تاريخ من الغناء الملفق : الشاعر عادل عمر الجزء الأخير
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في سنة 1991 قرر حميد الشاعري جمع عدد ضخم من المطربين والمطربات في أغنيه “العالم قام” والتي كانت ببساطة تعليق أو رد فعل من موسيقى الجيل على أحداث حرب الخليج الأولى.
الفكرة في حد ذاتها جيدة جدًا وتأكيد على أن نخبة مطربي موسيقى الجيل ليسوا منفصلين بشكل كامل عن الأوضاع الملتهبة التي يعيشها الوطن العربي، لكن ظلت هناك مشكلة هي كيفية تعبير هذا الجيل عن هذا الحدث الجلل.
وقع حميد في خطأ كبير جدًا بإسناد مهمة كتابة الأغنية لصديقه الشاعر عادل عمر والذي تعامل مع الموضوع بركاكة وسطحية شديدة دون فهم عميق للصراع العربي الذي يتلخص في أنه “عناد في عناد والشر اشتر” أو “البير انقاد” نسبة الى حرق ابار البترول، ولخص الحرب الباردة وسباق التسلح النووي بأنه سحابة تخبي عيون الشمس، فخرجت الأغنية وكأنك استدعيت طفل وطلبت منه أن يكتب لك أغنية تعبر عن هذا الحدث الضخم فخرجت دون مغزى واضح أو فهم عميق منطقي للأحداث.
وهنا يتبادر للذهن سؤال لحميد الشاعري لماذا لم يستدعي من هم أفضل من عادل عمر في التعبير عن تلك المواضيع التي تحمل طابعًا سياسيًا ، على سبيل المثال الشاعر مصطفى زكي كاتب أغنية “أجيلك من ورا الاحزان” أو عبد الرحمن ابو سنة كاتب كلمات أغنية “أكيد” أو حتى اللجوء إلي شاعر عامية قوي مثل “جمال بخيت” الذي كتب له أغنية اسمي بشر وعبر عن مشاكلنا العربية في ألبوم كامل مع على الحجار، الإجابة تتلخص في أن الغرض من الأغنية كان فقط المشاركة والتعليق على الحدث كنوع من اثبات حضور فقط لا بغرض ترك بصمة تذكرنا بالأحداث وهذا ما يفسره أن الأغنية سقطت من الذاكرة على العكس من أغاني ألبوم لم الشمل لعلي الحجار أو أغنية ابن ماريكا لمنير.
في ظل زحمة الإنتاج الفني لحميد الشاعري كان الاعتماد على عادل عمر بكثرة شديدة، فكان شبه ثابت وبعدد ضخم في كل البومات مطربين موسيقى الجيل بلا استثناء، الغريب في الأمر أن حميد الشاعري كان يختار لنفسه أجود كلمات عادل عمر ولا يهتم بالجودة مع بقية المطربين.
علاء سلام.
في ألبوم “أحكم بالحق” واصل عادل عمر إهدار اللغة العربية باختراع تراكيب وألفاظ غريبة وغير منطقية، باستخدام اسم تفضيل على الصفة نفسها، ثم ورط نفسه في القافية المستخدمة بإدخال كلمة الدقة والتي لا علاقة بها بدقات القلب من الاساس، ثم انهى المذهب بكلمات لا رابط بينها وبلا أي معنى سوى أنها حافظت على نفس القافية فقط، ناهيك عن لحن حميد الشاعري الذي اتي أشبه بالردح.
قلبك لو دق انا قلبى ادق من الدقه
ده لغيرك قلبى مابيملشى ولغيرك عينى مابتقولشى
يا ابو الكلام موزون * اصل المحبه عيون
والله الهوى مايهون والحلو برضه مابيهونشى
محمد فؤاد
ينتمي محمد فؤاد إلي جيل الوسط أقرب منه إلى جيل موسيقى الجيل، إلا أنه تعاون مرة وحيدة مع عادل عمر وبالطبع حميد الشاعري في اغنية الشمس والتي كانت استعادة لأغنية المطرب عصام الخولي والتي وزع له الموسيقار هاني شنودة.
الأغنية ما هي إلا كلمات مرصوصة على طريقة القص واللصق مع فقر في المفردات حتى أن عادل عمر كان يعيد كلمات الشطر مرة اخرى لأنه لم يجد في عقله ما يكتبه.
افراحنا فى الليله * هنخفف الشيله * بالحب هيلا هيلا * ونغنى هيلا هيلا
دور على الفرحه وزوق الطرحه النسمه لو جارحه جوا القلوب طارحه
الشمس تجمعنا* والغربه توجعنا * لبعيد ترجعنا * الضله هتساعنا
لم تقف الكارثة حد الكلمات فقام محمد فؤاد بنسب اللحن لنفسه على الرغم من انه نفس اللحن الذي غناه عصام الخولي ونسبه إلى الفلكلور وهي سقطة معتادة من محمد فؤاد.
محمد منير.
في ظل انتشار عادل عمر التسعيني كان لابد له أن يتعاون مع بعض نجوم جيل الوسط وأهمهم بالطبع محمد منير الذي كتب له أغنية “نانا” في ألبوم الطول واللون والحرية والتي جاءت غير واضحة المعالم بمفردات غريبة ودخيلة على موضوع الأغنية.
نانا خطتها دوا خلي خط العداوة ارمي توب الغشاوة واملي بحر الهناوة ده انتي طعم الحلاوة
بالهنا هننوني خلي نونك في نوني نانا سحرك فنوني وانتي لحظة جنوني اروي لونك بلوني.
ما معني نونك في نوني وإلا كان يقصد فنوني وبفرض ذلك فهي ايضًا بلا أي معنى واضح.
في تعاون ثان مع منير كتب له أغنية “قلبك على قلبي” والتي جاءت في فترة بداية انتشار منير على المستوى التجاري فاستعان المنتج عمرو محمود بعادل عمر كي يكتب له كلمات على اللحن الذي وضعه.
كلمات الأغنية عشوائية تمامًا مع مفردات مستهلكة ووضع المستمع في حيرة من معرفة الكلمات الأصلية مع سوء مخارج ألفاظ منير فهل كان يقصد حبي كلك روحي ولا حبي كل جروحي وإن صحت الجملة فهي في النهاية كلام مرصوص مقفى يأتي بشكل متتالي سريع معتمد على إيقاع الجملة وصخب الموسيقى فقط.
طلعت زين.
استمد عادل عمر انتشاره كونه أسرع من يكتب على الألحان المعدة مسبقًا، وعندما فكر المطرب طلعت زين في تمصير بعض الأغنيات الغربية الناجحة مثل Macarena Tic Tic Tac و Should I leave التي صدرت باسم “فاضل ايه”
في أغنية ماكارينا و تيكي تا بنى عادل عمر كلماته على عنوان الأغنية الأصلية ومع ذلك خرجت مهلهلة جدًا بلا أي جملة واحدة تستطيع ان تلمح فيها أي روح شعرية ولو كان أعادها طلعت زين بنفس لغتها الأصلية لكان أفضل له بكثير.
في أخر ألبومات طلعت زين استخدم عدة ألحان فلكلورية وجلب عادل كي يكتب عليها بالإضافة إلي تقديم الملحن عمرو مصطفى لأول مرة في أغنية “بان القوام” وهي التي كانت عبارة عن تيمة لحنية أعدها وخرجت الكلمات بلا أي معنى سوى أنها رصت كي تكون على مقاس اللحن فقط.
اقرأ ايضًا
تاريخ من الغناء الملفق الشاعر عادل عمر الجزء الأول
في النهاية يجب التأكيد أن سلسلة تاريخ الغناء الملفق بنيت من الأساس محاولة لتأريخ فن الغناء المصري بموضوعية ودون انحيازات لأشخاص أو عداوات مع أحد، وبالطبع لسنا ضد الأغنية الترفيهية في العموم بل لها دورها في نشر البهجة بين صفوف المستمعين لكن دون تسطيح فلا مانع مطلقًا من أن تكون الأغنية خفيفة ولطيفة وتحمل معنى أو قيمة حتى ولو بسيطة وهناك شعراء كثيرون لديهم القدرة على إنتاج لنا تلك الأغنية.
ويمكن ببساطة شديدة نقول أن أزمة الأغنية المصرية بدأت بانهيار الكلمات وعزوف المطربين والملحنين عن الاستعانة بنصوص شعرية جيدة، وتحول الشعر الغنائي إلي سبوبة كبيرة جدًا، أي شخص يستطيع رص جمل مقفاة فأصبح شاعر، والكارثة الأكبر هي انجراف بعض الشعراء الكبار إلى نفس التيار الذي أفسد الذائقة الفنية للجمهور فلم يعد يميز ما بين الغث والسمين.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال