تجاهل المخاطر غيَّر المشهد.. “تيتان” و”تيتانيك” من تجارب فريدة إلى كوارث
رُغم غرق السفينة العملاقة “تيتانك” في إبريل 1912، إلا أنها وبعد ما يزيد عن قرن لا زالت محط أنظار العالم، فها نحن في شهر يونيو 2023، وعلى مدار ما يقرب من أسبوع العالم كله على قدمٍ وساق لحل لغز الغواصة المفقودة في المحيط الأطلسي “تيتان”، أخبار هنا وهناك تتناقلها وكالات الأنباء والقنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف حول هذه الغواصة المملوكة لشركة “أوشان غيت إكسبيديشن”، والتي تتقاضى حوالي 250 ألف دولار من الشخص الواحد في رحلة لاستكشاف حطام سفينة “تيتانيك”.
ولم تكن هذه القيمة المطلوبة للرحلة من الأمور العُضال على خمسة من أثرياء العالم قرروا غوض هذه المغامرة، هم الملياردير والمغامر البريطاني “هاميش هارينغ”، ورجل الأعمال البريطاني الباكستاني الجنسية “شاه زاده داوود”، وابنه “سليمان داوود”، والرائد “بول هنري نارجوليت” عالم المحيطات الفرنسي وخبير “تيتانيك”، و”ستوكتون راش” المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “أوشان غيت إكسبيديشن” المالكة للغواصة.
خمسة أيام انتهت بالانفجار الداخلي
“تيتان” المزودة بوسائل دعم الحياة لمدة تصل إلى 96 ساعة، بدأت رحلتها والهبوط إلى قاع البحر يوم الأحد 18 يونيو وذلك في تمام الساعة 8 صباحًا، والتي كان من المفترض أن تستغرق رحلتها 8 أيام، لكنها فقدت الاتصال بسفينة الدعم قُرب نهاية غوصها وتواصلت عمليات البحث إلى أن تم انتهاء المدة القصوى لاستنفاذ الأكسجين، وتم الإعلان يوم الخميس 22 يونيو عن العثورعلى حطام من الغواصة ” تيتان” من خلال مركبة إلكترونية، وذُكر أنها تعرضت لانفجار داخلي أدى إلى وفاة الركاب الخمسة.
هل هانت أرواح المستكشفين بعد التحذيرات بشأن سلامة الغواصة!
الأمر الذي يدعونا للدهشة، أنه في عام 2018 وخلال ندوة لخبراء صناعة الغواصات، كانت قد أثيرت أسئلة ومباحثات بشأن سلامة “تيتان”، بالإضافة إلى قيام رئيس العمليات البحرية السابق لشركة “أوشان غيت” برفع دعوى قضائية فيما يخص كوّن الغواصة غير مؤهلة ثم تم الإعلان فيما بعد عن تسويتها خلال هذا العام.
السبب الرئيس تجاهل المخاطر
هذا ما جعل المخرج والمُنتِج “جيمس كاميرون” يربط بين ما حدث مع “تيتان” وسفينة “تيتانيك“، موضحًا خلال عدة لقاءات تلفزيونية، التشابه بين الحدثين حيث وُجِهت العديد من الرسائل والتحذيرات من قِبل مهندسين خبراء في عالم الغطس، مشيرين إلى أن الغواصة ما زالت محل اختبار وتجربة ولا يمكنها نقل الرُكاب لكنه تم تجاهل هذه التحذيرات، وهذا بالضبط ما حدث من قبطان “تيتانيك” أيضًا والذي تم تحذيره من مخاوف الاصطدام بجبل من الجليد لكنه كان أصمًا تجاه هذه التوجيهات فكانت نتيجة ذلك الدمار.
“كاميرون” مخرج بدرجة مغامر
ومن الجدير بالذكر أن “جيمس كاميرون” يعد من أنجح مخرجيّ الأفلام الكنديين ماليًا على الإطلاق حيث قام بإخراج 3 أفلام من قائمة أفضل 5 أفلام في التاريخ حظت بأرباح طائلة هم الفيلم الشهير “تيتانيك” وفيلم “أفاتار” المكون من جزءين، كما أنه كان مولعًا بالاستكشاف والمغامرة فقام بزيارة سفينة “تيتانيك” الحقيقية الموجودة على عمق 3800 متر تحت سطح البحر 33 مرة.
وقد صرح “كاميرون” سابقًا أن صنعه لفيلم “تيتانيك” لم يكن نابعًا من حبه للإخراج فقط بل كان معبرًا عن روح المغامرة والتحدي التي يتمتع بها لذا أصر في الفيلم أن يقوم ببناء سفينة تبلغ مساحتها 243 متر كنسخةِ ثانية مطابقة لـ “تيتانيك”، وتبعًا لخبرة “كاميرون” في الغوص أوضح أن خوض المغامرة لاستكشاف “تيتانيك” لا يجب أن يقتصر على الأحلام والعيش في خيال مثالي، بل من الواجب تناول مخاطر الغوص لأعماق البحار الغائرة، “فأنت ذاهب إلى أكثر الأماكن التي لا ترحم على وجه الأرض” حسب قوله.
تتوالى المصائب على ” تيتان “
الكوارث تأتى حتمًا عند عدم الاكتراث بالمشكلات السابق حدوثها، فقد وثق الممثل واليوتيوبر المكسيكي الشهير “آلان ايسترادا” رحلته الاستكشافية العام الماضي على متن الغواصة “تيتان” التي فقدت الاتصالات على عمق حوالي 1000 متر أثناء رحلتها إلى حطام سفينة “تيتانك” كما تحدّث أيضًا عن استهلاك لطاقة الغواصة بنسبة 40% بسرعة هائلة، لكن الشركة المالكة عاودت رحلاتها دون النظر لكل هذه التحذيرات بعين الاعتبار.
تجربة فريدة.. لكن استوثق أولًا
وأشار خبراء الأعماق إلى أن الوصول إلى أعماق المحيطات لا يمثل مشكلة إذا تم اتباع قوانين السلامة واحترام الإجراءات اللازمة لتجنب أي خسائر، وهناك الكثير من المؤسسات والشركات حول العالم تعمل على تنظيم رحلات غوص لاستكشاف حطام سفينة “تيتانك”، وتُقدم ذلك كفرصة للمهتمين بالتاريخ والغوص وللسياح، وتتلخص هذه التجربة في نقاط محددة هي:
– أنها تتطلب رسوم باهظة نظرًا للتجهيزات العالية والإجراءات المطلوبة لتأمين الرحلة، وتختلف هذه التكاليف حسب الشركة المنظمة ونظام الرحلة، وعادةً ما يتم السماح لعدد محدود من الزوار للمشاركة في الرحلة الواحدة.
– تبدأ الرحلة بالانتقال من ساحل “نيوفاوندلاند” بكندا، وإبحار السفن الاستكشافية المتقدمة في المياه الدولية للمحيط الأطلسي، حيث تقع حطام سفينة “تيتانك” على بُعد 650 كيلو متر من ساحل “نيوفاوندلاند”.
– تستغرق الرحلة ما يقرب من 36 ساعة للوصول إلى موقع الحطام، وبعدها يتم إطلاع الزوار على تاريخ ” تيتانك ” وملابسات الحادثة الكبرى من خلال محاضرات وعروض توضيحية من قِبل علماء ومتخصصون.
– يتم اختيار القادرين على تحمل مخاطر الغوص إلى أعماق المحيط حسب ضوابط معينة، ثم يتم السماح لهم بالغوص للتمتع بمشاهدة الحطام عن كثب وتوفير وسائل عديدة مجهزة بأحدث التقنيات كالغواصات الصغيرة والروبوتات البحرية المزودة بكاميرات وأنظمة استشعار عالية الدقة تُمكِن من تصوير الحطام وتوثيقه من خلال الصور والفيديوهات وجمع البيانات للدراسة.
وللتمتع بتجربة فريدة حقًا، ينصح الخبراء من لديهم روح المغامرة وحب الاستكشاف بالتحقق من الشركة المنظمة التي تتمتع بثقة مؤكدة، وتلتزم بمعايير السلامة.