
“تحوُّل نموذج الطفل على الشاشة” من المعجزة إلى حاملٍ لقضايا وهموم عصره

-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية
“فيروز” وهي واحدة من أشهر الأطفال الذين ظهروا على شاشة السينما في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، قدمت أول أفلامها وهي في سن السابعة، وهو فيلمها الأول “ياسمين” الذي تم إنتاجه عام 1950، ومن ثم توالت أعمالها مع الممثل الراحل “أنور وجدي”، وقدمت معه أفلامًا عديدة من أشهرها “فيروز هانم، دهب، عصافير الجنة، وإسماعيل ياسين للبيع”، وغيرها من الأفلام التي جعلتها تحصل على لقب الطفلة المعجزة في ذلك الوقت، كونها جمعت بين مواهب عدة لم تظهر قبلها على الشاشة من طفلة صغيرة في السن إلى هذا الحد، حيث إنها كانت قادرة على الرقص والغناء والتقليد والتمثيل، كما أنها تميزت بخفة ظلها، وكانت هذه العناصر كافية للغاية لجعلها أيقونة إعجازية في زمنها.
الأطفال ومفارقة بين الشكل والمحتوى

وفي نفس الفترة، ظهر على الساحة طفلٌ صغير الحجم يدعى “أحمد فرحات”، ولم يكن قد تجاوز هو الآخر نفس العمر الذي كانت عليه فيروز. قدم فرحات أول أعماله بترشيح من المخرج صلاح أبو سيف للقيام بدور طفل يتيم في فيلم “مجرم في إجازة”، ولكن يُعتبر أشهر أعماله إلى الآن هو فيلم “سر طاقية الإخفاء”، وفيلم “إشاعة حب”. كان ما يميز فرحات حينها قدرته على التقليد أيضًا وجلب الضحكات بسبب خفة ظله وتكوينه الجسدي الضئيل، الذي ساهم في تكوين مفارقة كبيرة حين كان يتحدث كالكبار، رغم مظهره وسنّه الصغير للغاية
“اللماضة” سمة أساسية لأطفال السينما المصرية

سليمان الجندي هو أحد أشهر أطفال السينما المصرية، كان ظهوره الأول وهو في السابعة من عمره في فيلم “الأسطى حسن” عام 1952. رسم الجندي، بمجرد ظهوره على الشاشة، شكلًا خاصًا ومميزًا للطفل، حيث “اللماضة” وسرعة البديهة، والقدرة على فعل أشياء لم يقدر عليها الكبار، وخفة الظل، وحسن التصرف في أصعب المواقف الشاقة. ثم توالى ظهوره على الشاشة لأعوام عديدة، وظهر في أفلام “حميدو”، و”جعلوني مجرمًا”، و”النمرود”، و”رصيف نمرة خمسة”، و”شباب امرأة”.”
قولبة شكل الطفل على الشاشة

يمكن القول إن فيروز وأحمد فرحات، على وجه التحديد، قد وضعا حجر الأساس في فترة الخمسينيات لشروط ظهور الأطفال على شاشة السينما، فلا يمكن أن يظهر الطفل على الشاشة إلا إذا كانت تتوافر فيه مواهب مشتركة، ويكون قادرًا على مواكبة الحديث مع الكبار رغم صغر سنه، وعلى نفس النهج، ظهرت الطفلة “إكرام عزو” بشخصية “زيزي” في فيلم “عائلة زيزي” عام 1963، ومن اللافت للنظر أن الفيلم يحمل اسم الطفلة كبطلة للفيلم، وذلك مثل ما حدث مع فيروز في معظم أفلامها، لذا، ظهرت الطفلة بنفس الآلية التي أسستها فيروز، من حيث الجدال في الحديث مع الكبار والتعليقات الساخرة على أفعالهم، حيث تشترك الطفلة في أفعال الكبار فتحقق الضحك لأنها صغيرة، وهذا هو المنوال الذي ظل قائمًا، بل وجعل من الأطفال أبطالًا لعدة أعوام تالية على الساحة.
سوسن بداية تغيير لم تكتمل

“وقبل “عائلة زيزي”، سبقه فيلم آخر وهو “ملاك وشيطان” عام 1960، ظهرت فيه الطفلة “سوسن” بدور طفلة بريئة مخطوفة. وعلى الرغم من طبيعة الدور، فإن مساحة دورها الكبيرة، التي تُعد بطولة مشتركة مع “رشدي أباظة”، أتاحت لصُنّاع الفيلم الفرصة لكتابة جمل حوارية لها توضّح ذكاء ودهاء الأطفال، بل كانت حبكة العمل الرئيسية هي أن تغيّر هذه الطفلة البريئة قلب البطل الشرير في الفيلم، ولم يتم ذلك بالطبع إلا إذا تشاركت الطفلة في الحديث معه عن طريق الأخذ والرد، ولكن في إطار هادئ، بعيد إلى حد كبير عن الصورة التي قدّمتها فيروز.”
أم العروسة، الحفيد، وعالم عيال عيال: أفلام أبطالها الأطفال

لم تغيّر سوسن من الأمر شيئًا حول تطوّر شكل الطفل على الشاشة، بل زاد حب وتعلّق الجمهور بظهور الأطفال في الأعمال الفنية، حتى تم إنتاج أفلام أبطالها مجموعة من الأطفال معًا. من أهم هذه الأفلام “أم العروسة”، الذي تم إنتاجه عام 1963، وظهر فيه عدد كبير من الأطفال، من بينهم الطفل “سليمان الجندي”، والطفل “عاطف مكرم”، والطفلة “إيناس عبد الله”. لم يتغيّر قالب ظهور الطفل على الشاشة من حيث الصفات المشتركة بين الأطفال السالف ذكرهم، ولكن الإضافة الجديدة كانت في تشارك الأطفال معًا في حوارات متداخلة.
فمن المتعارف عليه في مجال التمثيل السينمائي والتلفزيوني أن السيطرة على مواقع التصوير بشكل عام تُعد أمرًا شاقًا للغاية، لما تتضمنه المواقع من أعداد غفيرة بين العمال والفنيين والممثلين وكل طاقم العمل وراء الكاميرا، فكيف يكون الوضع عند وجود مجموعة من الأطفال معًا في موقع واحد؟
فالسيطرة على طفل واحد داخل مكان تصوير يضم ممثلين كبارًا بالطبع أهون بكثير من وجود مجموعة مع بعضهم البعض، ولكن كان هذا التحدي يحقق نجاحات كبيرة، لذا كانت مشقة العمل مع الأطفال تهون بمجرد بلوغ النجاح وتحقيق الإيرادات.
الحفيد: أيقونة طفولية حية حتى اليوم

وعلى نفس النهج، سار فيلم “الحفيد”، الذي تم إنتاجه عام 1975، حيث كان أبطاله من الأطفال (دينا عبد الله، ميرفت علي، وأحمد جمال). تم توظيف حوارات الأطفال وفقًا لما يتناسب مع طبيعة دراما الفيلم، التي تتناول قضايا الأطفال ومسؤولية التربية وتنظيم الأسرة، في شكل كوميدي لم يكن دخيلًا على الإطلاق.
وما زالت أشهر الجمل في هذا الفيلم حاضرة حتى اليوم، مثل جملة الطفلة دينا عبد الله: “حسين، ما تطلق الست دي بقى وتريحنا!”، وجملة أحمد جمال: “أبلة أحلام ولدت! أبلة أحلام ولدت!”، وغيرها من العبارات التي لا تزال تُستخدم حتى الآن على مواقع التواصل الاجتماعي.
“إمبراطورية م”: مجرد تغيير في شكل الطفل على الشاشة

ظهر في فيلم “إمبراطورية م” عام 1972 الطفل أسامة أبو الفتوح كأصغر أبناء “منى”، التي قدّمت دورها فاتن حمامة. مزج شكل الطفل في هذا الفيلم بين “الشقاوة” و”العقل”، حيث جاءت أفعاله مبررة لسنه، وفي الوقت ذاته كان يتمتع بعقل رزين ومناقشات متأنية مع الأم والأخوة. أي أنه جمع بين نموذج الطفل الشقي والطفل العاقل، ولكن بطرق مبررة، لم يكن الهدف منها تحقيق الضحك، بل جاءت متوافقة مع دراما الفيلم، التي تناولت معاناة الأبناء من عدم تفهّم الأم لاحتياجاتهم، والفجوة الزمنية بين الأجيال.
لكن هذا النموذج لم يستمر طويلًا، وسرعان ما عاد ظهور الطفل المفطور على الشقاوة من جديد.
عالم عيال عيال: الطفل المخادع المتحكم في العلاقات

قدّم فيلم “عالم عيال عيال” عام 1976 قضية كوميدية تدور حول رجل وامرأة تربطهما علاقة عاطفية، لكن يقف عدد أطفال كل منهما سدًا منيعًا أمام إتمام زواجهما. يظهر في هذا الفيلم أكثر من 15 طفلًا وطفلة، وظلت صورة الشقاوة وفرط الحركة والتشارك في أحداث الكبار كما هي، لكن أُضيف إليها عنصر “المقالب”، حيث يقوم الأطفال بتدبير الحيل لبعضهم البعض لمنع إتمام هذه الزيجة، ليصبحوا المتحكمين في مصير الأبطال “الكبار”، ونظرًا لكثرة الأطفال في الفيلم وانقسام الجبهات بين طرفي الصراع، نجح العمل في تحقيق التوازن المطلوب بين الكوميديا والدراما.
فيلم “العفاريت” ومسلسل “أولاد الشوارع”: طريق الدخول إلى عالم مختلف في حياة الأطفال

تطرّق فيلم “العفاريت” عام 1990 إلى عالم مغاير لما اعتدنا رؤيته عن الأطفال، وهو عالم “أولاد الشوارع”، حيث تناول طرق استغلال الطفل كوسيلة للكسب غير المشروع واستغلال براءته في تجارة دنيئة. ظهرت في هذا الفيلم الطفلتان هديل خير الله وسماح عاطف في دوري “بلية ولوزة”، مقدمتين نموذجًا مؤلمًا لمعاناة الأطفال المشردين.
وعلى نفس النهج، جاء مسلسل “أولاد الشوارع” بطولة حنان ترك، ليسلط الضوء على هذه القضية أيضًا، محاولًا كشف معاناة هؤلاء الأطفال. لكنها ظلت محاولات غير مجدية، وعلى الجانب الآخر، استمر الطفل في السينما ينمو في قالبه التقليدي دون تغيير جذري.
ريم أحمد ومنة عرفة وامتداد القالب
كما هو الحال في تقديم ماهر عصام عام 1987 لدور الطفل النبيه خفيف الظل في فيلم “النمر والأنثى”، جاءت بعده ريم أحمد في دور “هدى” في مسلسل “يوميات ونيس” الجزء الأول عام 1994. وتُعد شخصية هدى واحدة من أشهر أدوار الأطفال على الشاشة، نظرًا لاستمرارية عرض المسلسل، حيث ظهرت كطفلة حتى عام 1998.
وكان من أهم أسباب نجاح ريم أحمد في دورها هو التكوين الجسماني الذي سبق أن أسّسه أحمد فرحات، من حيث ضآلة الحجم والتشارك في أحاديث الكبار بخفة ظل ونباهة. وسارت على نفس النهج منة عرفة في “راجل وست ستات” الجزء الأول عام 2007، من خلال دور الطفلة “ياسمين”.
ليلى وملك أحمد زاهر: إعداد معاصر لشقاوة زمان
في عام 2008، ظهرت ليلى وملك أحمد زاهر، ابنتا الفنان أحمد زاهر، في أدوار صغيرة كطالبات في المدرسة في فيلم “كابتن هيما” مع تامر حسني، ثم تكرر ظهورهما بعد عام واحد في فيلم “عمر وسلمى 2”، وبعده في “عمر وسلمى 3” عام 2013 مع النجم نفسه.
لم يتغير شيء من حيث شروط ظهور الطفل على الشاشة، بل ظل القالب نفسه كما هو، مع اختلاف القضايا التي طُرحت بحكم تطور الزمن. وبالتالي، تطور مضمون الحوارات المخصصة للأطفال، فظهرت الطفلتان تتحدثان عن العلاقات الإنسانية والعاطفية، لكن دون الخروج عن إطار “الطفل السابق لسنه”، القادر على مشاركة الكبار في الحديث، وحل أزماتهم، ولكن بلغة العصر الآني.
مؤخرًا: تحول واضح لمفهوم ظهور الطفل على الشاشة
بعد سنوات طويلة من تقديم الأطفال في قوالب متكررة لا حصر لها، ظهرت الطفلة ريم عبد القادر بدور “عطيات/تيتو” في مسلسل “خلي بالك من زيزي” عام 2021. حملت هذه الشخصية أبعادًا متعددة، بين البراءة، الطفولة، الشقاوة، والمعاناة، حيث كُتبت تفاصيلها بعناية لتعكس شخصية البطلة “زيزي” التي قدّمتها أمينة خليل، فكلاهما كانتا تعانيان من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
تميزت تيتو بملامح هادئة وبريئة، لكنها قدمت نموذجًا مختلفًا ومتطورًا عن جميع النماذج السابقة، حيث بدأ الطفل من خلالها يعكس جانبًا آخر من الطفولة، مثل المرض، التنمر، وطرق مواجهة هذه المشكلات من قِبل الأسرة. لم تقتصر المعاناة على الكبار فحسب، بل شارك فيها الأطفال أيضًا.
وإذا صحّ القول، فإن تجربة كتابة ورسم ملامح شخصية تيتو تعد أولى البدايات الجادة والحقيقية لكسر نمط الطفل التقليدي في السينما والتلفزيون، حيث أصبح للطفل صوت يعبر عن آلامه وآماله، ولم يعد التعبير حكرًا على الكبار فقط.
اليُتم أكثر واقعية مما كان عليه قديمًا
في عام 2021، ظهر الطفل سليم مصطفى بدور “يونس” في مسلسل “ليه لأ؟” الجزء الثاني، مقدمًا شخصية الطفل اليتيم بأسلوب غير مسبوق، حيث لم يسبق للدراما أن ناقشت “كفالة الأطفال من دور الأيتام” بهذا التفصيل والتأني. منح العمل مساحة حقيقية لإبراز شخصية الطفل والغوص في مشاعره وأحاسيسه الخاصة، فلم يكن مجرد فاقد للأب تتبناه شخصية بطولية لتوفر له الرعاية، بل كان جزءًا من قضية عامة تعكس واقع الأطفال في دور الأيتام، بما في ذلك شروط وإجراءات الكفالة، مما فتح بابًا للتعرف على عالم لم تتطرق إليه الدراما من قبل.
من جهة أخرى، لم يكن “يونس” مجرد عنصر درامي لإضفاء طابع عاطفي أو كوميدي، بل كان شخصية حقيقية تعاني وتفرح وتتعرض للتنمر، وكأنه يحمل على عاتقه قضايا عصره بكل تفاصيلها. لم يأتِ الطفل للتخفيف من وطأة الأحداث أو لتحقيق رسالة نمطية عن رعاية الأيتام، بل جسّد شخصية تعكس واقعًا يعيشه الكثير من الأطفال، مسلطًا الضوء على مشكلاتهم تمامًا كما تفعل الدراما مع مشكلات الكبار.
وفي السياق نفسه، قدّم الطفل عمر شريف في مسلسل “تحت الوصاية” عام 2023 نموذجًا آخر لليُتم، حيث كان سندًا لأمه بعد فقدان الأب، يعاونها على الهرب، ويتقاسم معها مسؤولية أخته الصغيرة، مع معاناته من الظروف المادية والأسرية الصعبة. لم يكن مجرد عنصر مكمل، بل كان دافعًا أساسيًا لتحريك الأحداث وتطورها، حتى وصول الشخصية الرئيسية إلى هدفها.
دراما 2024: أمراض الأطفال، الترومات، والعلاقات المعقدة
أما عن دراما رمضان العام السابق 2024، فقد حدث تطور تام، ليس على مستوى اختيار الممثلين الأطفال فقط، بل على مستوى اختيار الموضوعات أيضًا، والتي يستحوذ القدر الأكبر منها على “مشكلات الأطفال والمراهقين” وعلاقات “الآباء بالأبناء”. حتى في الموضوعات التي لم يظهر بها طفل كممثل، كان الطفل حاضرًا كمحور أساسي للأحداث، كما في مسلسل “صلة رحم”، حيث كانت رحلة إنجاب الطفل هي الرحلة الأساسية للبطل، وهدفه الأعظم هو ولادة طفل. وكذلك في مسلسل “أشغال شقة”، الذي بُنيت قصته بالكامل على مسؤولية “رعاية الأطفال” ومشكلاتها، بشكل أكثر تطورًا عن فيلم “صباح الخير يا زوجتي العزيزة”.
إلى جانب ذلك، تناول مسلسل “كامل العدد +1” قضايا جديدة تتعلق بمشكلات الأجيال الحالية، مع اختلافه تمامًا عن “عالم عيال عيال” في طريقة معالجة وجود الطفل والمراهق داخل الدراما. علاوة على ذلك، تجاوزت الكوميديا التي شارك فيها الأطفال قالب الشقاوة التقليدي، وأصبحت تعتمد على النبش في عالم الأطفال والمراهقين، كما في مسلسل “بابا جه”، الذي سلط الضوء على أثر افتقاد الأب على سلوك الأطفال.
أما على مستوى آخر، فقد تناول مسلسل “بدون سابق إنذار” العلاقات بين الآباء والأبناء وأثرها عليهم عندما يصبحون آباءً بأنفسهم، وطرح العديد من المفاهيم على عاتق الطفل “سليم يوسف”، مثل “تبديل الأطفال”، و”الأمراض الخطيرة مثل السرطان”، بالإضافة إلى وعي الطفل بما يدور حوله رغم صغر سنه. فهو ليس ساذجًا أو “لمضًا”، بل يتحمل مرضًا لعينًا، ويشترك مع والديه في حيرتهم عندما يكتشف أنه ليس ابنهما الحقيقي، ويتعامل مع الأمر بحكمة. يمر بفترات تخبط نفسي، ويتحمل مخاوف من هم أكبر منه سنًا، كما أنه يتعرض لصراعات نفسية معقدة، مما يجعلك كمُشاهد تشعر بالقلق تجاه الأجيال القادمة. ولكنه يقاوم ويتجاوز أزماته بقدر كبير من العناية في رسم تفاصيل شخصيته، مما جعله ليس مجرد عنصر ترفيهي داخل العمل، بل كان هو محور العمل بأكمله.
التحرش بالأطفال: الطفل محور الحدث
نصل إلى عام 2025، حيث جاء مسلسل “لام شمسية”، إنتاج “سعدي- جوهر”، تأليف ورشة سرد بقيادة مريم نعوم، وإخراج كريم الشناوي، ليطرح قضايا حساسة من زوايا متعددة. يتناول العمل قضية التحرش بالأطفال كقضية رئيسية تتصدر المشهد، إلى جانب قضايا نسوية هامة مثل التشنج المهبلي، ومفاهيم نفسية أخرى كـ فقدان الذاكرة التفارقي (Dissociative Amnesia)، وهو اضطراب نفسي يجعل الشخص غير قادر على تذكر أحداث صادمة أثرت على حياته، بالإضافة إلى تناول الاكتئاب، والعلاقات السامة، والخيانة الزوجية وغيرها.
يرتكز المسلسل على فكرة ثنائية “الخفاء والعلن”، المستوحاة من اسمه “لام شمسية”، والتي انعكست في النشيد الرسمي للمسلسل: “لام شمسية، ولام قمرية، واحدة نقولها وواحدة خفية”. هذه الثنائية تم توظيفها للكشف عن الفرق بين ما هو مستتر وما هو ظاهر في المجتمع.
وسط هذه الأجواء، يبرز الطفل “علي البيلي” الذي يؤدي دور “يوسف”، ضحية التحرش من قِبل “وسام” (محمد شاهين)، الصديق المقرب للعائلة. يتحمل “يوسف” مسؤولية طرح قضية شائكة، ويقدم أداءً تمثيليًا متقنًا ومؤثرًا، مما يعكس تطور أداء الأطفال الممثلين في الدراما الحديثة. ولضمان تقديم الشخصية بشكل مسؤول ودقيق، استعان صُنّاع العمل بالمختصة سارة عزيز، مديرة مؤسسة Safe Egypt وعضو المجلس القومي للأمومة، لتوعية الطفل وفريق العمل حول القضية، مع توفير دعم نفسي وجسدي للطفل أثناء التصوير، حتى لا يتعرض لأي ضرر نفسي.
ورغم أهمية القضية المطروحة في المسلسل وأثرها الكبير خلال السباق الرمضاني، فإن المثير للاهتمام أيضًا هو التطور الواضح في أداء الممثلين الأطفال. لم يعد الطفل مجرد وسيلة لإيصال قضية فقط، بل أصبح يمتلك مهارات تمثيلية تضاهي أداء الكبار، مع وعي ونضج أكبر في التعامل مع الأدوار. كما أن طريقة تلقي الجمهور لهؤلاء الأطفال اختلفت، حيث أصبحوا يحصلون على الدعم والتشجيع، باعتبارهم ممثلين محترفين يحملون مسؤولية أدوارهم بجدية.
كل هذه التغيرات تُعد فارقة في مسيرة تطور حضور الأطفال في الدراما، وتبرز بشكل واضح عند تتبع تسلسل رصد تطور أدوار الأطفال في الأعمال الفنية من الماضي إلى يومنا هذا.
الكاتب
-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية
ما هو انطباعك؟







