تسعين .. عن جيل توقف عن فعل المستحيل
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في مدينة نصر .. تعطلت سيارته بعد أن أصدرت العجل صوت احتكاك بالأسفلت ، فانزعجت أعصابة إلى حد كبير ، توقف ملتصقًا بالرصيف .. رفع زجاج الشباك وقرر أن يأكل أي شئ ، الأكل – أحيانًا- يخفف التوتر .. لفت انتباهه اثنين من الشباب من جيل تسعين تقريبًا ، الجيل الذي لم يعرف هويته حتى الآن ، فهو تائه بين هويتين ، التمانينات الجيل المحدد والذين يشبهون بعضهم كثيرًا ، نفس المزاج والأداء والتصرفات والشكل تقريبًا ، والألفينات نفس الجنون والبلاهة واللا اكتراث واللا مبادئ .. فهو الجيل “السقوطة” تقريبًا .
قال الشاب الذي ارتدى قميص جباردين أصفر وسنطلق عليه اسم ” الأصفر” : يا خالد أنا خائف .. للحظة تسرب لدي شعور العواجيز
فقال خالد : بالمناسبة .. أنا أيضًا خائف لكن لا أود التعبير عن ذلك
فقال الأصفر وهو يعرف الإجابة : لا مكان للخوف في هذه الأيام .. هل سمعت البلوجر فولان ..
فأشار خالد بيده أن (اسكت) : هششششش .. أنا مللت من كثرة الحديث عن الأمل والطموح .. كثرة الحديث عن الشئ يفقده هيبته ، كثرة الكلام عن الأمل جعله “براند” لا قيمة
الأصفر : بالمناسبة .. قرأت هناك قانون للجاذبية .. إذا تحدثت عن الشئ كثيرًا حدث لك
خالد : وهذه أيضًا نصباية .. استهلكونا يا صديقي في الحديث عن الطريق ، ونسوا أن يدلونا عليه
الأصفر : إذًا لماذا أنت خائف .. أعرف تمامًا أنك تسعى يوميًا لتحقيق أحلامك .. هل توقفت عن السعي
خالد : الحقيقة أن الخوف في أن يعيد الإنسان ما كان يسخر منه .. كنت أقول أن الأجيال الماضية تبالغ في تصدير الحياة كمعركة
كانت كلمة “الأجيال الماضية” كفيلة بأن تحشر الأكل في جوفه ، وضحك بداخله أنه أصبح من “الأجيال الماضية” ، وهل فعلًا كان جيله يصدر الحياة كمعركة ؟ .. كيف هذا وجيل التمانينات نفسه لا يعرف تمامًا كيف وصل إلى هنا ، هم لازالوا محشورين في رقبة بلوفر حميد الشاعري ولم يخرجوا حتى الآن .
الأصفر : إن لم تكن معركة ماذا تكون ؟
خالد : هي وسط .. لا معركة ولا فسحة ، لا سلم ولا حرب
الأصفر : أعتقد أنك عدمي بقدر كافي أن تفقد شغفك
خالد : تعرف الخوف من ايه ؟ الأحلام لم تهرب ، لكن في عينيها الغدر ، إذا نظرت إليها بشكل ثاقب وكأنها تقول لك : إحذر .. لم يعد هناك الوقت الكثير .. أنت في جيل حجّمت مبادئه أن يغرق للتفاهة ، ولم تكفي (روشنته) لمجاراة ما يحدث .. جيل تسرب إليه “العادي” ، بعد ما صدق أن “المستحيل” فعلًا مستحيل ، وأن إعلانات شركات الاتصالات التي (تبظ) أمل، كانت مجرد سناكس وسكة جديدة في الميديا .
الأصفر : أقترح عليك أن نأكل ، بلا رغي فاضي بلا كلام عن أجيال قادمة أو أجيال ماضية
أوقفت كلمة “أجيال ماضية” الكلام في زوره مرة أخرى ، وشعر بأن هؤلاء الذين يجلسون على الرصيف سوف ينغصون عليه اللقمة التي يأكلها ، فجرّب السيارة مرة أخرى .. هذه المرة بدأت تسير ، وتبتعد .. لكنه لم ينسى أبدًا أنه أصبح من “الأجيال الماضية”
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال