بين الموهبة و كارنيه النقابة
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
منذ فترة طويلة، أخذ مجلس الإدارة الحالي بـنقابة المهن التمثيلية قرارا بعدم تشغيل الذين لا يحملون كارنيه النقابة ، للقرار فوائده بلا شك، وأظن يسهل استنتاج مثلها؛ فالقرار سيحِدُّ من تسلُّل عناصر غريبة إلى الوسط الفني كما سيجعل فرص النقابيين أفضل في العمل، وأكثرهم يستحقون العضوية، وتعبوا من أجل الحصول عليها.. لكنني ممن يرون أضرار مثل هذا القرار أكثر من فوائده وأكبر، بل أراه، على الرغم من صورته التي تبدو وجيهة وحاسمة، ليس بوجيه ولا حاسم، والأهم ليس بمنطقيٍّ ولا حصيف على الإطلاق.
الموهبة هي الأساس فيما يتعلق بالفنون والآداب وما إليهما.. الموهبة وحدها ولا شيء آخر، ومن الصدف السعيدة أن يكون الموهوب حاصلا على كارنيه نقابته طبعا، غير أن ظروفا كثيرة قد تحول بينه وبين الأمر، من بينها عدم امتلاكه لبعض الشروط التي تؤهله للعضوية، وقد لا يكون له ذنب في ذلك، والأهم أن النقابات عموما ليست ببريئة من فساد تدَّعي على الدَّوام أنها تقوم بمقاومته، وليست بخالصة من ديكتاتورية بعض أطقمها الإدارية أيضا، وكم من نقابيٍّ لا يستحقُّ عضوية نقابته البتَّة، لكن منحتها له الأحوال الداخلية السيئة!.
إقرأ أيضًا…
“ميجيل دي أونامونو”.. المفكر الذي دفع أسبانيا للأمام وصار أصغر رئيس لجامعة سالامانكا
سيكون الممثِّل الرائع ممثِّلا رائعا دائما لأنه كذلك، وليس لأنه ابن نقابته، بالانتساب أو العضوية العاملة، وسيكون الرِّوائيُّ الرائع مثله، من غير أن يكون منتميا إلى “النِّقابة العامَّة لاتِّحاد الكتَّاب” أو ما يعادلها بدائرته، ومن حقِّ هذا الممثِّل وذلك الرِّوائيِّ، وهذا هو الأهمُّ، أن يمارسا إبداعهما بلا منع ولا وصاية أوصياء.. النقابة التي ينتمي إليها كلٌّ منهما، ربما كان من حقِّها أن تحرمهما من المزايا التي للنقابيين وحدهم، لأنهما لا يدفعان اشتراكا نقابيا سنويا ولا يسهمان إسهامات فعالة في الأنشطة النقابية، ومن ذلك حرمانهما من الخدمات الصحية والاجتماعية مثلا، لكن أن يصل الأمر إلى دفنهما أحياء بحرمانهما من ممارسة الإبداع نفسه.. الإبداع الذي يحبانه ويصنعانه بإتقان وإخلاص؛ فهذه والله “ثالثة الأثافي”!.
لا تجعل الممثِّل الذي ليس بنقابيٍّ صاحب شقة بالتقسيط المريح في مشروع سكنيٍّ تشرف عليه نقابته المهنية، لكن لا تحرمه من أن يفرِّغ طاقته التمثيلية الحقيقية في الإذاعة وعلى الشَّاشات، ولا تحرم الرِّوائيَّ ولا الشَّاعر، من الجأر بالكتابة وقول الشِّعر في المحافل الثقافية، مع فهمي لحقِّك في حرمانهما مما يجعل المسائل المعيشية أمام أعينهما أبسط لأنهما ليسا بمبدعَيْنِ نظاميَّيْنِ.
إنني من الذين يستهجنون حتى أن تترك النقابات أبناءها، أعني الأبناء من باب الموهبة لا كارنيه النقابة ، في محنة صحية أو اجتماعية عاصفة، بحجَّة أنهم ليسوا منها، فهم منها كما ألمعت ضمنيًّا لا رسميًّا. لكن قد أراني مثاليا في هذا الجانب، ومتزيدا نوعا ما، فأعود وأقول لا بأس باحترام القوانين والانضباط على القواعد المعمول بها، غير أن قتل الإبداع، عمدا أو سهوا، جريمة عظمى، من الممكن أن يحاكم عليها مسؤولون نقابيون بعد ذلك، في ظلِّ أوضاع أكثر وعيًا وحرِّيَّة وإشراقا، أولئك الذين كانوا ظنوا أن حرصهم على حرمة ما وضعوه من البنود الحاكمة الصارمة أعلى شأنا من “حرمة الموهبة”، من غير أن يقدِّروا الخطأ الفادح الذي قد يكونون وقعوا فيه.
وقد مرت فترات على نقابة المهن التمثيلية بالذات، كان العمل الاحترافي فيها مسموحا لغير أعضاء النقابة، وكان ذلك سببا في اكتشاف قدرات تمثيلية مذهلة لدى شباب وشابات في غاية الجمال والاكتمال.. وبالمناسبة من اليسير توفيق أوضاع الموهوبين المتميزين المشهود لهم، بعيدا عن فكرة تحقق شروط العضويات بكاملها فيهم، أعني أن يُتخذَّ القرار الصَّائب النَّبيل بأن ينضمُّوا سريعا إلى النقابات دونما تعقيد ولا مماطلة، وبإعلان واضح عن الأسباب الموضوعية للأمر، وهذا إعلام لكل ذي موهبة صادقة، في كلِّ مجال من المجالات الإبداعية، على أن بيته الأصلي مفتوح له على مصراعيه، وله فيه كافة الحقوق كما أن عليه من الواجبات ما يعلمه بالبداهة وسيعلمه بالتفصيل.
لا تمنعوا موهوبا لا يحمل كارنيه النقابة من الصَّدح بموهبته، ولو فعلتم فلستم بأمناء على مستقبل الوطن، مهما تصورتم غير ذلك!.
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد