تبرير العنف ضد الأبناء وعلاقته بالفقر
-
حسن صابر
باحث أنثروبولوجي ومتخصص في الشئون الأفريقية
في وقت يبحث فيه العالم عن طرق أكثر تقدمية في مجال التربية؛ بهدف إخراج نشأ أفضل قادر على إدارة العالم مستقبلا، تظهر لدينا دعاوى غير مسؤولة وغير متخصصة تنادي بالعودة لاستخدام العنف وقمع الأطفال بحجة تأديبهم.
في تناقض مع حركة التطور في العالم واتساق مع ما يحيط بنا من أشكال متعددة للفقر.. أبرزها كما هو واضح من لغة “البوست” فقر التعليم، والفقر بشكل عام هو أحد أهم مصادر أو أسباب العنف.
علاقة الفقر بالتربية العنيفة
يعرف الفقر بأنه الحالة التي لا يستطيع فيها الانسان تلبية احتياجاته الأساسية (المأكل والملبس والمسكن). تلك الحالة التي يُحرم فيها الإنسان من تحقيق الأمن أو الرضا لنفسه ولمن هم تحت مسئوليته ورعايته، وبالتالي صعوبة تحقيق ذاته، وفي علاقة هذه الحالة من الرغبة في تلبية احتياجاتٍ صعبة الوصول إليها، وبالتحديد لو أن تلك الاحتياجات هي احتياجات أساسية وضرورية للحياة، يبرز العنف هنا كآلية يتم التعامل بها مع هذا الشعور.
دخل اوسكار وايلد (1854-1900) ميدان التربية من خلال دراسته لسلوكيات بعض المجتمعات الفقيرة، فوجد من خلال دراسته أن هناك سمات مشتركة بين أكثر الأسر في تلك المجتمعات، والتي تشمل من ضمنها قلة النظر إلى المستقبل كما نرى في الأمثال المتداولة بكثرة في الطبقات الفقيرة مثل (إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، واسقاط الحال على الطرف الأضعف عبر أمثال ومقولات شعبية منحازة مثل (قَدمّْه/ا وِحِش) لإلصاق الأزمة بالزوجة أو الطفل حديث الولادة، وما نحن بصدده الآن من كلام في ضرورة تعنيف الأبناء ونبذ مقولات التربية الحديثة.
تأثير الفقر على الإنسان
كتب فريق من الباحثين بحث بعنوان (عنف الفقر: مقالات ودراسات): “الفقر وما يرتبط به من ضغوط يمكن أن يؤدي إلى دورة من العنف حيث يلجأ الأفراد، الذين حُرموا من الموارد والدعم، إلى العدوان، سواء كان لفظيًا أو جسديًا، لفرض السيطرة أو التعبير عن الإحباط”.
هذا الرابط بين الشعور بالحاجة وعدم القدرة على تلبيتها استفز عدداً كبيراً من علماء النفس والاجتماع حيث تراءى لهم كيف أن الضغوط الواقعة على الإنسان تغير في شخصيته وطبيعة سلوكياته، يصرح عالم الاجتماع المعاصر “باري زوكرمان” بأن “الأطفال الذين ينشئون في بيئات فقيرة يكونون غالباً أكثر عرضة للعنف داخل المنزل. الضغوط الاقتصادية تفاقم التوترات داخل الأسرة، ما يؤدي إلى مستويات أعلى من الصراع، وغالباً ما يظهر في شكل إساءة جسدية أو عاطفية”.
العنف ليس حكر على الفقراء
لا نقول هنا أن الضرب والتعنيف مقتصر على الفقراء، وإنما نقصد بأن الحرمان ينتج العنف، هذا الحرمان المادي (الفقر) هو أحد أشكاله، إنما أحياناً يكون الجفاء العاطفي عند الوالدين أو تفضيل الأبناء على بعضهم أو غيرة الأب من الابن الأكبر وغيرها دوافع للدخول في دوائر العنف المتوارثة عبر الأجيال.
إن ارتباط العنف بالفقر ينشأ بالأساس من ظاهرة أسماها علماء النفس “حالة الناجي” أو “state of survival” حيث يعيش الإنسان حالة من الاستنفار العاطفي والضغط النفسي للحصول على متطلبات الحياة الطبيعية، وحين تطول تلك الحالة يشعر الفرد بحاجته إلى التنفيس، فيلجأ إلى تعنيف الطرف الأضعف.
“هل رأيت يوماً أماً رأت ابنها وقد كادت تصدمه سيارة، فاحتضنته لحظات ثم ضربته ضرباً شديداً”.
هذه الأم قد مرت بضغط شديد في تلك اللحظة وكان عليها أن تجد وسيلة للتنفيس عن هذا الضغط، فكان الطفل الذي لا حول له ولا قوة ضحية هذا الأمر.
ولذا فقد يحتاج أحد أو كلا الولدان إلى تعلم التربية قبل الاقدام على الإنجاب، وهو ما يساعد على فهم طبيعة الطفل ذاته وكيفية التعامل معه، وقد تظهر الحاجة إلى العلاقة الودية والقريبة بين الوالدين وطفلهما حين يمر الطفل بتجربة اعتداء أو تحرش، عندها تكون هذه العلاقة الصحية أقرب الطرق للإفصاح.
العنف الطريق الأسهل
العنف هو أبسط الطرق للسيطرة على الطفل، أما التربية فتحتاج إلى صبر وعقل، وأحياناً قد يلجأ أحد الأبوين إلى العنف تجاه أبناءهما بسبب إما الضغوط أو الاستسهال، فالعنف طريق واضح وبسيط، والتربية الحقة طريق طويل ويحتاج إلى جهد كبير.
وهو ما لا يتوفر في حالة الشعور بالحرمان، الحرمان من العاطفة أو الموارد المادية أو التقدير، فالحرمان يملأ كوب الفرد، الصبر على أي شيء مرهق، وقد أُرهق هذا الشخص عاطفياً أو مادياً بما فيه الكفاية.
يقول المؤلفان جونس وأولسون في كتابهما (مقدمة في العنف الأسري) عبر مراحل الحياة “في الأسر ذات الدخل المنخفض، يمكن أن تسهم الصعوبات اليومية من أجل البقاء في خلق بيئة يلجأ الآباء فيها إلى أساليب تأديبية قاسية، بما في ذلك العقاب الجسدي، كوسيلة للحفاظ على السيطرة”.
النهاية
بعض الأفراد الذين حُرموا وسبق لهم أن عُنفوا، وقد جاء دورهم في ممارسته، لا تقف موافقتهم على هذا السلوك عند حدود تركه كظاهرة مسكوت عنها، بمعنى أنها ظاهرة موجودة ولكن الجميع يسكت عنها ولا يتناولونها في الحديث للشعور بالحرج منها أو الخجل، بل أحياناً يتم اعطاؤها شكلاً ثقافياً مقبولاً، وادعاء أنها ضمن منظومة القيم الرئيسية للمجتمع، ثم اللجوء للسخرية أو التهميش لمن يرفضها أو يرى أنها خاطئة، ناهيك عن التصدي لها ومكافحتها.
الكاتب
-
حسن صابر
باحث أنثروبولوجي ومتخصص في الشئون الأفريقية