تحريم قطعي أم فتاوى صبيان .. عن حكم ظهور المرأة على وسائل التواصل

لفت نظري سؤلًا في إحدى جروبات فيس بوك، وكان مفاده، ما حكم ظهور المرأة على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر صورها وكشف وجهها؟، وكما هي العادة تعددت التعليقات وتنوعت لكنّ غالبيتها كان قول قطعي بالتحريم .

وبالبحث عن إجابة عقلانية لسؤال يبدو غريبًا في طرحه تلك الآونة، وجدنا أنه مُحرم بحجة سد الذرائع، وأنه وإن سُمح للمرأة بكشف وجهها في الحياة العامة فإنه لا يجوز لها أن تكشفه على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان تبرير تلك الفتوى المتداولة عبر محرك البحث جوجل وغيره أن نظرة الرجل للمرأة في الطريق نظرة عابرة، أما النظرة على مواقع التواصل الاجتماعي فنظرة مطولة مدققه في ملامح وجهها دون أن تعلم، وبناء على هذا فإن كل النساء اللواتي يظهرن بوجههن يرتكبن محرمًا وكلنا في النار.

قبل أن نناقش تلك الفتاوى المتداولة لابد أولًا أن نوضح قواعد وموازين الفقه الإسلامي، فهي قائمة على مصادر تشريع رئيسية متمثلة في القرآن والسنة، ومصادر فرعية منها قول صحابي أو العرف ..الخ، فإذا أردنا معرفة حكم مسألة ما نظرنا فيمَا ورد فيها في القرآن والسنة الصحيحة على اعتبارهما مصادر رئيسة، فإن كان النص موجودًا فلا مجال للاجتهاد وفق القاعدة الأصولية التي تقول ” لا اجتهاد في مورد النص”.

قطعي الدلالة والثبوت

وحينما قرأت في الفتاوى الإلكترونية رأيت الدليل متمثل في قول داعية أو فقيه، وبالطبع ليس من الصحيح أن أعامل رأيه على أنه مصدر تشريع. إن أردت أن تأخذ بكلامه فهذا يرجع إلى عقليتك وحريتك لكن لا تلزم غيرك به.

و عن حكم جواز كشف وجه المرأة أو ظهورها، فهناك دليل قطعي الثبوت والدلالة، عن ‌الزهري قال: أخبرني ‌سليمان بن يسار أخبرني ‌عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم.

النص جاء في صحيح البخاري، ولا يحتاج إلى بيان أو تفصيل، لكن للتأكيد المرأة لم تغطي وجهها ولم تمكث في منزلها ولم تخاطب النبي من وراء حجاب كما يزعمون، ولكن النبي أجاب عن سؤالها، والشاهد الثاني أن النبي لم يأمرها بتغطية وجهها ولكن عدل من رأس “الفضل” حينما نظر إليها، أمره هو أن يغض بصره.

وللتوضيح تلك المسألة لم أجد أفضل من ردود الشيخ ” الألباني” في “الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة بتغطية وجهها وكفيها” فالكتاب يرد على من جعلوا أعرافهم دينا وغيبوا النصوص الصحيحة وصاروا يبحثون في الأدلة الضعيفة حتى شاعت وانتشرت، وتوهمنا صحتها، وكيف غيبوا الحقيقة على الناس بشيء فقال الألباني :” يبدو لي أنهم ـ لشعورهم في قرارة نفوسهم ـ بضعف حجتهم يلجؤون إلى استعمال الرأي ولغة العواطف أو ـ ما يشيه الفلسفةـ  فيقولون: إن أجمل ما في المرأة وجهها فمن غير المعقول أن يجوز لها أن تكشف عنه! فقيل لهم: وأجمل ما في الوجه العينان ، فعموها إذن، ومروها أن تسترهما بجلبابها! وقبل لهم عن طريق المعارضة وأجمل ما في الرجل بالنسبة للمرأة وجهه فمروا الرجال أيضا بفلسفتكم هذه أن يستروا وجههم أيضا أمام النساء؛ وبخاصة من كان منهم بارع الجمال “.

ويطرح الشيخ الألباني سؤال وفيه، هل أجمع المسلمون على أن وجه المرأة عورة وأنها تمنع أن تخرج سافرة الوجه؟
وكان رده : ذلك ما ادعاه الشيخ التويجري ـ هداه الله ـ وقلده فيه بعضهم يعيد ذلك ويكرره في مواضع كثيرة وفي صفحات عديدة متقاربه من كتابه …يفعل هذا ويعلم في قرارة نفسه أن لا إجماع فيه لأنه يمر على الخلاق ولا ينقله وقد ينقله ثم يتجاهله!

ولتأكيد آراءه، يوضح” الشيخ”  قول القاضي عياض عن العلماء : أنه لا يلزم ستر وجهها في طريقها، وعلى الرجال غص البصر ، ثم أورد ” قول” أبو جعفر الطحاوي”:  ” أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههم وأكفهم وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.

ثم أورد قول ” الإمام مالك “في “الموطأ “ فيقول حينما سُأل مالك : هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال ، وقال : وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله”.

إقرأ أيضا

رواية تل العنب .. صراع الأرض والوصية

ويتبادر إلى ذهنك بعد عرض تلك الأدلة أن الزمان غير الزمان، ويضغط بعض دعاة اليوم على جمهور المسلمين بآراء عاطفية منها سد الذرائع حتى بتنا نشكك في كل جديد يطرأ الحياة نعتبره بدعة، فنعتبر التلفزيون بدعة ولا يجب اقتناءه بحجة سد الذرائع، نرفض تعليم البنات وذهابهن إلى الجامعات بحجة الاختلاط وسد الذرائع نرفض مشاركتهن على وسائل التواصل الاجتماعي بحجة سد الذرائع، والشيخ الألباني فطن إلى تلك المسألة فوجه سؤلًا مفاده هل يجب على النساء أن يسترن وجوههم لفساد الزمان وسدا للذريعة؟

فأقول : هذا السؤال يطرحه اليوم كثيرًا من المقلدة الذين لا ينظرون إلى المسائل الشرعية بمنظار الشرع وأدلته ولا يتحاكمون عند الاختلاف إلى الكتاب والسنة، وإنما إلى ما قام في نفوسهم من الآراء والأفكار ولو أنهم استجابوا لله والرسول إذا دعاهم لما يحييهم لـ استراحوا وأراحوا! ولكنهم أعرضوا عن ذلك ولجؤوا إلى تقليد بعض المقلدين الذين جاؤوا بعلة ابتدعوها وهي قولهم “أمن الفتنة” .

وخلاصة القول أن مواقع التواصل الاجتماعي فرضت نفسها علينا اليوم شئنا أم أبينا، بات ظهور النساء عليها أمر طبيعي مألوف وكما في الواقع هو في العالم الافتراضي. الله سبحانه أتم لنا ديننا وبلغ رسوله الرسالة وأدى الأمانة ولم نجد ف الأدلة دليلًا واحدًا قطعي الثبوت والدلالة معا يأمرها بتغطية وجهها في الواقع لتغطيه في الواقع الافتراضي وإلا تكون امرأة منفصمة، ونعيد ونؤكد لا اجتهاد في مورد النص.