تأملات في كلمة المندوب السامي القُرَشِي 03 الطيب ينكر الأخذ بالأسباب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
كان من المنطق أن يقف المؤرخون وعلماء الحضارات قديما وحديثا، موقف المندهش من أمر هذه الظاهرة، وقد استعصى تفسيرها على كل حسابات القوة ومنطق المال وقعقعة السلاح ودمار الحروب. ومن هؤلاء العلماء من نظر تحت قدميه، وهو يحاول تفسير سر انتصارات المسلمين، بما لا يتفق مع فلسفة هذه الفتوحات، بل بما يتناقض مع تعاليم «القرآن» الذي حمله الفاتحون، وهم يبلغونه للناس، دعوة خالصة للسلام والتعاون وتجنب القتال ما أمكن، وهم في ذلك ينفذون تعليمات نبيهم وأوامره التي يقول فيها: “أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية”، ولكن إذا ما أصبح القتال ضرورة مفروضة فلا مفر من مواجهة المعتدي المقاتل، إذا لم تكن إلا الأسنة مركبًا.. فلا رأي للمُضّطِر إلا ركوبها.
الكلام ده هنقف فيه على 5 نقط ونتناقش حواليهم.
- هل المؤرخين وعلماء الحضارات مادرسوش الدولة الإسلامية؟
- هل فعلًا صعود العرب-المسلمين استعصى على التفسير؟
- هل صعودهم ده كان غير خاضع حسبة القوة والمال والسلاح والحروب؟
- هل “الفاتحين” التزموا بالتعليمات المنسوبة للنبي: “أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية”.
- طب هل أصلا الكلام ده يتماشى والأداء العسكري للنبي نفسه؟
الحلقة دي برضك هنعمل زي ما عملنا فـ الحلقتين الأولى والتانية، ناخد النقط المهمة اللي شيخ الأزهر أتكلم عنها.. ونشوف هل الكلام ده موجود على أرض الواقع، ولا فضيلته بيقول كلام شعبوي من اللي يعجب الناس بس مالهوش علاقة بالواقع.
الاستشراق
هل الدولة الإسلامية ماتمش دراستها بشكل علمي؟، الإجابة بسيطة وقاطعة: لأ.. حصل.
فيه حركة فكرية كاملة اسمها الاستشراق، بدءت من أنجلترا ثم توسعت وانتشرت في أوروبا بشكل عام.. لدرجة أن بقى داخل الحركة فيه عدة مدارس، حركة الاستشراق قايمة على دراسة الشرق بجغرافيته الواسعة وتفاصيله المتعددة بواسطة باحثين ورحالة أوروبيين “المستشرقين”، حركة قابلها العروبيين والإسلاميين بعداوة شديدة تقدروا تشوفوها بوضوح هنا، في نفس الوقت انتقوا من إنتاج المستشرقين الكلام اللي يعجبهم وقدموه تحت بند “انبهار علماء الغرب”، الشيخ الطيب نفسه عمل كده خلال كلمته اللي بنتأملها دلوقتي، لكن بعد كام دقيقة. كمان كتير من الباحثين الشرقيين تناولوا كتابات المستشرقين بالدراسة والنقد والتحليل.
الانتقاء
هل فعلًا صعود العرب-المسلمين استعصى على التفسير؟، الإجابة بشكل قاطع: مافيش الكلام ده.
الباحثين تناولوا بالدراسة غالبية الاسماء البارزة في عصر الأمبراطوريات وتم وضع تفسيرات لصعود وهبوط أغلبها، بما فيها التوسع العربي-الإسلامي، لا استعصى ع الحسابات العقلانية أو العلمية. ومكتبات العالم مزحومة بالدراسات والأبحاث اللي اشتغلت على النموذج العربي-الإسلامي من مختلف الزوايا وبلغات كتيرة، كل ما هنالك أن حركة الترجمة عندنا بعافية شويتين وكمان خاضعة لرقابة مباشرة أو غير مباشرة بتمنع أو ع الأقل بتعرقل ترجمة الكتابات اللي بتقدم قراءة علمية منطقية لهذه المرحلة من التاريخ.
طبعًا البعض هيستنكرا أن فيه تضييق على الترجمة فيما يخص النوع ده من الدراسات والأبحاث وهيطالبني بالدليل على صحة كلامي، فخليني بس أشاور على حالتين يصلحوا للقياس:
أولًا.. في بداية الألفية أصدرت دار ميريت كتاب بعنوان فترة التكوين في حياة الصادق الأمين للباحث خليل عبد الكريم، اللي قدم رؤية لحياة النبي قبل البعثة، معتمد في رؤيته على روايات واردة في المراجع معتمدة من قبل الأزهر بوصفها أمهات كتب التراث الإسلامي.
وقتها جبهة علماء الأزهر أصدرت بيان كفرت فيه دار ميريت للنشر لقيامها بنشر الكتاب، وتمت مصادرة الكتاب بتوصية من الأزهر، وأصبحت كتابات عبد الكريم تعامل بتشكك كبير من بعدها.
ثانيًا.. في نفس المقطع فضيلة الإمام أنكر كل رأي مش على مزاجه أو يختلف معاه، ووصف صاحبه إنه يـ(نظر تحت قدميه، وهو يحاول تفسير سر انتصارات المسلمين، بما لا يتفق مع فلسفة هذه الفتوحات، بل بما يتناقض مع تعاليم «القرآن» الذي حمله الفاتحون).
بعد النقطتين دول.. كام مترجم وكام دار نشر عندهم استعداد يخوضوا مغامرة ترجمة كتب لمستشرقين آراءهم مخالفة لآراء الأزهر؟
أدلة تراثية على الالتزام بقواعد اللعبة العربية
هل صعودهم ده كان غير خاضع حسبة القوة والمال والسلاح والحروب؟، الإجابة بلا تردد: لأ.
والنفي هنا مش بس مبني على المنطق والعقل والبداهة.. إنما كمان على أدلة من التراث العربي-الإسلامي نفسه، وهنا أنا بارجع للتراث مش لأنه أدق أو أفضل.. إنما لتأكيد فكرة مهمة جدًا، وهي أن الشيخ الطيب عارف كويس جدًا إنه بيقول كلام غلط.. بس بيعجب الجمهور.
-
قوة القبيلة
ليه ماحدش قتل النبي وهو في بداية الدعوة؟ ليه المشركين ماقتلوش المسلمين وهمه لسه في مكة وخلصوا منهم، ليه تم حصار بني هاشم مش تصفيتهم؟، ببساطة لأن النبي من بني هاشم ولو حد اتعرض له هيدخل في حرب قبلية مع عيلته.. والأمر نفسه بالنسبة لباقي المسلمين، واللي ماكنش بيتعذب منهم غير العبيد والموالي.. بشرط أن اللي يعذبهم يكون سيدهم نفسه، لأن إعلان الحرب على بني هاشم يدمر التركيبة السياسية-الاجتماعية لقريش وينهي التحالف بين عائلات قريش.
-
نأخذ من كل رجل قبيلة
في القصة بتاعت نأخذ من كل قبيلة رجل، القرشيين لما خدوا خطوة الاغتيال احتاجوا خطة معقدة، كل قبيلة تقدم شاب ويدخلوا ع النبي يضربوه في نفس اللحظة.. لضمان “شيوع الجريمة”، عشان عيلة النبي مستحيل هتخش خصومة مع كل عائلات قريش، فتضطر تقبل الدية.
فنفهم من كده أن لو النبي مش من عيلة كبيرة زي بني هاشم كان ينفع يتقتل عادي جدًا.
-
عصبية حمزة
كعادة روايات تاريخ العرب-المسلمين هنلاقي عدة مصادر لقصة إسلام حمزة بن عبد المطلب، بس الخط الأساسي للحدوتة أن عمرو بن هشام “أبو جهل” ضايق النبي وشتمه واحتمال يكون عوره، الخبر وصل حمزة بن عبد المطلب -عم النبي- وكان وقتها مش مسلم، وصل الخبر لحمزة فاتحمق لابن أخوه وراح ضرب أبو جهل وقال الجملة الشهيرة “ردها عليّ إن استطعت“.
هنا مصدر الحمقة قبلي بحت، فلو أبو لهب نفض وساب ابن أخوه باقي العيلة مش هتسكت، ودي واحدة من أهم قواعد وموازين القوة اللي لولاها ما قامت للإسلام قائمة.
-
الوحي أم الرآي والمشورة
موقعة بدر واحدة من أهم الغزوات على الإطلاق، النصر فيها جعل من المسلمين قوة جديدة ولاعب أساسي في ساحة شبه الجزيرة، (وده في حد ذاته خضوع لمنطق الحرب)، أحد الروايات المحكية عن تفاصيل الموقعة دي تخص صحابي اسمه الحبحاب بن المنذر.
رواية وردت في عدد لا بأس به من أمهات كتب التراث الإسلامي زي: سيرة ابن هشام، تاريخ الطبري، البداية والنهاية لابن كثير، المستدرك للنيسابوري، الطبقات الكبرى لابن سعد البغدادي، دلائل النبوة للبيهقي، أسد الغابة لابن الأثير، وغيرهم كتير.
الرواية بتقول أن وقت غزوة بدر النبي أمر جيش المسلمين إنهم يعسكروا في نقطة معينة قرب آبار بدر، كانت هتخلي مجموعة الآبار بين الجيشين، فما كان من الحبحاب إلا إنه سأل النبي بأدب، هل الاختيار ده وحي من الله ولا رأي حربي وارد فيه الأخد والعطا، فالنبي قال إنه مجرد رأي، فاقترح الصحابي الجليل على النبي إنهم يعسكروا قدام شوية.. حيث أن مجموعة الآبار بالكامل تكون في ضهرهم، فلما يوصل جيش القريشيين مايلاقيش ميه. فاقتنع النبي وتم تنفيذ مقترح الحبحاب وكان له عظيم الآثر في نتيجة المعركة.
-
خندق سلمان الفارسي
كمان موقعة الخندق كانت حاسمة في بقاء المسلمين كقوة معترف بها في شبه الجزيرة أو القضاء عليهم تماما في عقر دارهم، يثرب، لجأ المسلمين فيها لحفر خندق عند مدخل المدينة الجنوبي، المدخل اللي هييجي جيش العدو من ناحيته، وحسب كتب التراث الإسلامي.. الفكرة دي كانت فكرة “سلمان الفارسي“، وده برضك شخص عادي لا يوحى إليه.. إنما شارك بخبرته العسكرية في مساعدة جيش المسلمين على النصر، وبرضه هي قصة شهيرة بالقطع يعرفها شيخ الأزهر، فيبقى كلامه عن أن مافيش علاقة بين انتصارات المسلمين وبين القوة والسلاح محض كلام للاستهلاك المحلي، كلام ينافي العقل والمنطق وحتى التراث والتاريخ الإسلامي.
طبعًا هيطلع محنكين يقولوا “الرواية دي عنعنتها مقطوعة ودي سندها ملووح.. إلخ” وكل الكلام الجميل ده، طب يا جماعة ما تشوفوا حل لكتبكم دي اللي مليانة كلام كدب أو مشكوك في صحته؟ ما تنقحوا المراجع دي وخلوا الناس تفهم كويس بدون لخبطة، ولا المطلوب أن يبقى فيه أطنان من مراجع ماحدش يعرف يتعامل معاها غير قلة من رجال الدين اللي كلهم بيحلفوا أن مافيش كهنوت في الإسلام.. وهمه عندهم جوه؟!
-
تحريم الخمر
بعيد عن الروايات التاريخية خلينا ناخد كمان دليل من القرآن نفسه، حسب روايات التراثيين تم تحريم الخمر على 3 مراحل، والفكرة في كده هي شدة تمسك العرب بعادة شرب الخمر، فتم التحريم التدريجي لتفادي الصدام مع المجتمع وعاداته.
فهل أن يهزم الإسلام الأمبراطوريات الكبرى بدون أخذ بالأسباب (قواعد القوة والحرب والمال) وفي نفس الوقت يأخذ بيها في تحريم شرب الخمر، فلو كانت الأمور تدار بمنطق المعجزات.. ماكنش فيه داعي للتدريج وكان ألقى الله بكره الخمر في قلوب العرب، وأصلا ماكنش هيبقى فيه داعي للفتوحات.. كان الناس أسلمت لوحديها، أو كان الإسلام دخل عندنا مثلا زي المسيحية من غير حرب.
كده فضل النقطتين 4،5 اللي شاورنا عليهم في البداية
- هل “الفاتحين” التزموا بالتعليمات المنسوبة للنبي: “أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية”.
- طب هل أصلا الكلام ده يتماشى والأداء العسكري للنبي نفسه؟
عشان ماطولش أكتر من كده هأجل الكلام عنهم للحلقة الجاية من تأملات في كلمة المندوب السامي القرشي.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال