دخل تاريخ الإمام الشافعي دراميًا في مقارنة بين مسلسلين حتى بات وسم رسالة الإمام وإيمان البحر درويش ضمن الجمل المفتاحية عبر جوجل وفيس بوك.

لفت نظرنا أشياء في المقارنات التي وُضِعَت بين مسلسل رسالة الإمام الشافعي إنتاج 2023م ومسلسل الإمام الشافعي سنة 2007م على رأسها التاريخ، إذ اتهم بعض مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بأن مسلسل عام 2007 كان الأدق تاريخيًا.

ملحوظتين لعقد مقارنة موضوعية بين مسلسلي رسالة الإمام وإيمان البحر درويش

أردنا من خلال هذا التقرير تصحيح تلك المعلومة الخطيرة، ليس لنسف جهود الكاتب الراحل للمؤلف الراحل بهاء الدين محمد، أو لتأييد كل ما طرحه محمد هشام عبية، وإنما للتضليل الذي حدث من وراء هذه المنشورات.

اقرأ أيضًا
النهاية الحقيقية لشخصيات مسلسل رسالة الإمام

ثمة أمور ينبغي ترسيخها حتى تكون المقارنة عادلة وهي :-

• البعد عن المقارنة الإنتاجية

من المفترض أن لا تنعقد المقارنة بين المسلسلين من الناحية الإنتاجية، وذلك لفرق الجنيه بين موسم رمضان 1444هـ / مارس + أكتوبر عام 2023م (تاريخ إنتاج رسالة الإمام) وموسم رمضان 1428هـ / سبتمبر + أكتوبر 2007م (عام إنتاج مسلسل الإمام الشافعي)، لكن الأخير رُصِدت له ميزانية قدرها 8 مليون جنيه وفق كلام الجهة المنتجة للعمل[1]، وهو مبلغ بظروف عصره يساعده في إنتاج عمل ضخم، بالتالي فإن المقارنة ستكون في التنفيذ وليس في الإمكانيات.

• جَعْل المقارنة في الموضوع والمضمون

تبلغ حلقات مسلسل الإمام الشافعي للفنان إيمان البحر درويش 35 حلقة، ويتناول قصة الإمام الشافعي منذ ميلاده حتى رحيله، بينما تبلغ حلقات مسلسل رسالة الإمام 30 حلقة جميعها تتناول قصة الإمام الشافعي في آخر 4 سنوات في حياته بمصر؛ بالتالي فإن المقارنة ستكون فيما يخص مصر فقط؛ أي بدايةً من الحلقة 24 من مسلسل الإمام الشافعي لإيمان البحر.

كذلك فإن المقارنة ستشمل الموضوعات التاريخية والوضع اللغوي في الأداء التمثيلي، إلى جانب بعض الأمور الفنية دون الكلام عن أداء الممثلين.

خلق القرآن .. خطأ مشترك لكن مسلسل 2007 كان أبشع فيه

ابتداءًا فإن مسلسل الإمام الشافعي إنتاج عام 2007م وقع في سلسلة من الخطايا التاريخية لا يمكن قبولها، أحد هذه الأخطاء طرح قضية خلق القرآن التي حدثت زمن المأمون العباسي وهو خطأ مشترك بينه وبين مسلسل خالد النبوي، لكن مسلسل إيمان البحر درويش، كان خطأه أكبر، فمسلسل خالد النبوي حصر المسألة في حلقة واحدة بمشهد واحد، بينما مسلسل إيمان البحر درويش جعلها محور 3 حلقات دفعة واحدةً.

ومن أوجه الخطأ المشترك هو لقاء المأمون بالشافعي (الحلقة 2 في رسالة الإمام – الحلقة 24 في مسلسل 2007م أظهر لقاءًا بالمأمون ثم جعل رحلة الشافعي إلى مصر بسبب فتنة خلق القرآن في الحلقة 25)، وهذا تاريخيًا غير صحيح، فقضية خلق القرآن حدثت سنة 833م/ 218هـ[2]، بينما الإمام الشافعي مات سنة 220م / 204هـ.[3]، والشافعي ترك بغداد سنة وسافر إلى مصر سنة 814م / 199هـ ولم يقابل المأمون أبدًا الذي تولى حكم العباسيين من خراسان سنة 813م / 198هـ وبقي فيها حتى سنة 204هـ / 819م قبل ذهابه لبغداد[4]، فيما توفي الإمام الشافعي بعدها بسنتين في مصر.

وضع التاريخ المصري بين مسلسلين

كان وضع تاريخ مصر في مسلسل رسالة الإمام أفضل دقة عن الشكل المهترأ الذي ظهر به في مسلسل الإمام الشافعي، وظهر عدة شناعات تاريخية تؤكد ذلك.

أول هذه الشناعات أن مسلسل إيمان البحر درويش جعل فتنة خلق القرآن هي محور الأحداث في مصر، إذ جاء بالمسلسل أن خلق القرآن كانت فرصة للسري بن الحكم أن يستقل بحكم مصر ويثير القلاقل بين العلماء لكي يخلعوا الخليفة المأمون، وهو ما لم يحدث.

شناعة أخرى وقع فيها مسلسل إيمان البحر درويش فيما يتعلق بالتاريخ المصري، أنه دمر تمامًا فكرة الزمن، فهو جعل حاكم مصر منذ وصول الشافعي لها السُرِّي بن الحكم (الحلقة 24) بعدما ألقى القبض على حاكمها سليمان بن غالب بإذن الخليفة المأمون وسجنه بتهمة الرفض لخلافة المأمون.

لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد فإن مسلسل 2007م أظهر الشافعي أنه صار على قيد الحياة حتى ولاية عبيدالله بن طاهر الذي حكم مصر سنة 826م / 211هـ (حلقة 33) وكان يزور الشافعي في بيته ويحضر دروسه رغم أن الشافعي مات قبل ولاية عبيدالله بـ 7 سنوات.

لكن هذا تاريخيًا غير صحيح فالشافعي منذ أن جاء لمصر حضر ولاية ابن الوالي نيابةً عن أبيه العباس بن موسى من سنة 814م / 198هـ حتى سنة 815م / 199هـ، وقد مات الوالي وابنه خارج الفسطاط، ثم حضر ولاية المطلب الثانية على مصر من سنة 815م / 199هـ حتى سنة 816م / 200هـ (وقد عُزِل عن مصر وغادرها هاربًا)، ثم ولاية السُرِّي بن الحكم الأولى من سنة 816م / 200هـ حتى سنة 817م / 200هـ، وبعده سليمان غالب الذي حكم مصر فترة قصيرة ثم ذهب إلى بغداد، ليحضر الشافعي ولاية السُرِّي بن الحكم الثانية من سنة 817م / 201هـ حتى سنة 820م / 205هـ؛ وقد مات الشافعي في ولاية السُرِّي الثانية قبل موت السُرِّي بـ 8 أشهر، فالشافعي من وفيات يناير 820م / رجب 204هـ؛ بينما السُرِّي مات في نوفمبر 820م / جمادى الآخرة 205هـ.[5]

شناعة أخرى ظهرت في مسلسل الإمام الشافعي لإيمان البحر وهو أنه أظهر مجيء السيدة نفيسة إلى مصر في ولاية السُرِّي بن الحكم والذي تولى سنة 816م / 200هـ، بينما السيدة نفيسة جاءت إلى مصر قبل ولاية السُرِّي بـ 7 سنوات كاملة.

أظهر المسلسل شناعة أخرى حول التعصب المذهبي من خلال المالكية وموقفهم من تلامذة الليث بن سعد ثم من الإمام الشافعي، ونماذج ذلك محاولة فتيان بن أبي السمح ضرب البويطي وأتباعه من تلامذة الليث بن سعد في بيت السيدة نفيسة (الحلقة 27)، وذلك لأنهم أخذوا يوم المالكية (الأحد) في مجالسة السيدة نفيسة؛ وهي حبكة غريبة، فتعصب المالكية لم يصل إلى هذا الحد ضد الليثية أتباع الليث بن سعد؛ وقد اعتاد مسلسل الإمام الشافعي إظهار فتيان بكاركتر فوزي درويش (أبو لهب في فيلم هجرة الرسول)

أظهر مسلسل 2007م في (الحلقة 34) هجوم المالكية على بيت الشافعي وتكسيرهم له وضربهم لتلامذته ثم قتلهم له في وموته في الحلقة الأخيرة تأثرًا بإصابته، وهذا أيضًا غير صحيح وقد شرحنا موضوع قتل الإمام الشافعي في هذا الموضوع  “قتل الإمام الشافعي” تحقيق في ملف حادثة تثير الجدل دائمًا

إقرأ أيضا

سماعة البلوتوث والرقص المنزلي الذي أنقذ حياتي

سبق مسلسل الإمام الشافعي مسلسلاً مصريًا آخر تناول قصة الإمام الشافعي وهو عصر الأئمة عام 1997م، وقد جسد الفنان إبراهيم يسري شخصية الإمام الشافعي، ولم يختلف في أخطاءه عن ما جاء في مسلسل عام 2007م، فهي نفسها الأخطاء وذلك لأن مؤلف العملين واحد وهو الدكتور بهاء الدين محمد.

عيوب رسالة الإمام ولماذا يكسب أي عمل مصري عن تاريخ الإمام الشافعي

إلى الآن (حتى وقت الحلقة 19 من مسلسل رسالة الإمام) فإن العيوب التاريخية التي تظهر بمسلسل رسالة الإمام تتمثل في قصة خلق القرآن، والأبيات الشعرية للشاعر السوري حذيفة العرجي والتي نُسِبَت إلى الشافعي، بينما العيوب التاريخية في مسلسل 2007م كانت أبشع وأشنع وإن قُدِّر له أن يكون معروضًا في السوشيال ميديا بهذه الأخطاء لواجه انتقادات أشد

من حيث المسألة المتعلقة باللغة فإن اللغة العربية التي في المسلسلين يكاد يكون مستواها متقاربًا بين كل الممثلين، لكن في مسلسل 2007م كان مستواها أضعف من خلال الممثلين الشباب والجدد، بعكس الممثلين الكِبَار.

وبشأن إظهار اللهجة المصرية في مسلسل رسالة الإمام من الأشياء التي كان من المفترض أن تُحْسَب للمسلسل، لو كان التزم بأبجديات وجمل ملائمة للعصر بمعنى استخدام اللهجة المصرية الحالية بمفردات اللهجة المصرية قديمًا؛ لكن الفخ الذي وقع فيه المسلسل هو جعل اللهجة بالطريقة المعاصرة، مما يؤدي إلى شعور المشاهد بالفصلان.

كانت هناك ألفاظ في اللهجة المصرية موجودة في زمن الإمام الشافعي (العصر العباسي) بعضها لم يعد له وجود الآن، لكن  يستحيل أن يكون المصريين في لهجتهم زمن العباسيين بهذا الشكل الذي أظهره المسلسل، وذلك لأن علماء مصر الذين تعلموا على يد العرب ثم علموا المصريين العلوم التي اكتسبوها من العرب وهي العلوم الشرعية أضفت اللغة العربية على لهجتهم، ونموذج ذلك الشيخ ورش فهو صاحب إحدى قراءة من قراءات القرآن الكريم وهو مصري وعاش زمن العباسيين وقبل قدوم الشافعي إلى مصر بسنتين، ولا يمكن أن يكون متحدثًا بالعامية بهذا الشكل وتراثه معروف، وإشكالية مسلسل رسالة الإمام أنه لم يراعي الخط الزمني لتطور اللهجة المصرية.

لكن رغم ذلك فإن مسلسل رسالة الإمام يكسب أي عمل مصري تكلم عن شخصية الإمام الشافعي، لأنه التزم بالخط الزمني للتاريخ المصري (طوال 19 حلقة) وتاريخ الشافعي في سنواته داخل مصر، فضلاً عن شكل مدينة الفسطاط الذي لم يظهر بدقة في أي عمل سبقه ويمكنك مطالعة هذا الموضوع “صور” كيف حدث تطابق شكل الفسطاط في مسلسل رسالة الإمام مع حقيقتها؟

[1] محرر، «الإمام الشافعي» المسلسل الديني التاريخي الوحيد في سباق رمضان، موقع البيان الإماراتي، 26 يوليو 2007م.
[2] جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، تحقيق:- حمدي الدمرداش، ط/1، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة ،1425هـ /2004م، ص227.
[3] بن حجر العسقلاني، توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس، تحقيق:- أبو الفداء عبدالله القاضي، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406هـ / 1986م، ص177.
[4] أحمد فريد رفاعي، عصر المأمون، ج1، ط/1، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1346هـ / 1928م، ص257.
[5]  بن تغرى بردى، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج2، ط/1، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1349هـ / 1930م، ص ص161–178.