تاريخ من الغناء الملفق: الشاعر تامر حسين .. الجزء الثاني
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
وهتبتدى الحكايات ما عينيك قالتلي حاجات
واهو بان عليك علامات ما خلاص كفاية سكات
عندما صدرت تلك الأغنية في ألبوم “شفت الأيام” للمطرب عمرو دياب؛ على الفور تذكرت طرفة يتداولها البعض عن طريقة صياغة شاعر ما لأغانيه، كان هذا الشاعر يختار أولاً الكلمة الأخيرة من كل شطر تلك التي ستحدد القافية التي يستخدمها، ثم يقوم بتكملة بقية الكلمات ليكون منها مذهبًا أو كوبليهًا، على سبيل المثال يختار كلمات مثل “قلبي” و”حبي” و”ذنبي” ثم يقوم برص أي كلمات بجانبها لا يهم هل هي في سياق فكرة بعينها تتحدث عنها الأغنية أم لا، هذا إذا افترضنا أن هناك فكرة للأغنية من الأساس.
تلك الحيلة الرخيصة جدًا في صياغة الأغاني، تنم على أننا أمام إمكانيات فنية محدودة جدًا لأشخاص يعانون من فقر في خيالهم الشعري، ولا يملكوا الحد الأدنى لكتابة أغنية بشكل سليم ومتماسك، لن تجد في أغنياتهم أية أفكار جديدة أو صياغة مبتكرة، هي بالكاد كلمات مرصوصة مقفاة يستطيع أي شخص لا يملك أي موهبة أن يكتبها، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال إطلاق عليهم لقب شعراء.
لو عدنا لأغنية “هتبتدي الحكايات” سيظهر بوضوح أن هذا المذهب كتب باستخدام نفس الحيلة تقريبًا وعلى عكس الشائع صبه تامر حسين في رباعية قصيرة تشترك شطراتها الأربعة في نفس القافية، وهذا يرجح أيضًا أنها كتبت بعد اللحن الذي وضعه تامر علي وليس قبله.
ظهرت تلك الأغنية في عام 2016 مما يعني أنه قد مر أكثر من عشر سنوات على ظهور كاتبها في سوق الغناء المصري، ولو قارنا بينها وبين الأغنيات التي كتبها في بداياته لن نلمح أي فارقًا ضخمًا مما يعني أنه لا تغيير ولا تطور في تكنيك الكتابة أو الصياغة، وأن تلك السنوات مرت هباء لم يكتسب منها أي خبرة في صناعة الأغنية، بل ظل محلك سر، وأن الشئ الوحيد الذي اكتسبه هو السرعة في الكتابة وبالتالي الغزارة في الإنتاج أو كما يسمونه في الوسط الفني “النحت” بلا أي ملامح تجديد لا في الأفكار ولا في المفردات
لنعد إلى الوراء قليلًا مع بدايات الشاعر تامر حسين تحديدًا مع المطرب “حسام حبيب” الذي كتب له أغنيتان “أجمل قصة حب” و” في غمضة عين” .
أجمل قصة حب عايشها معاك في هواك
احلى كلام م القلب بيطلع وأنا وياك في لقاك
مطلع تقليدي جدًا نحت مئات المرات من قبل، لن تجد أي صورة شعرية تنم عن خيال خصب أو متجدد، وهي الأمور التي لا تهم ما دام الكلمات توافقت مع تيمة اللحن الذي وضعه عمرو مصطفى.
قبل ما أقول الكلمة تقولها بصوتي يا حياتي
نفسي اعيش لك عمري وكل دقيقة في حياتي
واشتاق دايما اقولك احلى كلام ، يا سلام.
المقطع الثاني كارثي جدًا يشير إلي أن الكلمات مرصوصة لتوافق اللحن حتى لو خالفت المنطق، تكرار بلا أي داعي لنفس المعنى في نفس الشطرة بكلمة “كل دقيقة” ولم يقف ليدرك أن المنطق يقول أنه لو عاش للمحبوب العمر كله فبديهيًا سوف يعيش له كل دقيقة، ويبدو أن روح سرحان عبد البصير تلبسته بإضافته العبقرية “رقاصة وبترقص” .
فى غمضة عين عشقت هواك وحبيتك
لا قلت لفين واخدنى معاك ولا نسيتك
هنا يظهر بوضوح أنه يكتب دون تحديد فكرة واضحة للأغنية، هو يرص كلمات بلا أي رابط أو تماسك المهم أنها على نفس الوزن والقافية، وهذا دون تجني فقر واضح في الخيال حيث اضطر لاستخدام لفظ “نسيتك” لأنه على وزن وقافية “حبيتك” رغم أنه لا يتسق في الفكرة مع باقي الشطرات، حيث لا مبرر للنسيان في أغنية تتحدث عن بدايات الحب من أول نظرة.
اقرأ أيضًا
تاريخ من الغناء الملفق … الشاعر تامر حسين … الجزء الأول.
هنا تثار عدة تساؤلات حول الوسط الغنائي ولماذا يمنح الفرص بكثرة معدومي الموهبة في الوقت التي تبحث فيه المواهب الحقيقية عن ربع فرصة ولا تجدها، ولو كان هناك تقييم فني واضح وموضوعي مع عدالة في توزيع الفرص وضيف على ذلك حركة نقد فنية حقيقية واهتمام من الصناع بجودة الكلمات لكتبت تلك البدايات نهاية تامر حسين الفنية قبل أن تبدأ للضعف الشديد في مستواه الفني.
مراحل تكوين الشلة الجديدة.
مع بداية الألفية الجديدة بدأ سوق الغناء يغير من جلده، بالتدريج اختفت أسماء وانضمت أسماء جديدة من شعراء وملحنين وموزعين، مع منتصف العقد الأول وجد الجيل الجديد نفسه فجأة مسئولاً عن الحياة الغنائية بعد خفوت نجومية جيل التسعينات واختفاء معظمهم، تلك المسئولية لم يكن هذا الجيل قد استعد لها بعد، فدخل في صراع بين أفراده للسيطرة على سوق الغناء الذي انقسم بين أهم اسمين في هذا الجيل “محمد رحيم” و”عمرو مصطفى”.
رغم النجاحات الضخمة للثنائي “رحيم” و”مصطفى” إلا أن الصراع على زعامة الجيل ظل هاجس لدى “عمرو مصطفى” تحديدًا، لكنه لم فشل في الإنفراد به، فبحث عن تكوين شلته الخاصة فانتقى وجوه جديدة غير معروفة كي يتبناها فنيًا، لم يكن غرضه الأساسي البحث عن مواهب حقيقية بقدر ما يبحث عن أشخاص لا يملكون طموحًا ضده يستطيع فرض سيطرته عليهم، وبالطبع لا يهم أن كانت تملك موهبة أم لا، الأهم أنها ستقدم له فروض الولاء والطاعة فقط.
بترشيح من أحد الأصدقاء دخل تامر حسين تلك الشلة لأول مرة، اعتمد عليه عمرو مصطفى في أعمال غنائية مع بعض مطربي الصف الثاني والثالث، ثم قدمه في ألبومه الأول “علامة في حياتك” والذي كان محاولة لمنافسة غريمه الأبرز” محمد رحيم” الذي بدأ الغناء قبله.
ماشى وسايبلك علامة في حياتك هتفضل فاكرني لآخر حياتك
في من غيري حبك وعاش لك بقلبه ومين غير قولي ملا ذكرياتك
دانا ياما قاسيت وياك واستحملت اساك
قولي كام يوم حلو شفته معاك
في أغنية علامة في حياتك لم يبني تامر حسين بقية الأغنية على الفكرة الرئيسية التي هي عنوان الأغنية ، والتي تشير مقاطعها الأولى أنها يتحدث من منطق قوة، ففي بقية الكلمات تشعر بأنك دخلت في أغنية أخرى فيبدأ في وصلة تقريع ولوم للمحبوب تبين أنه كان الطرف الأضعف في العلاقة عكس ما تشير إليه بدايات الكلمات.
تلك الجرائم الفنية التي بدأ به تامر حسين حياته لا يمكن أن يحاسب عليها منفردًا اللوم الأكبر على عمرو مصطفى الذي كان شغل الشاغل هو منافسه محمد رحيم بالغناء لكنه لم يستعد لتلك المنافسة فأهمل تفاصيل فنية مهمة .
في تلك الفترة كان هناك طوفان من القنوات الخاصة بالأغاني والتي كانت تبحث عن ملء الوقت بأي محتوى حتي لو كان أغاني كتبها تامر حسين و غناها عمرو مصطفى أو حتى أغاني مبتذلة يؤديها طوفان المؤديات الجدد “ماريا” و”نانا” و”روبي”.
الدخول إلي عالم الهضبة.
حتى عام 2009 لم يكن لكلمات تامر حسين تأثيرًا كبيرًا في سوق الغناء، لم تضرب له أغنية واحدة، رغم أن كل كلماتها لحنها “عمرو مصطفى” هذا الذي يطلق على نفسه ملك الـ Hits، ورغم أن بعضها كان عنوان لألبومات بعض المطربين مثل “حظي من السما” عامر منيب، أما الباقي وتعتبر أغاني حشو للألبومات مثل “وأنا معاك”و”بين أيديك” لسميرة سعيد، “خلاص لاقيتك” للمطرب اللبناني “إيوان” ، بيدق قلبي “حاتم فهمي، ولم يكن مطلوبًا بالاسم بشكل كبير حيث الاعتماد الأكبر على “عمرو مصطفى” المسوق الوحيد لها كونه الاسم الأهم والأكبر منه في سوق الغناء.
في عام 2009 دخل تامر حسين لأول مرة عالم الهضبة عمرو دياب في أغنية “وياه” التي كانت عنوان الألبوم والـ Hit الرئيسي له، والتي كرست مفهوم مهم جدًا في أغاني الهضبة هي أن أغنية الـ Hit هي الأقل فنيًا عن بقية الألبومات، ووضح تمامًا الفارق الفني الكبير بين كلمات تامر حسين وبين أغلب شعراء الوسط، فلم يضرب من الألبوم سوي الأغنيات التي كتبها العتاولة “أيمن بهجت قمر” مثل “مالك” و”بقدم قلبي“و “بهاء الدين محمد” في “أه من الفراق” و المخضرم “مجدي النجار” في “الله على حبك أنت”.
ظهرت تلك الأغنية في توقيت قاتل جدًا، حيث لم يمر وقت طويل حتى حدثت ثورة يناير، والتي كان لها تأثيرًا كبيرًا على سير العملية الإنتاجية وشكل الخطاب الشعري المتداول، ثم الخلاف الأكبر بين عمرو دياب وبين فريق العمل بسبب انفراد شركة روتانا بحقوق الأداء العلني للملحنين والشعراء مما أدى إلى انسحاب جزء كبير من الشلة التي يعتمد عليها، كلها أمور ساهمت في تمهيد الطريق أمام تامر حسين كي يبدأ في تكوين شلته الجديدة والتي سوف تسيطر لاحقًا على أغنيات الهضبة وبالتالي سوف تفرض سيطرتها على سوق الغناء وهذا ما سوف نتحدث عنه تفصيلًا في الجزء الأخير.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
رائع جدا جدا