رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
908   مشاهدة  

بين السما و الأرض

بين السما و الأرض


مساء يوم الإثنين ٩ نوفمبر سنة ١٩٥٩ عُلقت أفيشات فيلم بين السما و الأرض للمخرج صلاح أبو سيف أعلى قاعات السينما في مصر و هي نفس السنة التي عرضت فيها دور  السينما بفرنسا فيلم Les Quatre Cents Coups للمخرج François Truffaut.

 

ذلك الفيلم الذي كتبت عنه في المقال السابق و هو تتابع زمني قصدته بغرض الإحتفاء بصناع السينما في بلدنا ، فإذا تخيلنا عرض الفيلمين في مهرجان سينمائي واحد في تلك السنة من القرن الماضي فبالتأكيد كان الحضور من الجمهور و النقاد سيدركون إن السينما المصرية يمكن بموضوعية شديدة مقارنتها مع مثيلاتها في الدول الأوروبية ، لكن فيلم بين السما و الأرض لم ينل شهرة و إنتشار الفيلم الفرنسي لدى محبي الفن السابع حول العالم بل أنه لم يحقق في بلد إنتاجه أية إيرادات تذكر عند عرضه غير زن الزمن أنصفه عبر ستون عاماً بث من خلالها عبر الشاشات التلفزيونية المختلفة إلى جماهير عريضة في الوطن العربي و نال إعجابهم.

 

قصة الفيلم كتبها نجيب محفوظ و السيناريو لصلاح أبو سيف بالمشاركة مع السيد بدير الذي كتب حوار الفيلم عن خمسة عشر شخصاً حُبسوا في مصعد عمارة يبلغ إرتفاعها ثلاثة عشر دوراً ، هم ممثلة طاغية الأنوثة و زعيم عصابة و مجنون هارب من مستشفى الأمراض العقلية و نشال و متحرش و زوجة خائنة مع عشيقها و سفرجي و موظف متدين و مراهقة حالمة و عجوز متصابي و سيدة على وشك الولادة في صحبة زوجها و عامل المصعد و أرستقراطي مفلس ، يُكتشف إحتجازهم بالمصعد المعلق في الهواء بسبب إنشغال حراس العمارة في الثرثرة ثم تطول مدة إحتجازهم بين الجدران الأربعة لأن الأحداث تدور يوم الأجازة الإسبوعية لشركة الصيانة و التي إستغلخا مهندس الصيانة في الذهاب لحضور مباراة كرة قدم في الإستاد و هو ما يعني صعوبة العثور عليه بين آلاف الجماهير في ملعب المباراة ، ونتيجة توقف المصعد بالركاب تتعطل زيجة و يتوقف تصوير فيلم سينمائي و تتعثر عملية سرقة خزينة شركة و يتأخر تقديم الطعام في وليمة و تفشل علاقة محرمة و يتأخر لقاء عاطفي و يموت رجل عجوز بينما يولد طفل في نفس اللحظة .

أهلتنا اللقطات الإفتتاحية لأشخاص يقاومون لهيب الشمس في شوارع القاهرة بطرق مختلفة لتخيل معاناة المحتجزين في المصعد من حرارة الجو و أقنعتنا الحبكة بوجود تلك النمازج في ذلك المصعد ، بعضهم يهدف الوصول لأعلى لأسباب مختلفة و آخرين لا يرغبون في إنتهاء رحلة الصعود كالهارب و المتحرش و النشال ، و بحرفية شديدة ظهرت ملامح الشخصيات و أهدافها سريعاً في مشاهد إنتظار إستقلال المصعد و قبل تحركه لأعلى مباشرة من خلال أفعال و ردود أفعال سريعة و جمل حوار قصيرة تعبر جميعها ليس فقط عن الشخصيات و لكن كذلك عن المجتمع الذي ينتشر فيه النشل و التحرش و الخيانة و السطو المسلح و الإهمال و الطمع و أيضاً ببساطة و عدم إفتعال نفهم في تلك الافتتاحية الشيقة حدوث تغيير إجتماعي جذري في المجتمع من فصاحة لسان السفرجي الذي يمكنه من التعبير عن حقه في التساوي مع الآخرين في مواجهة شخص متعالي يبدو ساخطاً من إندماج طبقات اجتماعية فقيرة  مع طبقته في كافة مناحي الحياة و يصر على الحصول على مكان زائد عن الحد الآمن المسموح به في المصعد فتحدث نقطة التحول في الدراما و يتعطل المصعد بالجميع .

 

إقرأ أيضًا…الأستاذة هالة سرحان التي لا تعرف حمرة الخجل

 

تخلق تلك المساحة الضيقة صراعاً بين الشخصيات و بعضها فالنشال يفاجأ بزعيم العصابة يساومه ليحصل على نصف المسروقات و السيدة الحامل تفاجئها آلام الوضع و الفاتنة متضررة من المتحرش فتتشاجر معه و يضطر للإبتعاد عنها و البحث عن أخرى لكن نيته البغيضة تُكتشف أما المجنون فيضايق الجميع بعباراته المزعجة و الزوجة الخائنة تتهم عشيقها بتوريطها في فضيحة متوقعة و العجوز المتصابي يتعرض لأزمة صحية و الموظف يحاول التماسك لحاجته الملحة في التبول و صراعاً آخر يعانون منه جميعاً مع المكان لأنهم متضررين من الحر و الجو الخانق و الزحام بخلاف الصراع الذي يواجه كل شخصية مع ما يحدث في الخارج لأن التعلق في منتصف المسافة بين أرض مدخل العمارة و سماء سطوحها يسبب مشكلات في بيت العروسة المغصوبة على الزواج من المتصابي و في مقر الشركة للعصابة التي تنتظر بنفاذ صبر و قلق زعيمها ليفتح الخزنة بمهارته المعهودة و في إرتباك صناع الفيلم السينمائي الذي يتم تصويره بالسطوح بسبب تأخر الممثلة الرئيسية عن الحضور في موعدها لتقف أمام الكاميرا قبل زوال الشمس و لتُمرجية مستشفى المجانين الذي يصعدون السلالم و يهبطونها لمطاردة المجنون الهارب إضافة إلى المتضررين من طول إنتظار عودة المصعد إلى مدخل العمارة مرة أخرى ليقلهم إلى الأدوار العليا بالعمارة ، و لأن الإحتجاز يطول تتصاعد المعاناة داخل المصعد و تتوتر الأجواء خارجه و

هكذا تتطور الدراما و يستمر التوتر حتى تنهار مقاومة كل من بالداخل و تتعقد الأمور بالخارج عندما يرى أفراد العصابة مجاميع الكومبارس مرتدين زي عساكر فيتخيلون إكتشاف البوليس جريمتهم و قدومه ليقبض عليهم فيطلقون الرصاص في إتجاه الكومبارس و يعطلون تصوير الفيلم و يصيبون المتواجدين في العمارة بحالة هلع .

تنتهي الأزمة بتدخل قوات الدفاع المدني التي تهدم جداراً خارجياً و تكسر حائط بالمصعد و يخرجون المحتجزين فيكتسب بعضهم من التجربة المؤلمة إدراكاً أكثر عمقاً للحياة بينما لا يستطيع البعض الآخر تغيير نمط حياته و يعود لما كان عليه .

الحوار بالفيلم صادق في التعبير عن كل شخصية كمنطوق و كذلك كمحتوى فعامل المصعد ينتمي لنفس طبقة السفرجي الإجتماعية لكنهما مختلفان في كل شيئ حتى عندما يشتركان في مشاعرالغضب ضد المتعالي ، نسمع صوت السفرجي الفصيح الواعي و نفهم ما يتمتع به من قوة شخصية بينما ينطق العامل ما يوحي بضعفه و إستسلامه ، كذلك النشال و زعيم العصابة كلاهما مجرم لكن لكل منهما أسلوب يناسب تركيبته و مفردات غير متشابهة ، كما يتميز الحوار ببعباراته التي تدعم الكوميديا طوال الأحداث رغم  الموقف المأساوي و لعل أجمل ما يوضح براعة كاتب الحوار هو ذلك الحديث الذي يدور بين المتعالي و المجنون عندما نظر المتعالي إليه بإندهاش و سأله : إنت في حاجه في مخك ؟
ليرد المجنون : يجوز أنا ما فتحتوش عشان أعرف اللي فيه

و تلك الجملة التي نطقها المخرج و هو في قمة الغضب لتأخر وصول الممثلة الرئيسية في فيلمه  : دي سينما يابني آدم سينما مش لعبة اتعلموها بقى .

و من أهم ما يميز سيناريو الفيلم كذلك إضافة إلى وجود توتر دائم و مواجهات عديدة بين الشخصيات هو عنصر التشويق الذي صنعته مواقف عديدة في الأحداث داخل المصعد الذي لا نعرف مصير ركابه و خارجه فوق السطوح مع الشاب الذي يحاول الإنتحار و في تحرك المصعد من مكانه فجأة و في ما يحدث من العصابة بالشركة و المفارقة التي تسبب هلع للعصابة لوجود كومبارس يرتدون زي أفراد بوليس و في محاولات هدم الجدار لإنقاذ المحتجزين ، و بالتالي ساهم التوتر مع عنصر التشويق في تصاعد الإيقاع و مع وجود شخصيات غنية بالتفاصيل واضحة الملامح لا يمكن الشعور بملل رغم ضيق المكان و محدودية زمن الأحداث.

 

إقرأ أيضًَا….

اعترافات عاطف الطيب عن الفقر وسيدة الفيديو التي انصفت جيله على فاتن حمامة

 

عناصر إخراج الفيلم جميعها غاية في التميز بداية من التحليل الجيد للسيناريو لضبط إيقاع الدراما و إختبار جودة الحبكة و تحليل الشخصيات الذي جعل المخرج يجيد إختيار الممثلين من الناحية الشكلية  فرأينا ممثلين مناسبين لطبيعة أدوارهم ثم أجاد بعد ذلك وقت التصوير في توجيههم فأتقنوا أداء أدوارهم ، هند رستم في دور الممثلة النجمة التي تتمتع بجمال صارخ جذب إنتباه المتحرش و جعله يغيير خط سيره ليتباعها و في أدائها عبرت هند رستم بإنفعالات منضبطه عن تصاعد ضيقها من الخنقة و عن غضبها من مضايقات المتحرش و عن حماسها في مساعدة السيدة الحامل على الولادة و عبرت كذلك  بملامح وجهها جيداً عن إمتنانها لمنقذيها بعد النجاة و رغم إنها في توقيت قريب جداً لإنتاج الفيلم أدت دور مشابه لممثلة نجمة فاتنة الجمال في فيلم كوميدي أيضاً هو إشاعة حب للمخرج فطين عبدالوهاب لكن أداءها في كل عمل منهما يختلف عن الآخر ، عبدالسلام النابلسي في دور الأرستقراطي المتعالي الذي ولى زمنه و هو دور مألوف يؤديه بإستمرار لكن أداؤه ممتع و متطور داخل الدراما فلم يظهر بريتم أداء واحد و يمكن مقارنة أداؤه في المشاهد المختلفة بين أسلوبه في فرض إرادته بالقوة و بين الخجل و الإحساس بمحاصرة العيون له وقت شكهم في كونه المجنون الهارب و بين التضرر من شدة الألم وقت تعرضه للخطر و بين الإنهيار و عدم القدرة على المقاومة و بين الشعور بالندم و تقديم الإعتذار على تجاوزاته ثم عندما إسترد حريته مرة أخرى و معها إسترجع عنجهيته ، عبدالمنعم إبراهيم هو الآخر رأيناه في شخصية المجنون مرات عديدة لكن تأثير وجوده يجعلنا نتخيله هارب من فيلم آخر و أتى بينهم في المصعد ليخلق تلك الحالة من التوتر اللذيذ بتعبيرات وجهه التي تفجر الكوميديا و بنبرات صوته المميزة التي تصنع إيقاع مبهج و عندما أتصور ممثلاً آخر مكانه أشعر بأنه كان سيسبب الإزعاج ، محمود المليجي في دور زعيم العصابة قد يبدو إختياراً تقليدياً كذلك لكنك لو كنت مكان المخرج لا تملك إلا أن ترسل له السيناريو و قد كان بالفعل عند حسن ظن الإختيار بنظرات عينيه التي توحي بكل ما تشعر به الشخصية أثناء الأحداث من ثقة في البداية يليها غضب ثم توتر يتبعه عدم قدرة على السيطرة على النفس ينتهي بإستسلام  إضافة إلى صوت يمتلك القدرة الفائقة على إخبار المشاهد بما يخفيه رغم ما ينطقه ليتظاهر بعكسه ، قدرية قدري هي الأخرى لا تبدو إختياراً غير مألوفاً بسبب ما تتمتع به من أنوثة تناسب شخصية الزوجة الخائنة و كذلك لإعتيادنا رؤيتها تمثل شخصيات مشابههة لكنها رغم ظهورها في حالة قلق منذ البداية إلا أن قلقلها لم يكن على و تيرة واحدة و ملامح وجهها جعلتنا نشعر بتصاعد توترها و بفقدانها القدرة على السيطرة على مخاوفها و صدقناها في إحساسها الشديد بالندم و رأينا الغضب على وجهها بعد نجاتها و هي تصفع بقوة العشيق لتنهي علاقتها بها لنقتنع تماماً بصدق توبتها ، محمود عزمي في دور العشيق الذي عبر في البداية عن لهفته لإشباع رغبته ثم جعلنا نشعر بضيقه الشديد بسبب تأخر الوصول إلى الشقة ليختلي بعشيقته و رأينا في عينيه نفاذ الصبر الذي تحول إلى غضب يجعله عنيفاً مع الآخرين بسبب ما تعرض له من ضغوط من عشيقته التي لم تتوقف عن توجيه اللوم له طوال حبستهما بين الجموع التي تعاني مثلهما من القلق و الحر و أدهشنا عندما إستعاد التفكير في إشباع رغبته مرة أخرى بعد النجاة و شعر المشاهد بشدة صدمته من الصفعه التي تلاقها من عشيقته ،  نعيمة وصفي جعلتني أشعر بآلامها و معاناتها من الولادة و هي تقف على قدميها بصعوبة شديدة وسط  زحام هذا المكان المكتوم شديد الحرارة منذ بدأت التعبير عن آلامها بتنهدات تطورت إلى تأوهات ثم صراخ و كانت تعبيرات وجهها مناسبة تماماً و تخلو من المبالغة . يعقوب ميخائيل زوج السيدة الحامل مثل بأداء بسيط شخصية الرجل الحنون المساند لزوجته و الذي يبدو قوياً ليخفي عنها قلقه ، سعيد أبو بكر لم يكن فقط ذلك المتحرش الذي يزاحم السيدات ليختلس متعته القذره لكنه كذلك كان ينشر أجواء تشاؤمية ليستمتع برؤية ملامح الفزع على رفاقه بالمصعد المتعلق في الهواء فكانت ملامح وجهه تعبر أحياناً عن اللهفة و هو يتجه ليقترب من سيدة ثم تتحول ملامحه لتوحي لنا بشعوره باللذة بعد وقوفه في المكان المناسب له ثم نرى تعبيرات مختلفة تماماً منه و هو يجتهد ليسبب لأحدهم الفزع بما يختلقه من حكايات عن كوارث حدثت في مواقف مشابهه لموقفهم فحقق هدف السيناريو و ما أراده المخرج في خلق كوميديا مدهشة ، عبدالمنعم مدبولي جعلنا نرى على الشاشة سيكولوجية النشال من تغير تعبيرات وجهه التي تبدأ بترقب وقت التخطيط للنشل يتحول إلى قلق أثناء التنفيذ يعقبه إرتياح بعد النجاح في النشل ثم سعادة إذا كان الشيئ المسروق ذو قيمة ينتهي بإرتياح بعد النجاح في إخفاؤه أو إحباط شديد إذا كانت حصيلة السرقة بلا قيمة تذكر ، أمين وهبة العجوز المتصابي الذي واجه أزمة صحية تدرجت في التفاقم على ملامح وجهه و من نبرات صوته التي تهدجت بتدريج تنازلي حتى فارق الحياة ، حسن الدويني عامل المصعد الذي يؤدي عملاً مكرراً يواجه أثناؤه مصاعب من ركاب لا يقدرون مجهوده و لا يعاملونه بالاحترام المطلوب و يجد نفسه في موقع المسؤولية عن محتجزين مثله هو الآخر في مكان لا يستطيع السيطرة عليه و مع ذلك لا يتوقفون عن لومه و إتهامه بالتقصير فنرى كل ذلك على ملامح وجهه إضافة إلى إنكسار شديد عندما يصفعه المتعالي كما يجيد التعبير عن الفزع عندما يتخيل عدم النجاة من الموت لوعة على أبنائه ، شفيق نور الدين في دور الموظف المتدين الذي يعاني من التوتر الشديد بسبب حاجته الملحة في التبول و في اللحاق بموعده بسبب طبيعته كموظف ملتزم لا يريد التأخر عن أي شيئ فيصاحبه القلق الدائم منذ البداية يزداد عند محاولاته في إنقاذ العجوز المتصابي و يتعاظم بتفاقم حالة المريض و لا يختفي القلق حتى بعد النجاة عندما يكتشف إن تعلقه في المصعد أنقذه من الوفاة في حادث ،  أما الذي يجب التوقف عنده هو إختيار المخرج لعبدالغني النجدي في دور عبده السفرجي لأن مساحة الدور كبيرة و تأثيره في الأحداث قوياً و ممتداً طوال الفيلم من بدايته حتى نهايته و هو ما لم يكن متاحاً لعبدالغني النجدي عبر تاريخه السينمائي الطويل حيث أدى أدواراً مميزة و جميلة لكنها صغيرة و محدودة التأثير داخل الدراما و بالتالي هو إختيار جرئ للمخرج لكن عبدالغني النجدي كان جديراً بتلك الفرصة لتمنكه من التعبير بقوة عن إمكانياته في تمثيل شخصية السفرجي المكافح  الواعي المناصر للحق المواجه للظلم الإجتماعي و الفضولي أحياناً و الأمين دائماً و جعلني أداؤه المتميز في الفيلم أشعر بتعاطف شديد معه لإعتقادي بإنه كان يستحق فرص أخرى مثل تلك التي حصل عليها في ذلك الفيلم ، و جاء إختيار المخرج لممثلين آخرين كذلك غاية في التميز فشاركوا بإبداعهم في إستمرار نجاح الفيلم عبر الأزمنة المختلفة مثل ناهد سمير في دور زوجة المتصابي الحزينة أولاً على خداع زوجها لها ثم تتحول مشاعرها إلى خوف شديد على زوجها والد أطفالها المحبوس داخل المصعد و ثريا فخري أمها الغاضبة من زوج إبنتها و التي تشعر بخيبة أمل من سذاجة مشاعر إبنتها ، أحمد لوكسر في دور المخرج المغرور عصبي المزاج الذي لا يتوقف عن إصدار الأوامر بملامح جادة لكن روحه الخفيفة تجعل ظهوره القليل محبباً ، محسن حسنين فرد العصابة العنيف المتهور ، محمود مختار و كيل العمارة المنشغل عن إدارتها بالثرثرة  في الهاتف مع النساء و الذي تتغير حالته بعد سماع خبر تعلق المصعد إلى خضة فنشعر و كأن وجهه إكتسب صفُرة رغم إن التصوير أبيض و أسود ثم تتحول تلك الخضة إلى هلع بسبب تأخر الوصول لحل ، علي عرابي حارس العمارة الفهلوي الذي يتخيل في نفسه القدرة على فعل أي شيئ ، جمعة إدريس حارس العمارة الآخر الكسول و الغير مبالي الذي يفاجأ بالأزمة فيصاب بالقلق و تتحول مشاعره إلى الخوف الشديد و الرغبة في المساعدة ، علي عرابي حارس العمارة الثالث الأصغر سناً الذي تم تكليفه بالذهاب إلى ملعب المباراة للبحث عن المهندس و الذي عبر بصمت عن عجزه في الوصول إليه بين أعداد الجماهير الغفيرة ثم أدهشنا عندما تحولت ملامحه إلى مشجع متعصب نسي مهمته الأصلية ثم يفجر الضحك في آخر الفيلم عندما يصل بعد إنتهاء الأزمة بصحبة المهندس و على ملامح وجهه علامات السعادة الشديدة ، جورج يورانيدس الخواجة اليوناني الذي يعمل لديه عبده السفرجي الذي يحبط بسبب تأخر عبده في الوصول بالديك الرومي المطهي و هو يبدي عجزه عن إتخاذ موقف ضده لمعرفته بطبيعة شخصيته التي ستجلب له المشاكل و الذي يفرح بشدة لنجاة عبده بعد نزوله من المصعد المتعطل و يبدي مشاعر إنسانية نبيلة ، حسن إسماعيل عسكري البوليس محدود الذكاء الذي يتسبب في تعطيل تصوير الفيلم و لا يلحظ وجود عصابة و ينشغل بمشاهدة أجواء تصوير الفيلم .

إقرأ أيضا
حريق الجزائر

 

غير الممثلين أحسن المخرج إختيار أماكن التصوير بالشوارع و كذلك طاقم العمل من مدير التصوير وحيد فريد الذي أبدع في خلق صورة خالية من العيوب و إعتمد على خام مناسب حافظ على مود التصوير بين المشاهد الداخلي و المشاهد الخارجي و عدسات ساهمت في خدمة الدراما لأنها جعلتنا نرى جيداً تعبيرات الممثلين في كادرات  مزدحمة بالأشخاص المتواجدين في أماكن ضيقة و مهندس الديكور حلمي عزب الذي صمم ديكور مصعد مقنع كمساحة و إكسسوارات من أزرار تشغيل و إضاءة سقف ، و مهندس الصوت  نيفيو أورفانللي الذي نفذ تسجيل صوت خالي من العيوب  ذو جودة مرتفعة في جميع المشاهد الداخلي رغم تداخل جمل الحوار و الخارجي في وجود ضجيج و دقات لأدوات تكسير و الموسيقار فؤاد الظاهري الذي ألف موسيقى ذات طابع كوميد و في نفس الوقت تطور بعد جملها فنسمع مزج بين الطابع الكوميدي و الطابع التشويقي كما إن موسيقى الفيلم غير متشابهه مع تيمات موسيقات فؤاد الظاهري التي إعتمد عليها في كل الأفلام التي شارك فيها قبل و بعد هذا الفيلم ، يتميز الفيلم بشريط صوت يخدم الدراما منذ بداية الفيلم في صوت صب العرقسوس في الأكواب و رش المياه في الشوارع و كعوب الأحذية الحريمي و أصوات الجماهير في الملعب و صعود و هبوط المصعد و تكسير الجدار و هدم حائط المصعد و طلق الرصاص ، كذلك إختار المخرج المونتير إيميل بحري الذي تميز في مونتاج الفيلم فلم يلجأ لمؤثرات بصرية مزعجة للعين في تركيب اللقطات و كان إيقاعه في الإنتقال من لقطة إلى أخرى مناسباً للدراما داخل اللقطة فعلى سبيل المثال مدة ظهور تعبير وجه هند رستم عندما شعرت بالتحرش مناسب تماماً و شعرنا بإستيائها و رد فعل عبدالمنعم إبراهيم عندما سمع صياح ملاحقيه بالخارج وصل إلينا جيداً بسبب إيقاع المونتاج و مخاوف عبدالمنعم مدبولي عندما كشفه محمود المليجي و هو يسرق ظهرت واضحة على ملامحه و شعرنا بها لأن المونتير يسيطر على إيقاعه و كذلك مدة طول لقات تحرك المصعد فجأة و توقفه فجأة بالتوازي مع لقطة عجلة التحريك اليدوية التي يتحكم فيها حارس العقار بالأعلى كذلك مدة اللقطات و توقيت القطع في مشاهد إنزال الناجيين بسلم المطافي من أعلى بالتوازي بين السلم و الوصول للأرض و اللقطات الضيقة للجدار المتهدم كل ذلك حدث بحرفية لتدعيم واقعية التصوير .

 

أما لغة المخرج السينمائية في سرد السيناريو بصرياً فقد كان عظيماً ، لأن إختيارات المخرج لزوايا اللقطات و أحجامها و أوضاع أجسام الممثلين داخل الكادرات  و حركة الممثلين داخل الكادرات الثابتة و حركة الكاميرا و إرتفاع الكاميرا في اللقطات الثابتة عبرت تماماً عن أحاسيس و مشاعر الشخصيات و إنفعالاتهم و وضحت تماماً جغرافيا الأماكن فنحن نعرف جيداً أماكن وقوفهم داخل مكان التصوير و داخل الكادر و بالتالي نري بوضوح العلاقات ، من يتحرش و من يسرق و من يتلصص و من يتضرر و من غافل ، كما إن عامل المصعد و هو ينادي على البواب بالأسفل نراه بين بعض المحتجزين في لقطة من زاوية منخفضه و هو ينظرون للأسفل و عندما تتشابك العلاقات و تتصاعد الخلافات داخل المكان نرى لقطة واسعة لهم جميعا من زاوية مرتفعة فيزداد شعورنا بإختناقهم في ذلك المكان الضيق المكتوم و لا نتصور كيف يتأقلمون في وجود تحركات من بعضهم تزيد الزحام صعوبة ، و في إختيار المخرج لزواية الكاميرا و حجم اللقطة و هو يهدمون الجدار ليقنعك بجدارة إنه جدار بعمارة ليبون بالزمالك و ليس ديكور مصنوع بإستوديو جلال و كذلك دعم إقناعه لنا بمزيد من إختياراته لزاويا تصوير منخفضة بإرتفاعين و بحجمين مختلفين لإنزال الضحايا ، واسع ترى فيه الجدار و أوسع من إرتفاع أكثر إنخفاضاً لا ترى في عمقه فتحة الجدار لبعد المسافة بين الأرض مكان الكاميرا و بين نهاية السلم فيزداد إقتناع المشاهد بأنهم بالفعل هدموا جدار في العمارة .

 

أخيراً لم يكن كل ما سبق على حساب التكوينات البصرية لأننا رأينا كادرات رائعة رغم ضيق المساحة المكانية في العدد الأعظم من مشاهد الفيلم و بالتأكيد خرج الفيلم للنور بهذا البهاء ليس فقط لموهبة المخرج و حرفيته و خبرته لكن بدون شك لإهتمامه الفائق في إداء عمله بمرحلة ما قبل الإنتاج من قراءة و دراسة و معاينة و تأني في الإختيارات و إبداع ديكوباج الفيلم لذا يستحق صناع الفيلم عدم التوقف عن الكتابة عن إبداعهم لتستمر الأجيال في الإستمتاع بأحداثه .

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان