بُنيَ الدين الموازي على أربع

في بداية كلامنا عن الدين الموازي أتعرفنا على أهم أركانه، أو المصدر الرئيسي اللي بتنبثق منه باقي الأركان المُرتكز عليها الدين ده؛ ألا وهو العصمة، رغم مخالفتها للقرآن وحتى مع عِدة روايات منسوبة للنبي، فيه حالة تمسك شديد من الكهنوت الإسلامي بفكرة العصمة.

تمسُك مصدر إن العصمة بتوفر هالة من القداسة لأطنان من الأحاديث وروايات السيرة؛ مش بس بتقدم آراء وفتاوى وأحكام بيتم شرعنتها رغم مخالفة للدين الأساسي، إنما كمان بينفع عن طريقها فتح باب القداسة ع البحري عشان يعدي منه ناس تانية كتير.. صحابة.. تابعين.. تابعي تابعين.

تَلَت قرون كاملة بتدخل من بوابة العصمة عشان يتشكل من خلالهم الدين الموازي، ثم يتقفل الباب على كده، مش بس باب القداسة.. إنما حتى باب الاجتهاد.

العصمة تتمدد

أو خطوة في توسيع دايرة القداسة هي تقديس الصحابة، طبعًا ماحدش بيقول بشكل رسمي إنهم معصومين من الخطأ، بس في نفس الوقت جعلوهم أمتداد للنبي وكلامهم وأفعالهم هي سُنة وليها احترامها وأمتداد للسُنة النبوية، اللي هي أتحولت -زي ما شوفنا- في الحلقة اللي فاتت لجزء من الوحي.

سيندهش المندهشون ويتسائل المتسائلون: أنت بتجيب الكلام ده منين يا عم الحاج؟ مين قال إن كلام وأفعال الصحابة يعامل معاملة السُنة؟ إحنا عمرنا ما سمعنا إن الصحابة ليهم سُنة من أساسُه.

معنى سُنة

أولا كلمة سُنة حسب معجم المعاني جمعها “سُنن” ومعناها: “طريقة، نهج، تصرُّف يتَّبعه أناسٌ من جماعة أو منطقة معيّنة. والسُّنَّةُ: هي السِّيرَةُ حَمِيدَةً كانت أو ذَميمةً“.

فنفهم من كده إن السُنة مش حِكر على حد بعينه، والعادي إن أي إنسان له سُنة، وده يظهر بشكل أوضح في نص حديث جرير بن عبد الله المنسوب للنبي في صحيح ابن ماجه “مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا“.

أولا الأربعة الكبار

بعد ما عرفنا معنى كلمة سُنة جِه الوقت إننا نعرف مين قال إن سُنة الصحابة ليها علاقة بالدين أو حتى بحياة المسلمين. مش محتاجين ذكاء عشان نعرف إن الكلام ده مالهوش أي وجود في القرآن، يبقى جِه منين؟

اسم الله عليك.. السُنة، واحد من الصحابة اسمه العرباض بن سارية روى عن النبي: “وعظَنا رسولُ اللَّهِ يومًا بعدَ صلاةِ الغداةِ موعِظةً بليغةً ذرِفَت منْها العيونُ ووجِلَت منْها القلوبُ، فقالَ رجلٌ: إنَّ هذِهِ موعظةُ مودِّعٍ فماذا تعْهدُ إلينا يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: أوصيكم بتقوى اللَّهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ وإن عبدٌ حبشيٌّ، فإنَّهُ من يعِش منْكم يرَ اختلافًا كثيرًا وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمورِ فإنَّها ضَلالةٌ، فمن أدرَكَ ذلِكَ منْكم فعليْهِ بِسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ عضُّوا عليْها بالنَّواجذِ” (صحيح الترمذي – الدرجة صحيح).

سيبك من إن النبي عارف الغيب، بعكس الله ما بيقول في الآية 65 من سورة النمل ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾، لإن هيقولك إن الله أطلع بعض عباده على بعض الأمور الغيبية، زي ما حصل مع النبي نفسه في بداية سورة الكهف، أو مع العبد الصالح في السورة نفسها.

المهم هنا هو إن النبي اللي “كل كلامه وحي” أوصى المسلمين بالتمسك بسُنته وسُنة الخلفاء الراشدين، يعني كده بقى عندنا جنب النبي كمان أربعة من الصحابة سيرتهم أو منهج حياتهم شبه ملزمين للمسلمين، وعليهم إنهم يتمسكوا بيها بإيديهم وسنانهم.

خش ع الصحابة

تحت عنوان اتباع قول الصحابة واجب شرعي وإن اختلفوا نشر موقع الاتحاد موضوع صحفي استعانوا فيه بأستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، د. أحمد كريمة، الذي قال: “قول الصحابي مصطلح أصولي، والصحابي هو من رأى النبي مؤمناً به وصحبه، ويؤخذ برأيهم فيما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد، وحكمه حكم المرفوع إلى النبي؛ فيأخذ بحكم (قول الصحابي) مثل حكم السنة في الحجية والاستدلال“

قال كمان: “كما أن (قول الصحابي) الذي اشتهر وذاع ولم ينكره أحد يدخل في الإجماع السكوتي فـيأخذ حكم الإجماع“.

وأخيرًا حسم الأمر: “وهناك اتفاق على أن (قول الصحابة) حجة على العوام مطلقا سواء في عصر الصحابة أو في غيره من العصور. ودلت النصوص المختلفة المنقولة عن الأئمة المجتهدين أنهم يعتبرون (قول الصحابي) حُجة وأنهم كانوا يرجعون إليه عند عدم وجود نص من القرآن الكريم والسنة ويقدمونه على القياس حتى أولئك الأئمة الذين كانوا يتوسعون في الرأي والقياس أمثال أبي حنيفة كانوا يعتبرون بقول الصحابي بعد أحاديث رسول الله“.

وكلام الشيخ كريمة مش مجرد رأي فردي جايبه من دماغه، إنما يتفق مع كلام فقهاء كبار زي أبو حنيفة، فحسب كتاب مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه للإمام الذهبي؛ فأبو حنيفة قال: “آخُذُ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَمَا لَمْ أَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَالآثَارِ الصِّحَاحِ عَنْهُ الَّتِي فَشَتْ فِي أَيْدِي الثِّقَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ، فَإِنْ لَمْ أَجِدْ، فَبِقَوْلِ أَصْحَابِهِ آخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شِئْتُ، وَأَمَّا إِذَا انْتَهَى الأَمْرُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيَّ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، فَأَجْتَهِدُ كَمَا اجْتَهَدُوا”.

وبكده بعد النبي والأربعة الكبار بقى عندنا جيل كامل من الصحابة كلامهم حُجة على المسلمين عبر العصور.

عدد الصحابة يقدر بحوالي 114 ألف صحابي، المعروفين منهم بالاسم تسع تلاف وخُمسُومية، صحيح مش كل أفعالهم وأقوالهم بيتم التعامل معاها بوصفها سُنة مُلزمة للمسلمين.. لكن المهم هو الأمور المتقاطعة مع الدين، وطبعًا أهم أفعالهم المتقاطعة مع الدين هي فهمهم للنصوص، وبكده يبقى فهمهم لتعاليم الدين هي المرجعية الفقهية للمسلمين عبر العصور.

إقرأ أيضا

الحب وسره العجيب

خش هتجيبك

اللمسة النهائية في مشروع الدين الموازي عبارة عن ضربة مزدوجة؛ من ناحية تضم أجيال جامعي الأحاديث وأصحاب المذاهب الكبرى.. ومن ناحية تانية تمنع أي حد تاني يفكر إنه يجتهد بره عنهم أو يقدم رؤية فقهية جديدة بالكامل، لمسة عبارة عن حديث منسوب للنبي برواية عمران بن حصين بيقول فيه: “خَيْرُ أُمَّتي قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونهم، ثمَّ الذين يَلُونهم – قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنَيْن أو ثلاثة – ثمَّ إنَّ بعدكم قومًا يَشْهَدون ولا يُسْتشْهدون، ويخُونون ولا يُؤْتَمَنون، ويَنْذُرونَ ولا يَفُون، ويظهرُ فيهم السِّمَن” (رواه البخاري ومسلم).

عشان بكده يتم إغلاق باب الاجتهاد في فهم كلام الله أو تأويله على أجيال بعينها، بتوفير وضع خاص ليهم وفي نفس الوقت شيطنة الأجيال التالية أو ع الأقل التقليل من قدراتها على الفهم والاستنباط.

ختاما

وبكده بقى عندنا دين بيتكون من أربع أجزاء:

• القرآن.
• السُنة النبوية.
• فهم الصحابة للقرآن والسنة النبوية.
• فقه القرون الأولى؛ اللي هو فهم رجال الدين على مدار القرنين التاني والتالت -الخلافة الراشدة بأحداث الفتنة مرورا بالعصر الأموي لغاية بداية العباسي- للقرآن والسُنة النبوية واختياراتهم من فهم الصحابة.

دين موازي القرآن فعلًا بيمثل رُبعه، زي شيخ الأزهر ما وضحلنا.