همتك نعدل الكفة
579   مشاهدة  

بين عبد الحليم وحليم مدارس وتلاميذ  

عبد الحليم
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



الموهبة شئ وتطور الموهبة شئ آخر..

فـ الموهبة تعني قدرة الشخص/ الفنان/ المبدع الفطرية على تقديم فن ما أو إبداع ما.

بينما التطور يشمل القدرة مع اكتشاف مناطق إبداعية مبتكرة سواء في الفن الذي يقدمه الفنان أو من خلال تطور شخصية الفنان نفسه، ونضج وعيه، واستعداده لمواكبة تغييرات مجتمعه الاجتماعية والسياسية والثقافية كذلك..

ذلك التطور الذي يحول الموهوب مع الزمن إلى أسطورة حية من أساطير عصره والعصور اللاحقة عليه..

وهو ما يجعل من الأسطورة ندرة وتفرد لا يجود بها الزمن إلا على من تحلى بالاجتهاد والبحث الدائم عن الجديد والمتميز..

وعبد الحليم شبانة بلا شك واحد من أهم أساطير الغناء العربي، وربما العالمي..

وهو أصدق مثال يدل على قدرة الموهوب في تطور فنه وشخصيته، فـ عازف الأبوا بالإذاعة جاءته الفرصة كي يقدم نفسه كمطرب من خلال الإذاعة، وذلك عن طريق الصدفة، حين تأخر المطرب “إبراهيم حمودة” عن الحضور لتقديم وصلته الإذاعية، وهو ما أسقط فريق الإذاعة في ورطة حقيقية، وهنا سأل عبد الوهاب حافظ مدير الموسيقي بالإذاعة: “حد هنا بيعرف يغني؟”.

ليرد عبد الحليم شبانة بأنه يستطيع ذلك..

أعجب به عبد الوهاب حافظ وطلب من حليم أن يترك عزف الأبوا، ويتجه للغناء، كما أنه عرفه على الملحن كمال الطويل الذي لحن له أغنية لقاء.. وهي أول قصيدة يغنيها عبد الحليم للإذاعة المصرية.

بعدها كان على حليم أن يتقدم لاختبارات الإذاعة، والوقوف أمام لجنة التلحين التي ضمت وقتها: أم كلثوم، عبد الوهاب، والقصبجي.

كان تعليق أم كلثوم على صوت حليم بأنه كويس وسيكون له مستقبل.

ولكن، عبد الوهاب، وهو قناص للفرص بدوره، عرف بخبرته أنه أمام فنان قادم بقوة، لهذا لم يتردد في استغلال مواهب الفتي الجديد، وتعاقد معه على أول أفلام العندليب الأسمر..

وهنا تحول عبد الحليم شبانة من عازف أبوا إلى عبد الحليم حافظ.. وهو اللقب الذي حصل عليه من عرابه عبد الوهاب حافظ..

وبدأت مسيرة عبد الحليم وكمال الطويل بأغاني تعتبر في هذا العصر متطورة جدا، بسيطة ومعبرة عن لسان حال جيله كـ هي دي هي، الحلوة، بتلومني ليه، قولوله الحقيقة..

تلك المدرسة التي أعتقد أنه تخرج منها مطربي الثمانيات كـ عمرو دياب، محمد فؤاد، ثم هشام عباس ومصطفي قمر فيما بعد.

ولكن، مع الثورة، تغيير اللون الفني مع تطلعات المجتمع الجديد الذي يصبو ناحية الناصرية وثورتها.. فقدم من تأليف صلاح جاهين وتلحين الطويل كذلك عدة أغان منها: إحنا الشعب، بالأحضان، أهلا بالمعارك، صورة، ناصر يا حرية..

وهي مدرسة أخري لا أعرف أحد تخرج منها غير المطرب محمد ثروت.

وهي المدرسة التي أغلقت أبوابها، وتم هجرها عقب وفاة جمال عبد الناصر.. لينتهي فن ابن الثورة ويبدأ عهد جديد..

تقريبا مع مطلع السبعينات تغيرت الخريطة الثقافة والاجتماعية والسياسية، ليتحول المجتمع المصري ويتبدل جلده..

فانتشرت الأغاني الغربية بفرقها، وظهر على السطح فنانين جدد كـ محمد رشدي، وهذا التحول شمل الموضة والمفردات اللغوية واكتساب عادات مستحدثة..

هذا التغيير الكبير لم يصمد أمامه إلا العظماء حقاً.. من كان لديهم القدرة على المواكبة والتطور وتفهم متطلبات المجتمع الجديد..

هنا قرر عبد الحليم حافظ أن يواجه كل هذا.. أولاً تخلص من اسمه القديم عبد الحليم حافظ أصبح حليم.. اسم من كلمة واحدة ولكن يعني الكثير..

وكأنه ميلاد شخصية فنية جديدة تماماً.. فـ حليم صاحب الشعر الناعم الطويل، وبقمصانه المزركشة وبناطيل رجل الفيل، واكسسواراته العصرية، والذي سيصبح أيقونة الموضة في عصر الموضة..

لم يتوقف عند الجانب الشخصي، بل شملت هذه التغييرات الجانب الفني أيضاً..

إقرأ أيضا
مدونة

فـ هو برغم مكانته العظيمة إلا أنه لم يرفض تطور أغنياته ومحاكاة النماذج الناجحة والرائجة في هذا العهد.

وكان محمد رشدي واحد من هؤلاء النجوم التي سطعت في سماء الأغنية العربية، خصوصا بعد تعاونه مع بليغ كملحن والأبنودي كشاعر..

ربما يكون ذلك قد سبب غيرة فنية لحليم وقتها.. ولأنه شخص إيجابي، يعرف جيدا ما يريد ويحصل عليه.. قرر أن يخطف الأبنودي – فعليا وليس مجازا – كي يكتب له أغنية “أنا كل ما أقول التوبة” ويعود لمصالحة بليغ الذي لحنها بموسيقاه المميزة..

من وقتها وتحول عبد الحليم حافظ  من ابن الثورة إلى العندليب الأسمر ثم حليم..

وحليم بشخصيته الجديدة وأغانيه هو الأقرب إلى قلبي، والمفضل لديّ.. ربما لأنني لا أفضل الأغاني العاطفية التي تخرج من المنكسر الجريح كالأغاني التي قدمها عقب معرفته بمرضه والتي تحمل كلمات معذبة مثل عدم وندم وجبار.. إلى آخر هذه المناحة.. بالمناسبة تلك المدرسة تخرج منها هاني شاكر الذي لم أهضمه أغانيه أبداً..

أما في مرحلته الأخيرة فحسب.. كأنما اكتشف الحياة نفسها، روعتها.. ولا يمكن أن أنسي مثلا أغنية “قال إيه جاي الزمان يداوينا”.

تلك الأغنية التي أعتبرها الحلم والطموح، حين يأتي الزمان كي يداوي جراحك فيجدك غرقان في الهنا والحب حيث يكون الدواء بلا قيمة..

وأعتقد أن هذه المدرسة بالأخص تخرج منها محمد منير.. وهو المطرب المفضل بالنسبة لي..

هكذا تكون الأسطورة فعلاً.. أن تكون أنت، ثم تطوير هذا الـ أنت لتنشأ مدارسك الخاصة والتي لا تتوقف عن هدمها وبناء غيرها..

 

الكاتب

  • عبد الحليم عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان