“تحقيق” إجرام تخطى الحدود.. الاحتلال الإسرائيلي ينتهك حقوق ذوي الهمم
قبل 75 عامًا غابت عن فلسطين شمس الحرية بعدما دنست أرضها العصابات الصهيونية، لتعيش فلسطين وشعبها واقعًا أسوأ من أي حبكة درامية في فيلم عالمي، حرب حاربت فيها إسرائيل الصغار والكبار حتى لم يسلم منها ذوي الاحتياجات الخاصة، من ولد بتلك الإعاقة أو من تسببت رصاصتها في إعاقته، لتقمعهم في سجونها دون الشفقة على حالتهم، متبعة سياستها القمعية ضدهم في واقع غابت فيه الحكمة وسيطرت فيه شراسة القوة، ليظل المستضعفين في السجون في الظلام بعيدا عن عدسة المصورين.
منذ بداية احتلال القوات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية في العام 1967 واعتقلت الأولى ما يقرب من مليون فلسطيني في الأرض المحتلة من بينهم آلاف الأطفال، وفقًا لفرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية، في تقرير نشرته في شهر يوليو 2023.
وأوضحت في التقرير التي نشرته بأن الأرض الفلسطينية المحتلة تحولت إلى سجن مفتوح في الهواء الطلق يخضع للمراقبة المستمرة. مؤكدة أن ممارسات إسرائيل غير القانونية في مجال الاعتقال تعتبر بمثابة جرائم دولية، واستخدامها التهديدات والابتزاز والاعتداء والإهمال الطبي ضد المعتقلين خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة هي انتهاكات صارخة لاتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف والقانون الإنساني.
وفي ديسمبر من العام 2020، دعت جامعة الدول العربية، الأمم المتحدة وكافة مؤسسات المجتمع الدولي إلى تحمل مسئوليتهم القانونية والدولية ضد الانتهاكات التي يتعرض لها المعاقون الفلسطينيون من قبل القوات الإسرائيلية، مطالبتهم بالضغط على إسرائيل لوقف اعتقالات ذوي الإعاقة وإطلاق سراحهم.
ولكن بعد السابع من أكتوبر 2023 والأحداث الساخنة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية خاصة غزة والتي تحولت إلى مدينة منكوبة بسبب القصف المستمر من قبل القوات الإسلائيلية وأصبحت رائحة الموتى تفوح منها، أعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 3 آلاف شخصًا في غزة والضفة الغربية من بينهم ذوي الاحتياجات الخاصة، ليصبح في سجون الاحتلال خلال عام 2023 نحو 7000 معتقل ما بين الأطفال والنساء والرجال وذوي احتياجات خاصة.
ووفقًا للتقرير الصحي السنوي في قطاع غزة للعام 2022، فقد بلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة المسجلة نحو 55538 فردًا. موضحًا التقرير أن الإجراءات الإسرائيلية والحرب في قطاع غزة تسببا في الإعاقات الحركية لنحو 2000 شخصًا.
وفي تقرير صادر عن وكالة غوث، فإنه من المتوقع أن يرتفع عدد الأفراد ذي الإعاقة نتيجة العدوان الإسرائيلي في العام 2023 إلى نحو 12000 فردًا.
اعتقال لا نهاية له
بعد أيام من بداية الحرب الأخيرة على غزة وتحديدًا في يوم 24 أكتوبر 2023، اقتحمت القوات الإسرائيلية منزل عدنان حمارشة معاق حركيًا القاطن في الضفة الغربية، وقامت باعتقاله.
لكن لم تكن تلك هى المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال “حمارشة”، فقد تم اعتقاله عدة مرات بداية من فترة التسعينات وحتى الآن وأمضى 14 عامًا من عمره بداخل سجون الاحتلال حيث حكم عليه بالسجن 10 سنوات إداري، وفقًا لما قاله ابنه في حديثه مع “الميزان”
لم تكن القوات الإسرائيلية تكتفي بالقبض على “حمارشة” فقط، بل قامت باعتقال زوجته وابنائه في محاولة للضغط عليه رغبة منها في جعله يعترف بجرائم ليس له دخل فيها لكنه كان صادمًا ورفض الانصياغ لتهديدها.
وبسبب عدم تلبيته لرغبات المحققين الإسرائيلين ونتيجة الضرب الشديد الذي تعرض له وبسبب سوء الإهمال الطبي، أصيب في العام 2014 بجلطة دماغية ما تسبب في إعاقته.
تتبع إسرائيل في سياستها القمعية على المعتقلين في السجون منهج الإهمال الطبي، ما يعرض حياة الكثير من المعتقلين إلى الإصابة بإعاقات جزئية وكلية.
معاناة مضعفة
يقبع المرضى الأسرى من الحالات الصعبة فيما يسمى بـ “عيادات الرملة” والتي أشبه بسجن، حيث تفتقر للطواقم الطبية والحد الأدنى من المستلزمات الطبية اللازمة والعلاج، حيث لا تقدم إسرائيل للمرضى سوى المسكنات التي تفاقم من وضعهم الصحي.
ويتواجد ما بين 14 لـ 16 أسير بشكل دائم داخل “عيادات الرملة” نتيجة الظروف الصحية القاسية التي يمرون بها، وفي بعض الحالات وبعد إلحاح شديد من قبل المرضى توافق إسرائيل لنقل بعضهم إلى المستشفيات المدنية من أجل إجراء بعض الفحوصات ومعاينة الطبيب.
على مدار عقود طويلة اعتقلت القوات الإسرائيلية فلسطينين من ذوي الاحتياجات الخاصة من ولد بتلك الإعاقة أو من تسببت رصاصتها و تعذيبها في إصابته بإعاقة جزئية أو كلية، وفقًا لحديث أماني سرحان، مسؤول الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني مع “الميزان”
وتُضيف “سرحان”، أن العديد من المعتقلين داخل السجون تعرضوا لبتر بعض من أجزاء أجسادهم نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي تتبعها إسرائيل مع المعتقلين المصابين.
تُشير “سرحان” إلى أن القوات الإسرائيلية تتعامل مع الأسرى الفلسطينين ذوي الاحتياجات الخاصة مثل باقي الأسرى لا ينظر إلى حالتهم الصحية، حيث يعرضهم إلى طرق تعذيب قاسية ولا يوفرون لهم احتياجتهم الخاصة من أجهزة معينة وغيرها.
تمارس إسرائيل عدد من الأساليب القاسية أثناء التحقيق مع المعتقلين الفلسطينين والتي أدانت بها بعض المؤسسات الإنسانية منها الضغط على الأماكن الحساسة وتهديده بالاغتصاب والاعتداء الجنسي عليه وحرمانه من قضاء الحاجة وغيرها.
على مدار السنوات الماضية كان نادي الأسير الفلسطيني يأخذ مواصفات الأجهزة الخاصة التي يحتاجها ذوي الاحتياجات من أجل توفيرها نتيجة رفض إدارة سجون الاحتلال توفيرها لهم.
يعيش الأسرى الفلسطينين ذوي الاحتياجات الخاصة تفاصيل مروعة في سجون الاحتلال خاصة “عيادة الرملة” حيث أطلق عليها الأسرى “المسلخ” بسبب استشهاد عدد من المرضى داخلها نتيجة الإهمال الطبي.
وبلغ عدد الأسرى المتوفين داخل سجون الاحتلال منذ العام 1967 وحتى الآن نحو 240 شهيد، وفقًا لـ “سرحان”
وعلى الرغم من أن الفلسطينين ذوي الاحتياجات الخاصة أعدادهم في تزايد مستمر داخل سجون الاحتلال إلا أنه لا توجد أي بيانات رسمية أو إحصائيات حول أعدادهم الدقيقة بداخل السجون، وفقًا لنادي الأسير الفلسطيني.
ووفقًا لمدير عام هيئة شؤون الأسرى والمحررين في شمال الخليل، منقذ أبو عطون، فإنه بعد عميلة تبادل وفاء الأحرار “شاليط” في العام 2011 أصبحت نسبة الاعتقال في الضفة الغربية 95%، كما تحتل الضفة النسبة الأكبر من نسبة اعتقال ذوي الاحتياجات الخاصة.
فقدان بلا رجعة
في اليوم الثاني من شهر نوفمبر 2023، فَقد وسيم حسن عياش 40 عامًا من ذوي الاحتياجات الخاصة -مصاب بعجز ذهني وجالس على كرسي متحرك- في الضفة الغربية، ليظل مفقودًا ليومين متتالين لا توجد عنه أي أخبار.
بدأت عائلة “عياش” في البحث عنه في كل مكان وخرجت مبادرة شبابية لمساعدته حتى تم الإعلان عن فقدانه على مواقع التواصل الاجتماعي حيث جاءهم خبر أنه في اليوم الذي فقد فيه تم مشاهده وهو متجهًا ناحية حاجز إسرائيل، لتبدأ العائلة في البحث عنه في سجون الاحتلال ولكن الأخير لم يعطيه أي إجابة حول إن كان معتقلًا أم لا.
وبعد يومين من الاختفاء تم تسليم جثمان الشهيد “عياش” من قبل القوات الإسرائيلية للهلال الأحمر الفلسطيني بعدما اعتقلته وعرضته للتعذيب والضرب المبرح حتى ارتقى شهيدًا، وفقًا لما رواه شقيقه “يونس” لـ “الميزان”
سياسة قمعية
يقول ناجي عباس، مسؤول توجيهات الأسرى في مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان، إن أغلب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين يعانون من إعاقات هي نتيجة الرصاصات التي أصابتهم بها بنادق الاحتلال.
يُضيف “عباس” في حديثه مع “الميزان” أن الاحتلال يضع الأسرى من ذوي الاحتياجات الخاصة في إحدى السجون مع بعضهم ليكونوا قريبين من عيادة “سجن الرملة” التي تحتوي على معدات بدائية لا تصلح لعلاج المرضي.
يحتاج المرضى من ذوي الاحتياجات الخاصة خاصةً المصابين بإعاقات جزئية إلى علاج تأهيلي بجانب العلاج الآخر الأمر الذي تهمله القوات الإسرائيلية ما يجعل المرضى عُرضة لإساءة حالتهم الصحية وتحويل الإعاقة من جزئية إلى كلية.
نور الدين الجربوع واحد من ضمن الأسرى الفلسطينيين الذين تعرضوا إلى الشلل الحركي نتيجة رصاصات الاحتلال الإسرائيلي ليكون حبيس كرسي متحرك.
في يوم التاسع من شهر رمضان في العام 2022، هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين للاجئين وقامت بإطلاق الرصاصات على نور الدين وعدد من الشباب الآخرين أثناء ذهابهم للعمل، ليرتقي عدد من الشهداء، ويُصاب “الجربوع” بعشر رصاصات متفرقة في جسده لتعتقله بعدها القوات الإسرائيلية.
سمحت قوات الاحتلال بعد اعتقال “الجربوع” بدخوله إلى المستشفى لإجراء العمليات الجراحية لإخراج الرصاصات من جسده وتمكن الأطباء من إخراج 9 رصاصات من أصل 10 لتتمركز الأخيرة في عموده الفقري حتى الآن وأصيب على إثرهم بشلل.
لم تسمح القوات الإسرائيلية “للجربوع” بالمكوث أكثر من أسبوع في أورقة المستشفى لترجعه إلى سجن الرملة، ما عرضه لإهمال طبي حاد تسبب على إثرها بتوقف عضلة القلب مرتين بجانب إصابته بفيروس كورونا وحدوث مضاعفات أخرى خطيرة مثل التقرحات الخطيرة، وفقًا لحديث شقيقه “يونس” وناجي عباس المتابع لحالته في مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان.
بعد السابع من أكتوبر 2023، شددت القوات الإسرائيلية سياستها ضد المعتقلين من السجون سواء كانت ظروف الاعتقال أو سياسة الإهمال الطبي ليتم منع العلاج اللازم عن المرضى ما يعرضهم للضرر الحاد، وهو ما حدث مع الأسير نور الدين الجربوع حيث منعت القوات الإسرائيلية عنه العلاج ما أدى إلى تفاقم الوضع بالنسبة للتقرحات التي في جسده والتي بسببها لا يمكنه استكمال العلاج الطبيعي، وفقًا لناجي عباس.
تقول احترام غزوانة، مسؤولة التوثيق والدراسات في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، أن بعد عام 2015 كثفت القوات الإسرائيلية جهودها في اعتقال الفلسطينيين بعد إصابتهم مباشرة برصاصتها.
تُضيف “غزوانة” في حديثها مع “الميزان” أن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية لا توفر المعدات اللازمة لذوي الاحتياجات الخاصة مثل العكاز والفرشات الطبية وغيرها، كما تجبر أهالي الأسرى على توفيرها أو المؤسسات الإنسانية ومع ذلك تعرقل دخولها إلى الأسرى المرضى، ما يعرض حياة الأخير إلى الخطر.
يقول محمد محمود، المحامي بمركز معلومات وادي حلوة، إن الأسرى في السجون وضعهم سيء للغاية، والمحكمة لا تنظر إلى طلباتهم ولا تحرك ساكنًا.
ويؤكد “محمود” في حديثه مع “الميزان“، أنهم تقدموا بطلبات كثيرة إلى المحكمة للنظر في حالة الأسرى أصحاب الأوضاع السيئة لا سيما ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن المحكمة لا تلبي أي من متطلباتهم.
ويُشير “محمود” إلى أن الزيارات للأسرى منعها القوات الإسرائيلية وشدد طرق الاحتجاز ما جعل الأسرى يعانون أكثر، ولم يكن هذا الأمر جديدًا أي بعد السابع من أكتوبر بل كان هذا الأمر قبل السابع ولكن بعد طوفان الأقصى أصبح الأمر أكثر تعقيدًا.
ويوضح المحامي بمركز معلومات وادي حلوة، أنه أثناء المحاكمات لا يرى المحامون الأسرى إذ تقوم القوات الإسرائيلية بوضع تلفاز في قاعة المحكمة والتي من خلالها يظهر الأسير، ومهما قاموا بتقديم أوراق دافعية قوية، لا تكترث المحكمة لها.
تعيش فلسطين منذ عقود أحداث دامية يحلم أطفالها وشيوخها ونسائها ورجالها بغد تُضحى فيه الوطن سالمًا مانعًا وأن تشرق فيه شمس بلا أصوات صواريخ أو قنابل وأن ينعموا بحياة هادئة تغمر فيها السلام وأن يحلم أطفالها بمستقبل مبهر بدل من أن يحلموا بالعيش ليوم غد.
إقرأ أيضًا.. “تحقيق -” قصص يهود ضد إسرائيل قُتِلُوا وسُجِنوا لأنهم مع فلسطين