تاريخ التشريح في مصر الحديثة “هل اشترط الأزهر وجوده بتنفيذه على جثث الأقباط؟”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
شق تاريخ التشريح في مصر الحديثة طريقه عمليًا في 20 أكتوبر 1827م، بالمحاضرة التي ألقاها الطبيب أنطوان براثيليمي كلوت بك؛ ومعه بدأ نقاش حول موقف الأزهر من تلك العملية لدرجة أن أحد الكُتَّاب ذكر أن الأزهر زمن الشيخ محمد بن أحمد العروسي قاوم التشريح واشترط في موافقته أن يتم على جثث اليهود والنصارى.
حقيقة موقف الأزهر مع تاريخ التشريح في مصر الحديثة
كان جرجي زيدان هو أول من أشار صراحةً إلى مسألة تشريح جثث المسيحيين مع رمم الكلاب وقال عن العقبات التي واجهت كلوت بك «من أهم تلك العقبات تشريح الجثث، فكانوا في أول الأمر يُشرِّحون الكلاب، ثم أذن لهم بتشريح جثث النصارى والعبيد، وأن ينقلوا الجماجم والعظام من المدافن المهجورة، وأخيرًا أذن لهم بتشريح سائر الموتى، ولا سيما الذين يُتَوَفَّون في مستشفى قصر العيني».[1]
إلا أن كلام جرجي زيدان الذي تطور لاحقًا إلى ربط الأزهر في زمن الشيخ العروسي وموافقته على التشريح بتنفيذه على جثث المسيحيين، يتناقض تمامًا مع ما ذكره كلوت بك في مذكراته الشخصية وكلامه عن هذا الموقف.
كانت مذكرات كلوت بك الشخصية موجودة في المكتبة الخاصة للملك فاروق ثم صدر الكتاب عام 1949م من المعهد الفرنسي للآثار الشرقية وقام بالإشراف على صدورها جاك تاجر أمين مكتبة الملك فاروق، ثم نشر الدكتور سليمان قطاية ترجمة لبعض فصول المذكرات وكان من ضمنها مسألة التشريح.[2]
يلاحظ في مذكرات كلوت بك أن مسألة التشريح كانت تلقى رفضًا شعبيًا نفسيًا أكثر من كونه رفض ديني والذي لم يظهر أصلاً؛ فضلاً عن إضفاء صفة المسيحية على الجثة كان من كلوت بك ليقنع الطلاب نفسيًا بذلك وقال عن ما فعله «استقدمت من فرنسا هيكلاً عظميًا جيدًا وتامًا كنت قد اشتريته في مدينة تولون من السجن، وكان ذلك أول قطعة تشريحية أقدمها للطلاب، ولكنني أفهمتهم سلفًا أن هذه عبارة عن عظام مسيحي كلب وليس عليهم من حرج في استعمالها، فتقبلوا هذه الحجة وأخذوا بعض الدروس مع شرح الهيكل».[3]
اقرأ أيضًا
انتحار نجل أحد علماء الأزهر لأن الزمالك خسر الدوري “قصة حادثة هزت مصر سنة 66”
أمر آخر موجود بمذكرات كلوت بك تكشف جانبًا من تاريخ التشريح في مصر الحديثة أن عملية التشريح لم تتم على المسيحيين، وإنما تمت على جثث العبيد السود باقتراح من كلوت بك جاء أحاديًا دون أخذ رأي ديني، وجاء طلبه بسبب أن العبيد السود أقل وأحط من اليهود والمسيحيين.
حول موقف الأزهر من المسألة فإن استدعاءه لإبداء الرأي جاء لرفض الأهالي وكان رفض الأهالي عنصرًا مؤثرًا لدرجة أن محمد علي باشا كان يطلب من كلوت بك التريث فلم يرخص بالتشريح ترخيصًا صريحًا ولكنه وعده بألا يعترضه أحد.
ورغم محاولات كلوت بك في إقناع الأهالي والتي فشلت لجأ إلى علماء الأزهر والذين أعطوا له فتوى بجواز التشريح بشرح رعاية الاحتياط والاحتراز فيه على قدر المستطاع[4]، بالتالي فإن موقف الأزهر لم يكن سلبيًا، ويؤيد ذلك أيضًا أن الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر كتب كتابًا في منظومة التشريح.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن قبل عصر محمد علي باشا بسنوات كتب شيخ الأزهر أحمد الدمنهوري وهو من وفيات سنة 1778م كتب كتابًا يؤيد التشريح بعنوان القول الصريح في علم التشريح وهناك مخطوطة تشير إلى أن رسالة الدمنهوري تنقسم إلى مقدمة وفصلين وخاتمة.[5]
[1] جرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، ج4، (بدون رقم طبعة)، مطبعة الهلال، الفجالة – القاهرة، 1914م، ص38.
[2] سلمان قطاية، مذكرات كلوت بك وقصة أول مدرسة عربية للطب الحديث، مجلة العربي، عدد 251، أكتوبر 1979م، ص ص134–139.
[3] المرجع السابق، ص138.
[4] إحسان جعفر، محمد علي باشا وتشريح الإنسان، مجلة العربي، عدد: 375، فبراير 1990م، ص156.
[5] محرر، كتالوج دراسات طبية، فهرس مخطوطات الطب الإسلامي في المكتبة الوطنية لعلم الطب، يناير 2004م
والجدير بالذكر أن المخطوط صدر في كتاب مطبوع سنة 2018م عن دار الكتب والوثائق القومية بتحقيق وليد الإمام مبارك
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال