قصة مدرسة تعليم السرقة في مصر “كشفها لمعي والخدعة عبر القصب والأنامل”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
“التعليم في الصغر كالنقش على الحجر”
مقولة تشير إلى أن ما يأخذه الإنسان من تعليم في صغره يبقى داخل ذاكرته مهما تغيرت الظروف التي تولد عوامل النسيان، لكن أصعب شيء في التعلم أن تكون المادة علمية مخالفة للشرع والقانون.
كلنا نتذكر شخصية المعلم شنتوري التي جسدها الفنان حسن البارودي في فيلم جعلوني مجرمًا حيث الرجل الذي يعلم الأطفال الصغار فنون السرقة والنشل، وربما كان الأمر مبالغًا فيه رغم قصة الفيلم الحقيقية، لكن تاريخيًا وجود معلم ومدرسة للسرقة كان شيء متعارف عليه في عشرينيات القرن الماضي.
قصة الطفل الذي كشف مدرسة تعليم السرقة
بدأت خيوط القصة عندما ألقي القبض على صبي يدعى فؤاد عطية حنا، يبلغ من العمر تسعة أعوام وهو يقوم بالنشل من جيوب الناس، ولم تكن هذه المرة الأولي التي تم فيها القبض على هذا الطفل، بل تم إلقاء القبض عليه ثلاث مرات، وكلما فارق السجن لا يلبث قليلاً حتى يعود إليه.
اقرأ أيضًا
حكاية اللص والكلاب الحقيقية “هذه اختلافاتها عن الفيلم وتسببت في تأميم الصحف”
ساور الشك رجال البوليس في ذلك الوقت بأن هناك رأس كبرى هي التي وراء ذلك، وظهر السر وراء هذا الطفل عندما قبض عليه مرة أخرى وهو ينشل، ولكن هذه المرة تم تحويله إلى إدارة المباحث الجنائية ليتم البحث فى سوابقه وأوراقه، بدأ الضابط “لمعي أفندي المصري” رئيس قوة البوليس السري آنذاك في استجوابه بطريقة استدراجية في الحديث، للتأكيد أن الذي توقعه من أن هذا الولد بمثابة حلقة من سلسلة طويلة، وبالفعل كانت المفاجأة والأمر الغريب، أنه ينتمي لعصابة كبيرة والأغرب أنها مدرسة يرأسها مدرس يعلم فيها فن وإتقان النشل وأن هذا الغلام ما هو إلا تلميذ تحت يديه.
قام الضابط “لمعي” بالتحري وجمع المعلومات للتوصل لمؤسس هذه المدرسة، ووصل إلى ما يلي: أن في جهة تل نصر ببولاق مدرسةً لتعليم النشالين وتخريجهم، ومدير المدرسة هو نشال قديم يدعى “عطية محمد خفاجة”، والمدرسة عبارة عن دكان للنشال يضع خارجة عيدان القصب ، ليدرأ عنه الشبهة ، وليتوهم الناس أنه دكان لبيع القصب.
كان عطية يقوم بجمع الصغار ليلقي عليهم محاضراته الفنية في فنون النشل النظرية والتطبيقية، ويعرفهم الأماكن التي تكثر فيها الغنائم، ثم يقوم بعدها بتوزيعهم في أنحاء المدينة، ويعودوا محملين بما تم نشله من المارة، فيستولي على على الحصيلة، وتكون المكافأة عبارة عن فنجانًا من القهوة، أو عودًا من القصب، وإذا تفوه طفل منهم بالطلب من أخذ شيئاً مما جاؤ به هددهم عطية بالقتل والذبح.
بعد أن استوفى الضابط جميع المعلومات حول مدرسة تعليم السرقة جمع فريقًا من رجال البوليس السري، وقام بمداهمة مقر ذلك الأستاذ، وقام بإلقاء القبض عليه وعلى 7 من طلبته وبعد القبض عليهم وعند التحقيق معهم بدأت المعلومات تتكشف حول الأطفال وحكاياتهم.
الطريق إلى الجريمة بالفضول الجهول
كان أول من قص حكاية المدرسة التي يتم فيها تعليم السرقة هو فؤاد عطية حنا حيث قال”عطية محمد خفاجة هو السبب الرئيسي في كل هذه المصائب ووراء دخوله السجن، وفؤاد يعرفه لأنه من سكان المنطقة، والذي حدث أنه في ذات يوم كان الصبي يلعب بين المراجيح المنصوبة في العدوية بمنطقة بولاق، فرأى عطية يلعب القمار وحوله جماعة من العاطلين والعمال الفقراء يلعبون معه وهو يخادعهم في اللعب، ووقف فؤاد يشاهده فرآه في وسط الزحام يمد يده في جيب أحد الموجودين وينشل نقوده بخفة مدهشة فنظر عطية من حوله فرأى الصبي محدقاً صوبه، فأيقن أنه رآه وهو ينشل بخفة فأشار إليه بالسكوت، ثم لاحقه بعد ذلك وانفرد به وقال له : “لا تقل لأحد أنك رأيتني أسرق وأنا مقابل ذلك أعلمك النشل وأجعلك تلعب بالفلوس لعب”، وانخدع الصبي بكلامه، واستمر في التردد على مدرسته فحضر دروس النشل.
وصف الطفل فؤاد دروس النشل قائلاً : “كنتُ أضع إحدى يدي تحت الجيب حتى أسنده، وأصبعين من يدي الأخرى وهما السبابة والوسطى فأنشل المحفظة بهما دون أن يشعر صاحبها، وصار يدربني على هذا العمل حتى أتقنته، وأصبح المنشول لا يشعر بيدي، وكان عطية يأمرني بأن أحضر ما سرقته وأعطيه له في الخفاء، وكذلك كان يصنع مع باقي الصبية”.
أما أحمد محمد إبراهيم والبالغ من العمر 10 أعوام اعترف أنه تعرف على عطية من سنة عبر عرض فقرة الحديد التي كان يقوم بها عطية فكان يرى الصبيان عنده، وهو يعلمهم طريقة النشل فنضم إليهم وكانت أكثر الأماكن التي يرسلهم إليها هي مناطق اللهو ثم يعودوا بالحصيلة، فيستولي عليها جميعًا دون أن يأخذوا منها شيئًا وذلك خوفا من بطشه وجبروته وهكذا استمر الوضع في التعلم، ثم الانتشار كل يوم لتطبيق ما تعلمه، ويرجع بعد انتهاء اليوم ليتناول الحلوى والاستماع إلى الدرس.
كانت باقى الاعترافات متشابهة وأبطالها من الأطفال هم “إسماعيل أحمد، وعبدالمنعم أحمد، وعبدالمنعم سيد ، وإمام وهبة” وتم إيداع الأطفال وأستاذهم في السجن إلى أن ينتهي التحقيق، واستمر البوليس في مهمة البحث عن باقي الأطفال الذين تلقوا دروسهم على يد ذلك الأستاذ.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال