تاريخ تجارة الراديو في مصر “لماذا كانت تلك الحبكة بمسلسل موسى مقنعة فنيًا وتاريخيًا”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
فتحت الحلقة 24 و الحلقة 25 من مسلسل موسى بابًا من التساؤلات حول تاريخ تجارة الراديو في مصر خاصةً وأن الحبكة تبدو للبعض غير مقنعة، كذلك شخصيات العمل أنفسهم تسائلوا هل العمل بمجال الراديو مربح أم لا.
أسباب فنية تجعل حبكة تاريخ تجارة الراديو في مصر مقنعة بمسلسل موسى
في 22 مارس سنة 2021 م تم تداول صور محمد رمضان في مسلسل موسى بزيٍ يشبه زي شخصية عبدالغفور البرعي التي أداها الفنان الراحل نور الشريف، وزي الحاج إبراهيم سردينة التي أداها الفنان عبدالرحمن أبو زهرة.
اقرأ أيضًا
متابعة موقع الميزان لـ حلقات مسلسل موسى
راحت التكهنات إلى أن الشخصية التي سيؤديها محمد رمضان ستشق طريق كفاحها في عالم التجارة، وبالتالي إن عمل موسى في مجال تجاري فبالتأكيد سيكون مقلدًا للفكرة.
لو عمل موسى في البقالة ستكون شخصيته مستنسخة من شخصية رفاعي السوهاجي في مسلسل زيزينيا، وإن عمل في مجال الأقمشة فستكون وكالته تشبه وكالة آل المنشاوي في مسلسل الليل وآخره، وإذا عمل في الخردوات التصنيعية فستكون شخصيته مثل سردينة وعبدالغفور.
بالتالي كان ذكاءًا من مؤلف المسلسل أن يقوم موسى بشق طريقه عن طريق تجارة الراديو في مصر وهي إحدى أهم أنواع التجارات التي نشطت في مصر خلال أربعينيات القرن الماضي ولم يهتم الباحثين بها.
أسباب تاريخية/ فنية تجعل حبكة تاريخ تجارة الراديو في مصر مقنعة بمسلسل موسى
أحداث الحلقة 24 و 25 من مسلسل موسى تدوران في ديسمبر سنة 1947 م وتنتهي أحداث المسلسل سنة 1952 م وخلال السنوات الخمسة اكتسب مجال تجارة الراديو في مصر اهتمامًا كبيرًا وذلك لأن الجميع كان يتلمس الأخبار العالمية والمحلية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وكذلك أجواء نكبة 1948 فضلاً عن الأحداث الداخلية المصرية وصُنِعَت أسماء كثيرة لتجار الراديو في مصر خصوصًا في شهر رمضان.
أبرز هذه الأسماء كان اسم صالح نسيم صاحب محلات الراديو في 19 يوليو سنة 1947 م والذي كان يمسك توكيل لأبرز الراديوهات ومحله في 19 شارع فؤاد الأول (26 يوليو حاليًا).
بمطابقة تاريخ إعلان راديو محلات نسيم بفقرات الإذاعة التي قُدِّمَت يوم 19 يوليو 1947 م نجد عددًا من الروائع تم تقديمها سواءًا كانت غنائية أو غيرها.
كذلك كان هناك تجار آخرين للراديو في 21 يوليو 1948 م ومنهم محلات محمد العامري في شارع عبدالعزيز وهو صاحب راديو كريستال واشتهر بتخفيضاته على أسعار الراديوهات من أجل المناسبات.
كذلك محلات راديو خليفة في شبرا والتي كانت تعرض أسعار الراديو بالجملة والقطاعي يوم 22 يونيو سنة 1950 م
كذلك محلات راديو AMS لأصحابها إبراهيم يوسف سعد وأولاده بالقاهرة وأحمد شاهين وموريس دروسو في الإسكندرية يوم 6 يونيو 1951 م.
إلى جانب كل هؤلاء كانت محلات محمد علي حجازي يوم 31 مايو سنة 1952 والتي كانت تقوم ببيع أجهزة الراديو بالتقسيط المريح للجمهور.
نقطة تاريخية أخرى لا يعرفها الكثيريين وهي أن الزخم الذي شهدته مجال تجارة الراديو غَيَّر من نسق التعليم في مصر، إذ تم استحداث نظام الإذاعة المدرسية.
ففي 10 يوليو 1948 م انتهت وزارة المعارف من بحث نظم الإذاعة المدرسية بالتنسيق بين وزارة المعارف (التعليم) والإدارة العامة للثقافة والإذاعة اللاسيكلية في مصر بحيث تصبح فقرات الإذاعة المدرسة جزءًا من البرنامج العام.
انتقادات تاريخية لحبكة الراديو في مسلسل موسى
يمكن للمشاهد أن ينتقد الحلقة 24 من مسلسل موسى لسببين أولهما استعانة موسى بماركة ماركوني كون أنها الماركة الأغلى كما قال صناع العمل، وثاني تلك الانتقادات الاستماع لأغنية أم كلثوم نهارًا والمعروف أن حفلات أم كلثوم كانت تُبَث ليلاً.
والرد على الانتقادين أن الاستعانة بماركة ماركوني فيه ذكاءًا لسبب بسيط وهو أنه بعيد عن شهرة الماركة لكن شركة ماركوني كانت هي المسؤولة عن البث الإذاعي في مصر بعد مفاوضات بدأت سنة 1926 وانتهت عام 1934 م باتفاقية أبرمت بينها وبين الحكومة المصرية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى مطلع الخمسينيات بما في ذلك مرحلة التمصير.
الأمر الآخر أنه في زمن عرض حلقة مسلسل موسى (1947) كان ملك القطن محمد أحمد فرغلي باشا هو مدير شركة ماركوني في مصر سنة 1944 م ونائبًا لرئيس الشركة سنة 1948 م، بالتالي فإن رئاسة فرغلي باشا للشركة كانت فارقة في تاريخ تجارة الراديو في مصر وقتها.
أما الانتقاد الثاني المتعلق بوقت بث أغنية أم كلثوم، فالرد عليه أن الأغنية التي تم الاستعانة بها في مسلسل موسى نهارًا هي أغنية قلبي وافاني في معاده لـ كوكب الشرق أم كلثوم وقد تم غناءها لأول مرة مساء يوم 4 ديسمبر سنة 1947 م.
لكن نفس الأغنية تم إعادتها في اليوم التالي نهارًا وبالتحديد في تمام الساعة الثالثة إلا عشر دقائق عصرًا، وعلى ذلك فإن الحلقة لم تقع في هذا الخطأ
ملحوظة هامة تاريخ تجارة الراديو في مصر غير تاريخ الإذاعة
هناك فرق بين شيئين (الإذاعة) و (الراديو) فالمقصود بالإذاعة هي مكان البث، أما الراديو فهو جهاز الإستماع للبث.
اختراع الراديو تم على عدة مراحل كان أولها على يد الفيزيائي الألماني هاينريش هيرتز الذي أثبت علميًا أن نقل واستقبال الموجات الإلكترونية لاسيلكيًا ممكنًا.
وجاء العالم السويدي إرنست ألكسندرسون كمرحلة ثانية حيث طور أول مولد كهربائي ناقل للكلام لاسيلكيًا، ثم ريجنالد فيسيندين أول من قام بعملية بث الصوت والموسيقى، ثم ظهر بعد ذلك اختراع موجة الـ FM عن طريق إدوين هوارد آرمسترونغ والذي أول من اخترع دارة إعادة التوليد، وأول جهاز مذياع مضخم للصوت، كل ذلك تم قبل العام 1901 م.
بعد العام 1902 بدأ ظهور الراديو للوجود على يد عالم الفيزياء الايطالي جولييمو ماركوني، رغم أن هناك نزاع علمي بينه وبين نيكولا تسلا.
أما تاريخ بدء الإذاعة في مصر فكان في عشرينيات القرن الماضي عن طريق الإذاعات الأهلية واختلف الباحثون حول أول محطة إذاعة عرفتها مصر، فيذكر بعض المؤرخين أن أول إذاعة مصرية أهلية كانت سنة 1923 عن طريق ألماني يدرس اللاسلكي، ولكنها لم تبدأ الإرسال الإذاعي، لعدم وجود أجهزة استقبال في مصر في ذلك الوقت، وعندما عرفت مصر أجهزة الاستقبال أعاد أحمد صادق الجواهرجي تشغيلها تحت اسم راديو القاهرة.
أما فتحي سالم فيقول أن أول محطة إذاعة عرفتها مصر عام 1924 عن طريق الشاب المصري حبشي جرجس الذي عاد من لندن بعد أن درس فيها فنون الهندسة اللاسلكية، ولم تكن الإذاعة قد عرفت في مصر حتى ذلك التاريخ، لكن ذلك لم يمنع من وجود محدود من أجهزة الراديو في منازل أعيان مدينة القاهرة، يستمعون منها إلى الإذاعات الأجنبية.
أما المؤرخ الصحفي حافظ محمود فيقول أن أول محطة إذاعة عرفتها مصر كانت محطة راديو تابعة لمجلة مصر التي تصدرها سيزا نبراوي، وقام بعمل الإذاعة شاب يوناني يدعي ريني واتخذ من منزله الذي كان يقع على ناصيتي شارعي ثروت وشامبليون مقرًا للبث.
وتذكر رواية رابعة ملخصها أن أول محطة إذاعة أهلية في مصر هي محطة فريد التي أنشئت في الإسكندرية عام 1929، وكان صاحبها هو فريد قطري في نفس المكان الذي أنشئت فيه إذاعة الإسكندرية المحلية بباكوس.
أما المؤرخ يونان لبيب رزق فقال أن أول محطة راديو تم تأسيسها على يد الإيطالي كاستنيلي في ميدان سليمان باشا على مقربة من محل جروبي الجديد، وقد جربت هذه المحطة فيما بين الساعة التاسعة مساء، ونشرت جريدة الأهرام خبرًا يوم السبت 1 أغسطس عام 1925 عن تلك المحطة.
وظهرت في مصر عدة محطات إذاعية أهلية منها: «راديو فاروق، وراديو سابو، وراديو وادي الملوك، وراديو هليوبوليس، وراديو مصر الملكية، وراديو فريد، وراديو الأميرة فوزية، وراديو ماجازين اجيبسيان، وراديو مصر الحرة، وراديو القاهرة، وراديو حبشي، وراديو مصر الجديدة، وراديو رمسيس، وراديو الأميرة فاطمة، وراديو وهبي، وراديو لويس».
واتسمت المحطات الأهلية بأنها تركزت في الإسكندرية والقاهرة وكان بث الإذاعة باللغة العربية، ومعظم أصحابها من التجار الذين يريدون ترويج بضاعتهم ولتحقيق الربح المادي، وأغلب هذه المحطات شركات بين الأفراد، كما كان معظم أصحابها غير مؤهلين فنيًا للقيام بهذا العمل، فيما عاد قلة مثل المهندس حبشي جرجس الذي درس اللاسلكي بالخارج.
ومعظم المحطات الأهلية كانت ضعيفة الإرسال، ومقامة في غرفة أو شقة في عمارة على الأكثر، وكان هناك محدودية في الأجهزة المستخدمة بالإذاعة، وكان الجزء الأكبر من المضمون الإذاعي الذي تقدمه معظم المحطات الأهلية ترفيهيًا، وكانت معظم المادة الكلامية مهاترات وأغان مبتذلة، مما دفع الجمهور إلى الشكوى من بعض المواد المذاعة.
ثم جاءت مرحلة شركة ماركوني بعد حصولها على امتياز المحطة الإذاعية في 22 مايو 1926 م وبدأت مفاوضاتها الرسمية يوم 21 يوليو 1932 لإنشاء إذاعة لاسيلكية.
بدأت الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية في تمام الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم 31 مايو 1934 حيث استمع الناس إلى صوت أحمد سالم – أول مذيع للإذاعة المصرية وبدأت فقرات الإذاعة بتلاوة للشيخ محمد رفعت استمرت 10 دقائق، ثم قصيدة شعرية للشاعر علي الجارم، وموسيقى من الفرقة الشرقية، وموسيقى من فرقة تربو أتليانو، وفاصل غنائي بصوت أم كلثوم، وقصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي ألقاها نجله حسين شوقي وموسيقى أخرى لفرقة تربو أتليانو، وزجل ألقاه محمود رمزي نظيم، وموسيقى شرقية، ومونولوجي فكاهي لـ محمد عبدالقدوس، وفاصل غنائي لـ صالح عبدالحي، وكلمة عن الإذاعة، واستراحة، ثم فاصل موسيقي لـ محمد عبدالوهاب، وانتهى اليوم في تمام الساعة 11 مساءًا بالسلام الملكي.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال