران.
أما في حلقة اغتيال الصحابي الخليفة عثمان بن عفان التي تقدمها أحمد سعد زايد فهو لم يذكر أهم نقطة في الموضوع وهو (لماذا قُتِل عثمان بن عفان أصلاً) وما هي دوافع من قتلوه وردهم عليه، والأمر نفسه تكرر في اغتيال الصحابي الفاروق عمر بن الخطاب والصحابي الإمام علي بن أبي طالب.
لكن شيء واحد يعيب حلقة عمر بن الخطاب وهو التشبيه التبسيطي للواقعة، فأحمد سعد زايد وإن كان نفى أن يكون اغتيال الفاروق عمر لثأر شخصي ورأى أن اغتياله جاء نتيجةً للفتوحات الإسلامية (لم يحدد بلاد فارس)، ونفي أحمد سعد زايد هو ما قاله جمهور من العلماء.
ومكمن العيب هو التشبيه العجيب الذي ذكره زايد، فهو قال أنك لو كنت ضمن معسكر الفارسيين الذي ينتمي له القاتل أبو لؤلؤة فهو مثل سليمان الحلبي الذي قتل كليبر المستعمر، وتلك مقاربة غريبة، فأساسًا سبب احتكاك المسلمين بالفرس هو هجمات الفرس على العراق الإسلامي، بينما هجوم الفرنسيين على مصر جاء لغرض استعماري صرف، أما سبب قتل كليبر فمختلف عليه بين هل أن سليمان الحلبي قتل كليبر بسبب ظلم أبيه وهي رواية الجبرتي نقلاً عن محاضر الفرنسيين في التحقيق مع سليمان، أم أنه جهاد ضد مستعمر وفق ما ذكره نقولا الترك.
كل ذلك يدفعنا للسؤال حول مستقبل منصة تكوين
طبقًا للفيديوهات الموجودة فإن آفة منصة تكوين وجود شخصيات حُرِقَت إعلاميًا، ولم يعد لهم تأثير ولا انتشار، وهذا يؤثر على الأفكار التي سيقدمونها (وهي أصلاً غير موجودة حتى الآن) باستثناء الحلقات التي تناولت مسائل التدين الشعبي، وعليه فإن منصة تكوين ضمنيًا ستبدأ هادئة إلى أن تقوم بإلقاء قنبلة فكرية (نأمل أن لا تكون مكررة ومن عينة المسجد الأقصى مش في فلسطين مثل يوسف زيدان إلخ) لأنه في حال الرد على التكرار سينفي أصحابها ما قالوه، وبالتالي يفقدون آخر ما تبقى لهم من ثقة عند الناس (إن كان هناك ثقة من الأساس).
في الأخير فإن المطالبة بإغلاق منصة تكوين شيء خاطئ، والصواب مناقشة الفكر بالفكر، المهم أن يكون هناك فكر.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال